العدد 2333 - السبت 24 يناير 2009م الموافق 27 محرم 1430هـ

أفكار عن العمالة الوافدة والأمن في الخليج

مجيد العلوي comments [at] alwasatnews.com

وزير العمل

عندما يجري الحوار عن أمن الخليج العربي، فإن النقاش غالبا ما يتم في مجالات ذات بعد استراتيجي سياسي واقتصادي وعسكري. وذلك أمر مفهوم بالنظر إلى الأهمية المتزايدة والمستمرة لمنطقتنا على الأصعدة المذكورة. بل أن مسار التطورات الراهنة للحوادث السياسية والاقتصادية ضمن سياق العولمة يرشح إلى أن الاهتمام العالمي بأمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي سيزداد في العقود القادمة.

من الطبيعي أن تقع على قيادات دولنا مسئولية تاريخية في قيادة مسيرة التعاون الخليجي في خضم الأمواج المضطربة لعالم تتقاذفه قوى ومصالح وقيم تنحو حينا نحو التجاذب وحينا آخر نحو الصراع. وفي سياق هذه المسئولية فإننا ندرك بصورة متزايدة بأن مفتاح أمننا الاستراتيجي كدول وشعوب في هذا الجزء الحيوي من العالم يكمن بالدرجة الأولى في الأساس الذي يرتكز عليه أمننا الاجتماعي والاقتصادي، وفي استمرار دور الهوية العربية الإسلامية كبوصلة ترشدنا في تعاملنا مع وقائع هذا العالم المضطرب. لذلك فليس من قبيل المصادفة أن تكون أجندة الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الداخلي على قائمة أولويات متخذ القرار في منطقتنا التي أنعم الله عليها بثروات طبيعية وبشرية جعلها تنفرد بميزة لا تتوافر لغيرها من مناطق العالم النامي والمتقدم على حد سواء.

نحن ندرك تماما بأن الهدف الأساسي من جميع جهود التنمية الحالية في دول المجلس تصبو نحو تنمية الإنسان الخليجي ليكون محركا فعالا لتقدم مجتمعاتنا. يصح ذلك على دور الأجيال الحالية والقادمة بالدرجة وذلك لسبب بسيط ولكنه حاسم: إن ثروة مواردنا البشرية على عكس ثرواتنا الطبيعية، ثروة غير قابلة للنفاذ ومخزونها واعد باستمرار، وهي ثروة لا يجب التفريط بها لأي سبب من الأسباب. إنها ثروة تحتاج إلى خيارات سياسية واعية قادرة على توجيه مسار التنمية في دولنا نحو الاستدامة القائمة على المشاركة النشطة للمواطنين في تطوير المجتمع والاستفادة من هذا التطوير لصالح تحقيق العدالة الاجتماعية والأمن والاستقرار الدائمين.

من هنا يمكننا أن نفهم الدور الحساس للغاية الذي تلعبه أسواق العمل في مسار عملية التنمية الراهنة. لا يقتصر هذا الدور فقط على البعد الاقتصادي لنشاط هذه الأسواق فحسب، بل على ما تشكله من عنصر حاسم في تشكيل هوية الإنسان الخليجي الذي نطمح إلى تطويره. فالعمل ليس مصدر رزق فحسب، بل مصدر مهم لوعي الإنسان بهويته ودوره في المجتمع. لذلك فإن أي إستراتيجية بعيدة الأمد لتطوير مواردنا البشرية لابد لها من إدراك دور العمل في حياة المواطن الخليجي وخصوصا في ظل نتائج التنمية الاقتصادية الفائقة السرعة بالمعايير العالمية والتي تشهدها منطقتنا في السنوات الماضية.

هل يمكن بناء تنمية بشرية مستدامة في دول مجلس التعاون الخليجي توافر القاعدة لأمننا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي عبر الاستمرار في زيادة الاعتماد على العمالة الوافدة إلى الدرجة التي تجعلها تشكل الغالبية الساحقة من سكان دولنا؟ ذلك هو برأينا السؤال المركزي والحاسم، الذي يتعين الإجابة عليه بصورة جادة على جميع المستويات، بدءا من الدراسات والأبحاث المعنية بالتنمية البشرية والاقتصادية وانتهاء بمستوى اتخاذ القرار السياسي.

«هناك عنصران أساسيان في دفع ظاهرة العمالة الوافدة في دول المجلس إلى صدر اهتمامات الرأي العام ودوائر اتخاذ القرار المحلية والعالمية. العنصر الأول يتمثل في حجم تدفق العمالة الأجنبية ووتيرته، أما العنصر الثاني فيتمثل في بروز مفاهيم جديدة ذات صفة كونية تتعلق بحقوق هذه العمالة ومعايير التعامل معها» (العمالة الوافدة في منطقة الخليج والوضع الأمني - محمد إبراهيم ديتو - الفصل السابع عشر من «الخليج والتحديات الأمنية» من إصدارات مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية).

ما نشهد حاليا على صعيد العنصر الأول لابد من أن يثير القلق لكل من يهتم بصدق بمستقبل تطور مجتمعات الخليج العربي. إذ نلاحظ أن هناك سباقا غير متكافئ بين معدلات النمو السكاني للمواطنين والتي تتراوح بين 2-3 في المئة سنويا ومعدلات نمو السكان غير المواطنين والتي تبلغ نحو 6.8 في المئة سنويا، أي ما يقارب ستة أضعاف المعدل العالمي البالغ 1.5 في المئة.

هذا الاتجاه سيؤدي إلى استمرار تقلص نسبة المواطنين إلى الدرجة التي يصبح فيها وضعهم مهددا بالتحول إلى أقلية في وطنهم وذلك بصفة دائمة. لا ينطلق كلامنا هذا من منظور معادي للأجانب، فنحن نفخر بتراثنا الزاخر بكرم الضيافة وحسن معاملة الغريب، بل من فهم لتداعيات استمرار هذا الوضع على هوية المواطن وسلوكه في المجتمع الذي يحس فيه باغتراب متزايد، ومن اهتمام نابع من الحرص على الحفاظ على أغلى ما تميزت به هذه المنطقة عبر التاريخ: هويتها العربية الإسلامية التي صمدت في الماضي لاختبارات صعبة وتشهد الآن الاختبار الأصعب في تاريخها المكتوب.

لابد لنا من وقفة مراجعة نقدية وبناءة وصريحة لواقع التنمية البشرية لمجتمعاتنا، إذا ما رغبنا في مواكبة متغيرات هذا العصر ومواجهة استحقاقات أجيالنا القادمة. إن ما حققناه على صعيد منجزات نفخر بتحقيقها خلال العقود الماضية يجب أن يكون منطلقا لتعزيز هذه المنجزات عبر التصدي لأهم المسائل الملحة في الوقت الراهن وخصوصا تلك المتعلقة بالإدارة السديدة لأسواق العمل في دولنا، لتكون محركا فعلا للتنمية البشرية القائمة على التطوير الشامل للإنسان الخليجي عبر الاستثمار المنتج في طاقتنا الشابة والمؤهلة بالأساس وبالدرجة الأولى. ويتطلب ذلك العمل بجدية على موائمة مسار السياسات الاقتصادية مع سياسات تنمية الموارد البشرية المواطنة وتحديث سياسات استقدام العمالة الوافدة لتكون متكاملة مع سياسات توظيف المواطنين لا بديلا عنها. وندرك تماما بأن السعي لتقليص الاعتماد على العمالة الوافدة يجب أن يكون مرتبطا بتعزيز البيئة السليمة و العادلة لشروط وظروف استخدامهم. وكما حققنا تقدما ملموسا على صعيد تنويع مصادر الدخل عبر حزمة من السياسات الاقتصادية الناجحة فقد حان الوقت برأينا لتنويع سياسات استقدام العمالة الوافدة لتتواءم مع متطلبات رؤيتنا في تنمية دولنا.

إن استحقاقات الاستمرار في النهج الحالي في زيادة الاعتماد على العمالة الوافدة ستكون متعددة الجوانب، وليس أقلها تلك المتعلقة بالمخاطر القانونية المترتبة على بقاء هذه العمالة لمدد طويلة في دولنا. لقد نبهنا إلى هذا الجانب خلال السنوات الماضية في أكثر من مناسبة وملتقى إقليمي يناقش قضايا العمالة الوافدة، ونعتقد أن تجاهل هذا البعد المهم سيكلفنا الكثير في المستقبل. نحن نعيش ضمن منظومة عالمية من الاتفاقات دولية تحدد معايير التعامل مع مختلف مجالات العلاقات السياسية والاقتصادية ومن أهمها تلك التي تختص بمسائل العمالة الوافدة.

