العدد 414 - الجمعة 24 أكتوبر 2003م الموافق 27 شعبان 1424هـ

ما هو السيناريو المتوقع في الأسابيع المقبلة؟

إيران والسلاح النووي!

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

من يقرأ ويتابع الاخبار المتعلّقة بالمشروع الايراني النووي، يستنتج حتما ان الضربة حاصلة، لا محالة وفي القريب العاجل. وإن ما يُشجّع هذا الاعتقاد، هو الوضع المضطرب والسائد في المنطقة، خصوصا بعد الاعتداء على سورية، والقرار التركي المتعلّق بمساعدة أميركا عسكريّا في العراق. إلى هذا يضاف طبعا، ما كان اعلنه الرئيس جورج بوش عن إيران، وتصنيفها ضمن دول محور الشر. وإعلانه أيضا لعقيدته والمتعلّقة بالضربة الاستباقية لأي خطر على الامن الاميركي، وذلك قبل ان يتشكّل هذا الخطر ويتجسّد على ارض الواقع، وأينما كان.

لكن هل اصبحت إيران تشكّل خطرا داهما على كل من: الولايات المتحدة و«إسرائيل» ؟ وهل أن المشروع النووي الايراني، وصل إلى نقطة متقدّمة بشكل اصبح من الضروري ضربه وإعاقته إلى وقت غير مُسمّى، كما حصل مع العراق؟ ومن جهة أخرى، يمكننا طرح السؤال الآتي: لماذا تسعى إيران، أو أيّة دولة أخرى، لامتلاك السلاح النووي؟

فيما خصّ إيران

تواجه إيران في الوقت الحالي مشكلات مهمّة ومعقّدة، وعلى ثلاثة مستويات هي:

1- التبدّل الجذري في البيئة الامنيّة المحيطة بها. وأتى هذا التبدّل ليزيد من المخاطر على امنها القومي، وحتى على ديمومة النظام فيها. فهي، أي إيران كانت ضمن استراتيجيّة الاحتواء المزدوج التي فرضتها اميركا عليها وعلى العراق. وهي دولة ترعى الارهاب، ووضعت أخيرا على لائحة دول «حور الشر». وهي دولة جاورت الحرب الاميركيّة الاولى على العراق في العام 1991. كذلك الامر، ظلّت تعاني من الوجود الاميركي العسكري، منذ 1991، وحتى حرب افغانستان، وبعدها الحرب الاميركيّة الثانية على العراق في العام 2003. ففي الحرب الاميركيّة الثانية على العراق، تثبّت الوجود الاميركي العسكري في الخليج، واصبح ممأسسا وتقريبا دائما. حتى يمكننا القول، ان محور الاستراتيجيّة الاميركيّة الكبرى، يدور حول منطقة الخليج، ومن ضمنها إيران. وبسبب هذا الوجود الاميركي العسكري، اصبحت إيران مُطوّقة من كل الجهات: من الشرق في افغانستان، من الغرب العراق والقواعد الأميركية في تركيا، ومن الجنوب الاسطول الخامس في مياه الخليج... الخ. يُضاف إلى هذا التطويق، الوجود الاميركي العسكري الثقيل في بلاد الرافدين. وتسيطر ايضا على الممرات البحريّة، كما على الاجواء والفضاء. وبعد الحرب الثانية على العراق، خسرت إيران تقريبا الحلفاء، خصوصا سورية، بعد ان اصبحت الاخيرة، هي ايضا تحت خطر التهديد. فتكون بذلك إيران خسرت العمق الاستراتيجيّ لها في البُعد العربي، بعد ان خسرته في البُعد الآسيوي.

2- المشكلات الداخليّة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. فقد اصبح من المعروف ان هناك صراعا على السلطة بين الفئات العلمانيّة والدينيّة. ووصل هذا الصراع في بعض الاوقات إلى درجة التصادم، والاقتتال الداخلي. فمن الاكيد، ان الثورة الايرانيّة لم تأتِ بالمنّ والسلوى والحلول السحريّة للمشكلات الايرانيّة. فكان لا بد من التغيير والاحتكام إلى الشعب. وعندما قال الشعب كلمته ديمقراطيّا، تدخّل البُعد الديني لإفشال هذا التبدل.

3- تعاني إيران أيضا من ضغوط عليها لوقف برنامجها النووي. وكما قلنا، فقد نشرت الكثير من الصور للمواقع النوويّة الايرانيّة، كلّها تتهم إيران بالسعي لامتلاك القنبلة النوويّة. كما سُرّبت الكثير من الاقوال الرسميّة وغيرها، كلّها تتحدّث عن قرب موعد الضربة. وإن ما يجعل الوضع الايراني حرجا، هو في ان المقاربة للموضوع الايراني من قبل اوروبا - اميركا ومنظّمة الطاقة الدوليّة يتقاطعان تماما ضد المصلحة الايرانيّة. فالكلّ مقتنع ان ايران ليست بحاجة إلى الطاقة النووية للاستعمال السلمي، خصوصا وانها تملك الكثير من الثروات النفطيّة كما الغاز. حتى انها تصدّر من هذه الطاقة الفائض عنها. فلماذا إذا هذا السعي الحثيث من قبل إيران للحصول على الطاقة النوويّة، لو لم يكن هناك نوايا مخفيّة؟ وإن ما يؤكّد هذا القلق الغربي عموما، والاميركي خصوصا، هو التصريحات التي صدرت عن أعلى مرجع في إيران، يقول فيها بضرورة ضرب «إسرائيل» بالسلاح النووي.

