في معرض الرد على مقال نشر في «نيويورك تايمز»، للكاتب وليام سافير، عن الغارة الإسرائيلية على سورية، ودافع فيها الكاتب الأميركي عن حق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها. بعث السفير السوري في الولايات المتحدة عماد مصطفى بمقال إلى الصحيفة، استهله بإبداء القلق من افتقار سافير إلى العدل في منهج تفكيره. وسأل: في حال كان سافير يؤمن بحق «إسرائيل» في الدفاع عن النفس فهل ذلك ينطبق على كل الأطراف في المنطقة؟ وهل يقترح سافير أن تتخلى سورية عن الخيار الاستراتيجي بحل سلمي للنزاع في «الشرق الأوسط» وأن تحاول بدلا من ذلك أن تلجأ إلى طرق أخرى لاستعادة مرتفعات الجولان التي تحتلها «إسرائيل» منذ العام 1967؟.
وكان وليام سافير الذي اشتهر من خلال مقالاته في «نيويورك تايمز»، في الدفاع عن الدولة العبرية أعطى رأيه بالغارة على سورية، من خلال تحليل رأي المرشح الديمقراطي للانتخابات الأميركية هاورد دين، الذي عبر عنه الأخير خلال حفل غداء أقيم في مركز الصحيفة، حين قال انه في حال كان الموقع السوري الذي استهدفته الغارة، معسكرا «إرهابيا» فإن الغارة مبررة لأنه من حق الإسرائيليين الدفاع عن أنفسهم. ولاحظ سافير، أولا ان ما صرح به دين، يعتبر تغييرا في موقفه السابق والذي يقول انه ليس من حق الأميركيين أن ينحازوا إلى طرف معين في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. ومن هذا المنطلق لفت سافير، إلى ان البعض قد يقول ان دين، أصبح مواليا للإسرائيليين غير ان الذين يؤمنون بالضربات الاستباقية، ومن بينهم الكاتب نفسه، يدركون تماما المقصود من حديثه ويرحبون به. غير ان سافير، توجه إلى دين، قائلا ماذا لو حصل وأنت رئيس للولايات المتحدة أن أكّد لك «الموساد» الإسرائيلي ووكالة «سي.آي.إي» بنسبة 75 في المئة ان الموقع المذكور هو معسكر «إرهابي»، وسأل سافير، دين، لو كان في موقع المسؤولية هل سينتظر حتى يقوم العناصر الذين يجرون التدريبات فيه بتوجيه ضربة إلى الإسرائيليين كي يتأكد مئة في المئة ان المعسكر مخصص لتدريب «الإرهابيين»؟ انطلاقا من هذا السؤال، شرع سافير، بإجراء تحليل استراتيجي لسلوك دمشق، فلاحظ أولا زاعما ان الرئيس السوري بشار الأسد لم يصارح وزير الخارجية كولن باول العام الماضي (قبل الحرب على العراق) عندما وعده بأن يمنع مرور الصادرات النفطية العراقية عبر الأراضي السورية. وتابع قائلا إن سورية، شريك في «الإرهاب» وهي عدو «العالم الحر» لأنها سمحت لعدد كبير من العناصر «الإرهابية» من تنظيم «القاعدة» و«عصبة أنصار الإسلام» ولعدد من «الانتحاريين» بالدخول إلى العراق انطلاقا من أراضيها. وتساءل كيف يمكن تغيير نظام بعد وقت قصير من تغيير نظام آخر؟ أجاب مذكّرا بأن تركيا، أظهرت للأميركيين وسيلة واحدة لتحقيق ذلك، عندما حشدت جيوشها على الحدود السورية وطالبت دمشق، بإقفال مقر حزب العمال الكردستاني في دمشق، عندها قام الأسد بالتحرك بسرعة ووضع الزعيم الكردي في السجن (يقصد عبدالله أوجلان). من هذا المنطلق عرض سافير، الخطوات التي يجب اتخاذها ضد سورية:
أ مطالبة سورية بدفع مبلغ مليار دولار التي أخذها بشار الأسد من صدام حسين قبل الحرب على شكل نفط زهيد الثمن. والضغط على صندوق النقد الدولي كي يطالب سورية بتسديد مبلغ 3 مليارات إضافية كديون لصدام حسين، وإعادة الأموال العراقية التي تتهم الولايات المتحدة، سورية بإخفائها في مصارفها. وإلى أن تتم إعادة تلك الأموال «المسروقة»، طالب سافير، بلاده بعدم تعيين سفير جديد لدى دمشق وعدم قبول أوراق اعتماد موفد سوري جديد إلى الولايات المتحدة.
ب - تمرير «قانون محاسبة سورية» وتوقيعه مع دعم فرض عقوبات على دمشق، وإعطاء محفزات للأردن وتركيا لتقليص التبادل التجاري مع سورية.
ج - دعم قرار الأمم المتحدة الذي ينص على إنهاء ما أسماه «الاحتلال السوري» للبنان. والبحث عن الجهات الأوروبية التي لها علاقة بتجارة الكوكايين في سهل البقاع اللبناني التي تبيع الصواريخ للسيد حسن نصر الله (أمين عام حزب الله). ولم يوضح سافير، من هي الجهات الأوروبية وماهية التهمة الجديدة التي يلصقها بكل من الأوروبيين ولبنان على حد سواء.
د التشديد دائما على حق حليف الولايات المتحدة، «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها كما قال هوارد دين.
وعلى هذا بعث عماد مصطفى (سفير سورية في الولايات المتحدة) برسالة إلى «نيويورك تايمز»، استهلها بالقول انه قلق بشأن افتقار سافير إلى العدل في منهج تفكيره. وأوضح ان «إسرائيل»، نفسها اعترفت بطريقة غير مباشرة ان الموقع الذي استهدفته الغارة كان خاليا ومهملا. مؤكدا ان الغارة كانت تهدف إلى خدمة استراتيجيا رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، التي تسعى إلى تصعيد العنف في المنطقة. وشدد السفير السوري على ان بلاده تتعاون مع الخبراء الماليين من المصرف المركزي العراقي ومن الخزانة الأميركية من أجل اقتفاء أثر الحسابات الرسمية للحكومة العراقية السابقة المودعة والمجمدة في المصارف السورية بموجب قرارات الأمم المتحدة (في إشارة قد تكون إلى الأموال التي تخص نظام النفط مقابل الغذاء الذي كان سائدا قبل الحرب على العراق). من جهة أخرى لفت السفير السوري، مذكرا انه لم يحصل أن أصدرت الأمم المتحدة قرارا ينتقد فيه سورية على أعمالها بينما لم تتوقف الولايات المتحدة، عن استخدام حق النقض (الفيتو) من أجل حماية «إسرائيل» من قرارات مجلس الأمن. وتساءل مصطفى، انه في حال كان سافير يؤمن بحق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها فهل ذلك ينطبق على كل الأطراف في المنطقة؟ وهل يقترح سافير أن تتخلى سورية عن الخيار الاستراتيجي بحل سلمي للنزاع في «الشرق الأوسط» وأن تحاول بدلا من ذلك أن تلجأ إلى طرق أخرى لاستعادة مرتفعات الجولان التي تحتلها «إسرائيل» منذ العام 1967؟
العدد 413 - الخميس 23 أكتوبر 2003م الموافق 26 شعبان 1424هـ