عندما تسير في شارع ما في البحرين فإنك غالبا ما ترى أكياسا وأوراقا تتطاير يمينا ويسارا، خصوصا إذ كانت هناك ريح خفيفة، وإن دققت بنظرك في الإسفلت فإنك ستجد (مكرمين) «بصقة» أو اثنتين، كما ستجد علكة ممضوغة رميت هنا أو هناك، وتلك الأوساخ ربما يكون نعلك أو حذاؤك الأكثر تألما منها.
وعلى الرغم من أن تلك الأوساخ والقاذورات قد تتسب لك بالضيق، إلا أنها قد تكون مفيدة في بعض الأحيان، فقبل أيام خرجت من المنزل راجلة قاصدة شراء غرض من إحدى المحلات القريبة من منزلنا، فإذ بعلكة ممضوغة قد لصقت بحذائي... حاولت نزعها لكنني لم أستطع فأجلت موضوعها لحين عودتي إلى المنزل، وفي طريق العودة وبعد أن اشتريت غرضي، فإذا بحذائي يصدر صوتا قبيحا، ألقيت نظرة عليه، فإذا بها ورقة صفراء قوية قد التصقت بالعلكة التي تستقر في الحذاء... توقفت قليل ونزعت تلك الورقة وإذ بالعلكة تنتزع معها، وبذلك تخلصت من الاثنين معا.
لم أرمِ تلك الورقة على الأرض حتى لا يتأذى بها غيري، فحملتها معي إلى البيت لأرميها في سلة المهملات، وعندما وصلت للبيت، هممت برميها، ولكن جملة كتبت بالخط العريض على تلك الورقة قد استوقفتني إذ كانت تقول: «بلاليط على بيض... يا ويلكم من الله»!!... عنوانها شدني لقراءة الورقة كاملة، ولكني عندما وصلت إلى ختامها لمعرفة اسم كاتبها، كانت العلكة قد التصقت على الاسم، وعلى الرغم من أنني متقززة من منظر العلكة إلا أن الفضول دفعني لنزعها لمعرفة كاتبها، إذ إن ما كتب قد أوجع قلبي، وبعد محاولة عسيرة نزعتها فإذا بالورقة موقعة باسم «يوم أسود آخر من يوميات عاطل».
لمن يحب معرفة ما كتب فليقرأ القصة: في يوم السبت الموافق (26/11/2008) استيقظت من النوم باكرا وذلك للذهاب لإجراء مقابلة توظيف في (.....)، وبمجرد أن وضعت رجلي خارج باب البيت بدأت بقراءة سور من القرآن وطيبت فمي بذكر الله (هذا ما أقوم به قبل كل مقابلة أجريها)، وبعد سباق مع الزمن ومع التحويلات المنتشرة في شوارع البحرين، بسبب أعمال تطوير الطرقات، والتي أحسست ولسبب ما بأنها تسعى لتأخيري عن موعد المقابلة، ولكن محاولاتها باءت بالفشل، إذ وصلت في الوقت المناسب... وجلست لأتحدث مع أولئك الشباب العاطلين لأخفف من توتري قليلا... وعندما جاء دوري للمقابلة، طرقت الباب ودخلت على الأشخاص الذين سيجرون المقابلة معي (أو كما أحب تسميتهم لجنة المحلفين)، فإذا بهم شابان في العشرينيات، وامرأتان في الثلاثينيات ورجلان في الخمسينيات، وكعادة مقابلات التوظيف فإن أول سؤال تسأله، حدثنا عن نفسك؟!... وأنا أتحدث عن نفسي، كان أولئك القوم لا يستمعون لما أقول- فمن الموظف قد اختير سابقا- لذلك فقد كانوا يأكلون «بلاليط على بيض» ويشربون القهوة... لا أمانع في أكلهم، ولكن أحدهم أعتقد أنه كان يتعمد التقليل من احترامي وذلك عبر استمراره في إصدار أصوات غريبة وهو يأكل «البلاليط»، وعندما فرغوا من استجوابي، سأل أحد أولئك الشباب ذلك الرجل، هل تحب أن تسأله شيئا يا «بو فلان»، فرد باستحقار: «لا بس صب لي قهوة أحسن»... أحسست بالإهانة فكرامتي قد جرحت، ولكني لمن أشكي همي ألهذه الورقة؟!... بالطبع لا فأنا أشكي همي لله سبحانه من أولئك القوم، وأقول لهم: كلوا بلاليط على بيض اليوم، ولكن يوم القيامة ما لكم إلا حنظل».
تلك هي القصة ولا تعليق لدي، إذ أعتقد أنها كافية لإيصال الرسالة
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 2333 - السبت 24 يناير 2009م الموافق 27 محرم 1430هـ