العدد 2333 - السبت 24 يناير 2009م الموافق 27 محرم 1430هـ

سمعة الحضيض لجاهل ظلوم

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

عندما تنتهي ولاية رئيس دولة، وخصوصا إذا كانت دولة مهمة وفاعلة في الحقل الدولي، فإن الرأي العام والمؤرخين يحكمون على من انتهت ولايته من خلال تقييمين: مقدار الإنجازات التي تمت في عهده نتيجة حنكة وحكمة وإرادة أو مقدار الفضائل التي ميّزت أسلوبه في العمل حتى ولو كانت الإنجازات متواضعة.

منذ بضعة أيام غادر البيت الأبيض الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. فكيف سيكون الحكم على هذا الرجل من خلال الزاويتين السابقتين؟ أعتقد أن ذلك الموضوع يهمنا لأن أفعاله التي تميزت بالحماقة والشر والتسلط، وأقواله التي جرحت مشاعر كل عربي ومسلم، قد تركت المرارة والغضب والازدراء في كل أراضي العرب والمسلمين. والحكم عليه لن يقتصر فقط على شخصه وإنما سيشمل كل من ساعدوه على إدارة أميركا وعلى إيذاء العالم إبّان فترة حكمه الأسود المأساوي. لقد كانت كل منجزات الرجل سلبية وقاتمة وإلى حدّّ كبير فاشلة. فمن حربه المجنونة على ظاهرة الإرهاب والعنف وتأجيجها بدلا عن إضعافها واستغلاله لتلك الظاهرة من أجل إنقاص الحقوق المدنية للأميركيين ومن أجل إعادة ظاهرة الاستعمار، إلى ممارسة الكذب والانتهازية من أجل احتلاله للعراق، إلى استهتاره بحقوق الإنسان الكبرى في سجون غوانتناموا وأبوغريب وفي سجون سريّة عبر العالم كله، إلى الوقوف مع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وبشكل شيطاني ضدّ المقاومة العربية في الجنوب اللبناني وفي غزة واعتبارها زورا وبهتانا عملا من أعمال الإرهاب، إلى إضعاف هيئة الأمم المتحدة وشلّ حركة مجلس الأمن، وإلى -أخيرا- ترسيخ عقيدة الرأسمالية المتوحشة في إضعاف الدولة وترك المجتمعات فريسة النظام بسوق الحر واحتكارات الشركات العولمية الكبرى. إنها حقا إنجازات بائسة يمكن أن تضاف لها عشرات المواقف المحزنة الأخرى. ولقد أحالت تلك الممارسات والأفعال أميركا إلى دولة استعمارية مجنونة محتقرة مكروهة في كل العالم.

وبالمثل، فإن الرئيس الراحل ومعاونيه فعلوا كل مافعلوه، وانتهوا بهذه الحصيلة الهزيلة، دون أن يمارسوا أيا من الفضائل الأخلاقية الكبرى. فالرئيس الراحل حاول أن يوهم شعبه والعالم بأنه كان يمارس البطولة في مواقفه وأفعاله. لكن، وكما قال الشاعر الإيراني سعدي، فإنك تستطيع أن تقطع رأس الفيل عن جسده، ولكنك لن تعتبر بطلا إن فعلت ذلك بدون إنسانية. فالرئيس الأميركي، القائد الأعلى لجيش بلاده، وبمساعدة وزير دفاعه السابق رامسفيلد القاسي القلب والضمير، قد جعل جيوشه تمارس قطع رؤوس مئات الألوف من البشر ببطولة زائفة، وترتكب كل أشكال جرائم الحرب من دون رادع إنساني يمنعها من السقوط في الحيوانية. وينطبق الأمر على ممارسة الكذب والتلفيق وعلى الادّعاء بامتلاك الحقيقة الربّانية وعلى إعلاء شأن وكيل المديح لكل عمل همجي سافل تقوم به القيادة الصهيونية وعلى ازدراء أي فكر مستنير وعلى الاستزلام الفاضح لليمين الأصولي المسيحي - الصهيوني الأميركي المتطرف. من هنا فإن كل ماسبق ذكره سيصب في تدمير شبه كامل لسمعة ذلك الرئيس. فالرئيس الذي بلغت شهرته الآفاق ستبلغ سمعته الحضيض، الآن وعبر امتداد تاريخ بلاده.

وعندما يفقد الإنسان سمعته، كما صرخ البطل الشكسبيري أوثلوا، فإنه يفقد الجزء الخالد من نفسه، أي روحه، وعند ذاك لا يبقى منه إلا ذلك الجزء البهيمي المنحط. وإذا كانت السّمعة الحسنة لا تكتسب إلا بكثير من الأفعال الطيبة فإنها تضيع وتسقط من عمل سيئ واحد، فكيف إذا كانت الأعمال السيئة تُعد بالعشرات كما هو الحال مع ذلك الرئيس الجاهل. وإذا كان لا بد من أن يذكر التاريخ ولو صفة واحدة لجورج بوش الابن فإنه سيذكر أنه مارس بجنون العقيدة القائلة بأن القوة هي الحق. ولكن كما قال الفيلسوف الإغريقي فيدروس، إنه حيث تعلو القوة على الحق تضيع العدالة. جورج بوش سيذكره التاريخ بأنه كان جهولا ظلوما وأنه أوصل سمعته وسمعة بلاده إلى الدرك الأسفل

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2333 - السبت 24 يناير 2009م الموافق 27 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً