لم يكن مصادفة أن تتوقّف المذبحة الإسرائيلية في غزّة يوم الأحد الماضي، وتنعقد القمة العربية يوم الإثنين.
ولم يكن مصادفة أن يتم ترتيب عقد قمة «عاجلة جدا»، و»طارئة جدا»، في شرم الشيخ، تستبق عقد قمة الكويت، بعد ثلاثة أسابيع من المماطلة بعقد «قمّة غزة» بدعوى أنه لابد من الإعداد لها جيدا!
ولم يكن من المصادفة أيضا أن يتم جمع رؤساء سبع دول أوروبية في شرم الشيخ خلال 24 ساعة، بينما كان ممنوعا اجتماع رؤساء الدول العربية تحت سقف واحد، قبل أن تكمل «إسرائيل» مهمتها المقدّسة! فالخيوط في منطقتنا متشابكة ومكشوفة إلى درجة العري، فهذه المرحلة سيذكرها التاريخ لشدة بؤسها وتهتكها وعبثيتها.
في اليومين الأخيرين من الحرب، وبالتحديد يومي السبت والأحد، بلغ القصف الاسرائيلي حد الجنون، باستهداف مدارس الأونروا والمستشفيات وتجمعات السكان لإنزال أكبر خسارة بالمدنيين، وهو ما كان يبشّر بقرب انتهاء المذبحة، فسيناريو حرب يوليو/ تموز تكرّر كثير من مشاهده في غزة، لتبدأ مشاهد أخرى.
كان المشهد العربي منقسما بشدة، ولم يكن هناك مجالٌ لرتق الفتق على طريقة «بوس اللحي»، ولذلك لم يستمر أثر اللقطات الضاحكة أكثر من ست ساعات، ليعود الخلاف ليتفجّر من جديد في الليل، ويمتد حتى صباح اليوم التالي. وتسبّب في تأخير الجلسة الختامية ساعتين، اتفق بعدها القوم على عدم التطرق للمبادرة العربية، ولا تبني توصيات الدوحة.
المتأمل في المشهد الآن وبعد زوال المؤثرات الصوتية، يرى الخلاف بين نهجين: نهج استفزته المذبحة فتحرّك لعقد قمةٍ «بمن حضر»، تحت ضغط الشارع الذي ملأته المظاهرات... ونهج ظلّ يعارض عقدها حتى تنتهي «إسرائيل» من مهمتها التاريخية فتُريح وتستريح. ولا بأس بعدها أن نردّد بعض كلمات الجماهير الغاضبة، أو نلوم أنفسنا على الهواء، حتى تضيع دماء غزة وتتوزّع على كل القبائل العربية بلا استثناء.
كان الخطاب الأول يُراد منه صبّ ماء بارد على الحريق، وبدل أن تراهنوا علينا بكلماتكم الكبيرة، ها نحن نردّد الكلمات ذاتها. هذه المبادرة تنم بلا شك عن ذكاء سياسي كبير. وبصراحةٍ... لم يكن أغلب الإعلاميين والصحافيين بالمركز الإعلامي لقمة الكويت يصدّق ما سمع، فالشكّ العميق كان سيد الموقف، ولذلك لم يستمر الخدر أكثر من ست ساعات.
القمة أكّدت وجود معسكرين: معسكر الكبار من ذوي الخبرة والمناورات، ومعسكر الشباب الذين يُعيّرون بالمراهقة السياسية والمغامرات.
معسكر الشيوخ (متوسط العمر فيه 80 عاما) يرى أن ليس من السياسة والكياسة أن تطالب بإلغاء «مبادرة السلام العربية»، فهي خيارٌ قائمٌ ودائمٌ ووحيدٌ، فهل لديكم بديل؟ وهل أنتم مستعدون للحرب؟ وخصوصا أن رئيسا أميركيا جديدا سيتم تنصيبه عشيّة القمة، واسمه الأصلي مبارك حسين (حرّفه الصهاينة المجرمون إلى باراك)! فهل من الحكمة أن توغروا صدره علينا؟
معسكر الشباب (متوسط العمر فيه 45 عاما) يرى أننا كنّا كرماء جدا مع «إسرائيل»، وهذه المبادرة كانت شؤما على الفلسطينيين أنفسهم، فهي التي قادت في بدايتها إلى حصار وتصفية ياسر عرفات، وفي نهايتها إلى حصار غزة ومذبحة شعبها... فالمطلوب أن تجمّدوها على الأقل، حفظا لماء الوجوه. وبين الشيوخ والشباب سقطت غزّة مضرجة بالدماء
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2333 - السبت 24 يناير 2009م الموافق 27 محرم 1430هـ