لماذا تريد إيران النووي؟

تسعى الدول عادة للحصول على السلاح النووي لاسباب عدّة منها:

السعي للحفاظ على الامن القومي، من المخاطر الخارجيّة. في حال إيران، لا يبدو ان امنها القومي هو في حالة سليمة. فمن المحيط المباشر لها، وما يوجد فيه، يمكننا الجزم انها في ورطة امنيّة كبيرة. وهي أيضا كانت قد عايشت ثلاث حروب تقليديّة كانت اميركا قد خاضتها على حدودها المباشرة (حرب الخليج الاولى، افغانستان والحرب الاخيرة على العراق). وقد أخذت الدروس والعبر من قدرة اميركا في المجال التقليدي. ووعت انه لا يمكن ردع اميركا عن تنفيذ سياساتها في المنطقة، إلا عبر إيجاد رادع لاميركا يتمثّل بالبُعد النووي. فها هي كوريا الشماليّة تحصّل تقريبا كل ما تريد عبر ابتزاز اميركا، فقط لانه يُعتقد انها تملك النووي. وأخيرا، لا يجب ان ننسى عداء إيران مع «إسرائيل»، وامتلاك هذه الاخيرة لهذا السلاح.

تسعى إيران لامتلاك النووي، ودخول نادي الكبار. فهذا الامر، قد يضعها في تصنيف متقدّم بين الدول. فامتلاك النووي، قد يعكس حداثة الدولة وقدرتها على مجاراة الدول المتقدّمة.

إن امتلاك النووي، قد يعني تأمين وتأكيد القدرة السياسيّة، في المحيط المباشر للدولة، أيّة دولة، وفي المحيط الاوسع. فالسلاح النووي، هو عملة يمكن صرفها على طاولة المفاوضات السياسيّة. وهو عمل رادع من الدرجة الاولى. فلنتأمّل مثلا الرئيس المخلوع صدّام حسين، مع سلاح نووي يريد استعماله. في الوقت الذي يريد فيه بوش اجتياح العراق. طبعا، سيكون الوضع مختلفا جدّا عما كان عليه.

هل تشكّل إيران النوويّة خطرا على كل من «إسرائيل» وأميركا؟

طبعا، فهي ستصبح اكثر صعوبة في التعامل معها مما هي عليه الآن. وهي ستجعل الامن القومي، لا بل ديمومة الكيان الصهيوني في خطر، خصوصا إذا ما زاوجت السلاح بوسيلة الاطلاق اللازمة والمناسبة. أما فيما خصّ اميركا، وبسبب الوجود الاميركي العسكري الكثيف في المحيط الايراني، فقد يمكن للسلاح النووي الايراني، او حتى الصواريخ البالستيّة الايرانيّة التقليديّة من تهديد امن القوات الاميركيّة المنتشرة في مياه الخليج. وأخيرا وليس آخرا، لا تريد اميركا ان تملك السلاح النووي، أو مكوّناته أية دولة موضوعة على لائحة دول «محور الشر»، وتدعم الارهاب حسب ما تدّعي اميركا. بحيث تكتمل المعادلة القاتلة لكل من اميركا و«إسرائيل» على الشكل الآتي: دولة تدعم الارهاب، وتعادي كل من اميركا و«إسرائيل» بعنف، وتملك السلاح النووي وكل مكوّناته، ومستعدّة إذا ما دعت الحاجة إلى تمرير هذا السلاح او مكوّناته إلى تنظيم «القاعدة» أو غيره، ليقوم هذا الاخير باستعماله ضدّ اميركا او حلفائها (هذا في السيناريو الاميركي، ومن ضمن الحملة الاعلاميّة ومبدأ مسخ الصورة للعدو). فهل هذا مقبول؟ طبعا لا.

هل يمكن ضرب النووي الإيراني؟

ممكن، لكن النجاح يتعلّق بالاستعلام الدقيق. كذلك الامر، يتطلّب النجاح بما يمكن ان يقوم به الآخر، في هذه الحالة، إيران. فالتخطيط على الخريطة، ومن وراء النظارات، قد لا يعني النجاح الاكيد. وضرب النووي الايراني، يتطلّب الوسائل اللازمة، وهذا امر ممكن خصوصا إذا ما تعاونت كل من «إسرائيل» وأميركا. كذلك الامر، يجب الاخذ في الاعتبار شرعيّة الضربة للنووي الايراني. فهل ستكون من ضمن قرار يصدر عن مجلس الامن؟ وإذا ما صدر هذا القرار، فهل ستعطي إيران الفرصة لأعدائها لضربها؟ وإذا ما ضرب النووي الايراني، من خارج إطار الشرعيّة الدوليّة، فهل ستردّ إيران؟ لكن كيف، أين، وضدّ أيّة أهداف؟ وكيف سيتأكّد مثلا المعتدون ان المشروع دمّر بالكامل كما حصل في العراق العام 1981؟ وماذا سيكون عليه الوضع في جنوب لبنان؟ وماذا عن المشروع الاميركي في العراق، خصوصا في بُعده الشيعي؟ وهل سينضمون إلى المقاومة الممتدة؟ كلّها اسئلة من الصعب الاجابة عنها، لأن الحرب هي ميدان المجهول. من السهل جدّا إطلاق الرصاصة الاولى، لكنه من الصعب جدّا إنهاء الحرب. لكنه يبدو ان هناك مشروعا كبيرا أُعدّ للمنطقة، وبدأنا نرى إرهاصاته تتجسّد على ارض الواقع، وهو مشروع يستهدف الكلّ من دون استثناء. فهل إن ما يقوم به العرب والمسلمون من تدابير لدرء المخاطر، هو على قدر هذه المخاطر؟ هذا هو السؤال

العدد 414 - الجمعة 24 أكتوبر 2003م الموافق 27 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً