العدد 412 - الأربعاء 22 أكتوبر 2003م الموافق 25 شعبان 1424هـ

شهادة المعهد: هل هي بحاجة إلى قرار سياسي؟

تعقيبا على مقالات الموسوي والملاح

زهير الغتم comments [at] alwasatnews.com

من المؤسف أن نشهد تشتت أنظار جموع الخريجين من معهد البحرين للتدريب بين التحقيقات الصحافية للسيد ضياء الموسوي وأطروحاته ومتابعاته الموثقة بالأرقام التي جاء غالبيتها ملامسا للواقع المعاش ومحاكيا لمسيرة المتدرب في هذا المعهد، وردود نادر الملاح المقتضبة والذي تعودنا على جرأته في معالجة مختلف القضايا المطروحة على أرض الواقع، ومن المؤسف أن نصل في مناقشاتنا إلى مجرد الرد لكي لا يظن البعض أننا غير قادرين على المواجهة مبتعدين جدا عن أرض الواقع فيما يخدم هؤلاء المتدربين.

والمتابع لما تم طرحه خلال الأيام الماضية يرى بأن المقالات التي نشرت من قبل المتناظرين لا تخلو من بعض التوضيحات الفنية كتابيا والتي لا تهم المتابع كثيرا، فالمتابع من متدربي المعهد لا يريد هذه التوضيحات و لا تعكس اهتمامه بالقضية و كل ما يطمح أن يراه في مثل هذه المقالات هو صلب الموضوع وهو هنا الاعتراف الرسمي لشهادة المعهد، كما أنه يريد أن يشعر بالاطمئنان على مستقبله بعد تخرجه، فإن كانت شهادته هذه لا تخدمه ولا تفتح له أبواب التوظيف مستقبلا، فيا ترى ما الداعي إلى الخوض في مثل هذه الدراسة التي لا تغني من فقر ولا تشبع من جوع؟ كان حريا بالاثنين أن يركزا على ما يهم هذا القطاع من أمور توضيحية و هو بيت القصيد في هذا السياق بحكم مراكزهما التي يمثلونها هنا كصحافي يهدف إلى الكشف عن بعض الحقائق وكممثل لوزارة العمل يرد أو يفند بعض ما ذكر من أمور يتداولها طلبة المعهد أو متدربوه إن كانت هذه الكلمة هي السائدة على طلبة المعهد.

والمتابع لرد الملاح ليس بحاجة إلى تركيز كبير ليعرف بأن الاستاذ هنا يمثل في رده وزارة العمل كجهة رسمية حتى ولو لم يذكر تحت مقاله صفته الوظيفية، وهذا السياق هو كما عهدنا رؤيته في الكثير من الردود الرسمية والتي دائما ما تأتي لمصلحة الوزارة أو المؤسسة الحكومية لكي لا تثار الأقاويل حول تغاضيها عن مثل هذه الأمور، الغريب في هذا الأمر كله ان نادر الملاح كان في كثير من الأمور والكثير من الأوقات ضد هذه الفلسفة الروتينية التي تتعامل بها الجهات الحكومية إلا إنه بعد تقلده لمنصبه الأخير كخبير للعلاقات العامة في مكتب سعادة الوزير ربما آثر الحفاظ على منصبه الحالي أكثر من مجرد توضيح الأمور المتعلقة على مسألة الاعتراف بشهادة المعهد.