ويمكننا أن نشير إلى أبرز الاتفاقات الدولية التي تمثل خطورة على الهوية الوطنية والتركيبة السكانية:

أولا: اتفاقية الأمم المتحدة لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم:

لقد تم الاستشهاد بهذه الاتفاقية باعتبارها واحدة من أخطر الآليات التي تهدد الهوية الوطنية... وذلك من خلال إرساء حقوق شاملة للعمالة الأجنبية وأفراد أسرهم شبيهة ومتماثلة تماما لتلك التي تكفلها الدولة لمواطنيها دون اعتبار للخلل الناتج والفريد من نوعه للخلل السكاني والارتفاع الهائل لعدد الأجانب متجاوزة بذلك حقوق العمل لتتحدث عن حقوق مساوية لحقوق المواطنة، كما أنها تطالب بمد هذه الحقوق لتشمل العمالة الشرعية والعمالة غير الشرعية كما أنها تمتد لتشمل جميع أفراد أسرة العامل الأجنبي تحت عنوان «لم شمل الأسرة».

ومن أبرز الحقوق الاستثنائية التي تتجاوز الحقوق المتعارف عليها التي تقررها هذه الاتفاقية:

1- الحق في التنظيم: مشاركة العمال وأفراد أسرهم في الحياة العامة وممارسة الحقوق السياسية.

2- حق الإقامة ولم الشمل بأزواجهم وكذلك بأولادهم المُعالين غير المتزوجين.

3- الحق في التعليم مع تيسير تعليم اللغة والثقافة الأصليين.

4- الحق في الحصول على الخدمات الاجتماعية بما في ذلك الحصول على مسكن ضمن مشاريع الإسكان الاجتماعية الحكومية لضمان المساواة في المعاملة مع رعايا الدولة.

ويلاحظ أنها حقوق لا تراعي خطورة الكثرة العددية ولا تبعاتها التي ستنعكس على أجيال متتالية من العمالة وتؤدي إلى استقرارها ومنحها حقوق سياسية وتود المناخ المناسب لمطالبتها بحق الاستقرار واكتساب الجنسية.

ثانيا: اتفاقية العمل الدولية رقم (97) لسنة 1949 بشأن العمال المهاجرين:

تنص المادة الثامنة، الفقرة (1) من هذه الاتفاقية على ما يلي:

«لا يجوز أن يعاد العامل المهاجر الذي قبل للعمل على أساس دائم ولأفراد أسرته المصرح لهم بمرافقته أو الالتحاق به، إلى بلده الأصلي أو إلى البلد الذي هاجر منه بسبب عدم تمكنه من عمله لإصابته بمرض أو وقوع حادث له بعد وصوله ما لم يرغب الشخص المعني في ذلك أو ينص عليه اتفاق دولي تكون الدولة العضو طرفا فيه».

ثم تأتي توصية العمل الدولية رقم (86) لسنة 1949م لاستكمال بيان الأحكام المهمة في الاتفاقية (97) لتنص بشكل حاسم على ما يلي:

«أن يؤخذ طول مدة إقامة المهاجر المذكور في إقليم المهجر في الاعتبار وأنه لا يجوز من حيث المبدأ إبعاد أي مهاجر عن هذا الإقليم إذا كان يقيم فيه منذ أكثر من خمس سنوات».

وهو الأمر الذي عزا بالدول الصناعية المتقدمة أن تضمن تشريعات الإقامة والهجرة فيها، سقفا لا يتعدى الخمس سنوات للسماح للعامل المهاجر بالبقاء وإلا اكتسب بصورة تلقائية حقوقا تؤهله للإقامة الدائمة واكتساب الجنسية.

في الختام نود التأكيد على حقيقة أن أسواق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي يجب أن تكون حلقة قوية في منظومة تعاملنا مع التحديات الأمنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويعني ذلك أننا لن ننسى بأن أمننا مرتبط بأمن من يعيش ويعمل معنا، ولكنه يعني كذلك إننا يجب أن ننتبه إلى مخاطر الذوبان في عالم نفتقد فيه الأسس الراسخة التي تؤهلنا للحفاظ على هويتنا... عالم نخسر فيه ميزان الموائمة بين تقدمنا الاقتصادي وتفاعلنا مع بقية العالم مع قدرتنا في الاستفادة من الطاقات الخلاقة والمبدعة لأجيالنا الشابة

إقرأ أيضا لـ "مجيد العلوي"

العدد 2333 - السبت 24 يناير 2009م الموافق 27 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً