الندوة التي أقامها حديثا مركز البحرين لحقوق الإنسان «عن التمييز» تكاد تكون امتدادا لندوة التجنيس السياسي التي سبقتها ببضعة شهور وسارت في المنحنى نفسه إذ خرجت من سيطرة مديريها.
لابد من وضع ملاحظات على الندوات التي تقام عن القضايا الساخنة وفي مرحلة كهذه:
الأولى والمهمة: أن الذي يقيم مثل هذه الندوات مهما كانت نيته صافية يدرك مقدما أنه يقيم فعالية حساسة في مرحلة حساسة ويكون جمهورها حساسا لأنه في بلد كالبحرين يتوقع الإنسان ذلك وتجربة ندوة التجنيس كافية لمعرفة نتائج الندوة الأخرى، فكان الأولى تنظيمها بشكل فعال أو تحمل كل تبعاتها ومسئولياتها.
الملاحظة الأخرى: هي عند إقامة أية ندوة على الجهة التي ترغب في إقامتها أن تجيب عن بضعة أسئلة قبل الإقدام عليها، منها: هل يصب موضوع الندوة لصالح المواطنين؟ وهل الظروف مناسبة؟ هذه النقاط المختلف عليها وتأتي في مقدمتها النظرة النسبية من قبل مختلف السياسيين إلى مدى المصلحة العامة من هذه الأطروحات الساخنة.
لا شك في أن الصراع بين الأسلوبين حدث بعد عودة المعارضة من الخارج ودخول البلاد مرحلة الإصلاحات السياسية التي ينكرها البعض (خير - شر) ومعه شريحة أخرى ممن يسميه الشعبيون (اللي ما يترس عينهم شيء) والذين يتناسون الإيجابيات ويركزون على السلبيات فقط ويحملون نظرة تشاؤمية دائما. إنه في اعتقادي هو جوهر الخلاف بين من يعتبرهم البعض طبالين للنظام وبين المتشددين، فالطبالون وأنا منهم يرون (أن لكل مقام مقال) فما حدث في البحرين من إصلاحات جاء لمصلحة الشعب وهُزمت فيه الجهة الأخرى في معركة حاسمة. والشعب كان عامل ضغط اضافة الى الضغوط الخارجية والظروف الدولية الملائمة. ولكن في المحصلة النهائية تمت تلك الإصلاحات غير المعترف بها من قبل البعض ومن ينحو نحوه من خلال مراسيم قوانين.
الخلاف إذا بين من يسميهم البعض بالطبالين وغيرهم لا يكمن في الهدف بل في الوسيلة للوصول إلى الهدف. فكلا الطرفين يصران على أن ما تحقق في مجال إعادة الحياة النيابية من دون المستوى ولا يرضي طموح المواطن. لكن هؤلاء «الطبالين» أكثر تفاؤلا بأن عدم المكابرة والاستفادة من هذه المساحة الحالية كخطوة أولى خير من رفضها.
كذلك يرى «الطبالون» أن هناك عراقيل تفرض عدم اتخاذ خطوات أكبر والمؤسف أن تظهر عناصر تعيش خارج البلاد وعلى رغم اعتزازنا بها جميعا والتي يأتيها رزقها رغدا وخصوصا الذين يعيشون في بلدان ذات أجواء باردة جميلة وأجواء ديمقراطية أجمل وهم يختلفون كثيرا عمن ليس له بد من العيش على هذه الأرض. ومن هنا يأتي الفارق الكبير بين عقلية «الطبالين» وعقلية نافخي (الصرناي).
إن ما أضاف الكثير إلى التوقف حسب ظني والتراجع عن تحقيق مزيد من التقدم التي يريدها البعض أن تكون «تغييرية» باعتبار أن تحسين الأوضاع بمثابة المسكنات بحسب ظنهم.
ترى لو كان هذا البعض هو الحاكم بكل إيمانه بالديمقراطية وحكم الشعب لنفسه فهل يقبل للمعارضة أن ترفع خطابا بهذه القسوة وهذه الكلمات وهذه التعابير التي وردت في ندوة التمييز في نادي العروبة. وردت وأسلوب المتحاورين والمتداخلين؟! هل يخيف أي قيادي مهما كان واسع الصدر والعقل وديمقراطي التفكير أم لا؟ وهل هناك دولة خليجية بما فيها الكويت بكل رسوخ دستورها ومكانة مواطنيها هل تصل مداخلتهم إلى هذه الدرجة من التطرف؟
إن مثل هذه المداخلات وهذه الأطروحات تجعل القيادي يندم على أية خطوة خطاها في مجال الإصلاح.
فحين يستذكر العقل الباطن لإنسان منفتح «سقيفة بني ساعدة» يجعل الطيف الآخر مرعوبا وكأنه يريد بذلك أن يستنفر جماعة تشعر بأن الحديث عن «السقيفة» طرح فيه معاني خارج الموضوع المحدد.
ومن هنا فإن من نسميهم بالطبالين أكثر وعيا وإدراكا بما يخدم المصلحة العامة وكيفية توظيف الخطاب وكما يقول المثل الشعبي (ما لان وانكسر). و«الطبالون» لا يريدون أن ينكسروا وهم يريدون استخدام «شعرة معاوية» وهذه هي الشطارة في العمل السياسي. وزير خارجية الولايات المتحدة السابق جون فوستر دلاس قال: «فن السياسة أن تعرف كيف تأخذ معك العالم إلى حافة الحرب ثم تعرف كيف تتراجع».
إن سياسة التصعيد بلغت بكثير من المواطنين أن يعلنوا على المكشوف أن طيفا واحدا هو المظلوم والطيف الآخر مع النظام، وحين يصل الوضع إلى هذا المستوى وحين تُوَصّل بعض القيادات السياسية طيفا واحدا إلى هذا المستوى ساعتها الله وحده يعلم ماذا يتسبب مثل هذا الطرح من انشقاق في المجتمع وكم سيكون اتساع الشرخ. والسؤال: ما النتائج المتوخاة من ذلك؟ ومن سيستفيد ومن سيصفق لهذا الشكل من الأطروحات ويباركها في صمت؟
إن أهم أصول الديمقراطية ترك المجال للناس ماداموا جميعهم لهم الوجهة نفسها وسواء جاء من خلال التطبيل والرقص أو من خلال المكابرة ولبس خوذة ودرع المقاتل ليحارب الطرف الآخر. فمادام بالإمكان أن تحقق مطالبك أليس الشعب الفلسطيني على حق؟ أليس إجرام وفاشية شارون يراه الأعمى قبل المبصر ويسمعه الأصم قبل السليم، فأين الرأي العام العالمي؟ أين لجان حقوق الإنسان عنهم وأين الأمم المتحدة؟ وأين الولايات المتحدة التي تطالب بمشاركة الشعوب؟ لماذا تستخدم (الفيتو) في أحلك ساعات الظلم الشاروني التي يبول فيها على كل قوانين الأمم المتحدة؟
نسي البعض أنه كان أحد رموز هؤلاء الذين صار يتهمهم اليوم بأنهم «طبالين» والفارق بسيط بين «الطبال» ضابط الإيقاع وبين الذي ينفخ في «الصرناي». فكلاهما يريدان إحياء الحفلة لكن الطبال يظهر طبيعيا بينما الآخر ينتفخ خداه وتكاد تنفجر حنجرته.
إن الطرح الواقعي والناضج من خلال دراسة الظروف المحيطة خير وأجدى لتحقيق مطالبنا العادلة. فخطوة للوراء من أجل خطوتين للأمام فلسفة منطقية وليست تراجعا بسبب الخوف.
وأسلوب «الطبالين» الذي ينتقده البعض هو الذي سيحقق ما يصبو إليه المواطن لا سياسة الشد والشتم والتجييش الذي قد يسجل تراجعا أو تخوفا من إعطاء المزيد. وهذا ما لا يتمناه أي مخلص لهذا الوطن
العدد 413 - الخميس 23 أكتوبر 2003م الموافق 26 شعبان 1424هـ