وبعيدا عن هذا الرأي أو ذاك، أرى بأن طلبة المعهد ليسوا في حاجة لذكر أسماء بعض الجامعات الأوروبية أو الأميركية والتي تعترف بشهادتهم تلك، أكثر من احتياجهم في الوقت الحالي إلى الاعتراف بها داخل بلدهم، ومدى إمكان مواصلة دراستهم من خلال الجامعة الحكومية الوحيدة أو من خلال الجامعات الجديدة التي دخلت ساحة التعليم في المملكة، كما انهم في قرارة أنفسهم يحلمون بقرار سياسي من الحكومة - وهي الجهة الوحيدة التي تشرف أشرافا عاما على كل الوزارات بما فيها جامعة البحرين - لردم كل المعوقات التي تواجه هؤلاء الطلبة و عمل اللازم لهم من خلال توجيه الشركات والمؤسسات الوطنية و الحكومية وغيرها إلى فتح أبوابها لهذه الفئة ومعاملتهم كخريجين جديرين ومؤهلاتهم مقبولة ودعوة كل القطاعات إلى الاعتراف بشهادتهم تلك و مساواتهم مع نظرائهم من طلبة جامعة البحرين هذا من جهة، و من جهة أخرى فإن غالبية من يلتحق بمعهد البحرين للتدريب هم من يندرجون لعائلات متوسطة الدخل أو من دون ذلك من محدودي الدخل، ولو كان الأمر بيدهم أو انهم يستطيعون السفر لمواصلة دراستهم العليا خارج أرض الوطن لما كنا بحاجة إلى كل هذا الكلام و لما آل الوضع على ما هو عليه في الوقت الحاضر، وحتى الجامعات الجديدة التي فتحت أبوابها إليهم مع بداية هذا العام، هي جامعات ربحية أكثر منها خدماتية ونرى ذلك جليا من خلال رسوم التسجيل بها من جانب وشحة برامجها التي لا تدخل في مجالات عدة تأتي على رأسها البرامج الهندسية من جانب آخر، والبرامج الهندسية هي ذات الغالبية العظمى التي يدرسها طلبة المعهد، وحتى لو وجدت تلك البرامج تكون برامج مقتصرة على هندسة الكمبيوتر وهندسة الاتصالات التي لا تحتاج كثيرا إلى ورش كبيرة مؤهلة بالمعدات الخاصة و الكبيرة كنظيراتها من برامج الهندسة، كالهندسة الكهربائية والهندسة الميكانيكية، فأي السبل تلك التي تحدث عنها خبير العلاقات العامة لدى وزارة العمل أمام متدربي المعهد.

وبالنسبة إلى عمل اللجنة التي وضعت لرئب الصدع بين الجامعة والمعهد أرى أن هناك بعض الحقائق التي لابد من وضعها على طاولة النقاش وهي حقائق فعلية لا تحتاج إلى الكثير من الشرح والتفصيل، ويأتي على رأسها الفرق بين الدراسة العملية والدراسة العلمية أو النظرية، فالجامعة تعنى بالجانب الأكاديمي و النظري بنسبة تزيد على الـ 90 في المئة بينما يعنى المعهد بالجانب العملي بنسبة تتعدى الـ 70 في المئة أي ان الجانب النظري فيه لا يراوح الـ 30 في المئة، ومن جهة أخرى فان مواد الجامعة تأخذ طابع الإسهاب في الشرح المعمق وهي ذات نظام أميركي التوجه، بينما القاعدة التي يمشي عليها المعهد ككل هي «القوانين المستخدمة» إن صح التعبير «Rules In Use» وهي نظام بريطاني التطبيق و هما نظامان لا يلتقيان و لا يتفقان، والحقيقة التي لا يجب التهاون فيها هنا، ان طلبة المعهد قد يجدون من الصعوبة التعود على نظام الجامعة و الذي يتطلب بطبيعة الحال جهدا أكبر ووقتا دراسيا أكثر وأنهم قد يواجهون الكثير من الصعوبة في بداية الدراسة فيها لأنهم لا يستطيعون استيعاب النظام المعمول به في الجامعة بسهولة، ففي الجامعة يعتمد الطالب كليا على نفسه في إعداد جدوله الدراسي و اختيار المواد الدراسية التي تناسب المرحلة التي يمر بها و عدم تعارض أوقات الامتحانات النهائية للمواد مع بعضها بعضا، بينما في المعهد الجداول وأوقات الامتحانات تأتي جاهزة للطلبة من قبل دائرة التسجيل، كما انه من حق الجامعة كجهة مرخصة لإصدار شهادة البكالوريوس أو شهادة الماجستير أن تقارن المواد الدراسية للمعهد مع مثيلاتها في الجامعة و العمل على إعطاء الطالب الجرعة التي تؤهله للدخول في برنامج البكالوريوس بشهادة الدبلوم الوطنية العليا لكي لا يتعثر دراسيا ولكي يواكب زملائه الدارسين معه ذوي نظام الدبلوم المشارك، فهذه حقائق لا يمكننا الابتعاد عنها و نحن نطالب بفتح المجال أمام طلبة المعهد لمواصلة دراستهم في الجامعة....

و في الجانب الآخر من الموضوع أود أن أذكر هنا أن الكثير من الشركات الكبرى تفضل بالفعل خريجي المعهد لشغل الوظائف الحرفية، إلا ان الوظائف الإدارية تكون بعيدة المنال بالنسبة إليهم في غالبية الأحيان، بينما ما ذكره السيد ضياء الموسوي عن الرتب الوظيفية لخريجي المعهد هي الأصح غالبا اذ مازال الكثير من المسئولين يفرقون بين طلبة المعهد و طلبة الجامعة من هذه الزاوية، و على خبير العلاقات العامة لدى الوزارة أن يسأل بعض طلبة المعهد و نظرائهم من طلبة الجامعة الذين يعملون في المجال نفسه والمكان نفسه لا أن يأتي بمرجعيات رسمية من ديوان الخدمة المدنية - والذي لا يعترف هو الآخر بشهادة متدربي المعهد - ليصقلها و ينشرها بالصحافة.

مازال بعض رؤساء الشركات يصرون على تسمية طلبة المعهد بالمتدربين، و لا يطلقون عليهم مسمى طلبة، اذ ان المعهد تدرج من مؤسسة كانت تهدف إلى استقطاب طلبة الإعدادية لتأهيلهم و تدريبهم بعدة مجالات حرفية و كانت تساعدهم بدفع مخصصات شهرية لهم لترغيبهم على الانضمام لها، ومن ثم تدرج إلى عدة مراحل إلى أن وصل إلى شكله الحالي، وبدلا من مساعدة المتدربين ماديا و معنويا أصبح لا يختلف كثيرا عن الجامعة من حيث الرسوم الكبيرة التي صار يتلقاها من الطلبة، وكان من الأجدر لو تمت هذه النقلات بصورة مرسومة ومتفق عليها مع باقي الوزارات و على رأسها وزارة التربية والتعليم لوضع النقاط على الحروف و عدم الدخول في مثل هذه الضجة الكبيرة، و من ثم عرض كل هذه الإتفاقات أمام الشركات الصناعية الكبرى والوزارات ذات الاختصاص.

وردا على تصريحات الأخ نادر الملاح أيضا، أود أن أذكر بعض الحقائق التي تؤكد بأن حتى المعهد لا يعترف بالشهادة التي يصدرها وهي:

- المعهد و في أي إعلان عن وجود شواغر في الهيئة التدريسية فيه أول ما ينص عليه في المتقدم لهذه الوظائف هو حصوله على شهادة البكالوريوس، و لا يأتي على ذكر شهادة الدبلوم الوطنية العليا التي يصدرها كمعهد معترف به حكوميا وإقليميا.

- بعض من شغل وظائف التدريس من الموظفين القدامى فيه إذا ما التحقوا ببرنامج الدبلوم الوطنية العليا التي يصدرها، يتم التفاضل فيما بينهم و بين من توظف لاحقا بشهادة البكالوريوس تاركا وراء ذلك الخبرة و العمر الذي قضاه هؤلاء فيه.

- المعهد مازال يتبع نظاما غريبا في قبول طلبات الملتحقين فيه للدراسة، فحتى ممن لم يحصل على الشهادة الثانوية العامة يمكنه أن يلتحق بالدراسة في المعهد إذا ما قبل الدخول في برنامج الإعداد الذي يمتد لعام على أقل تقدير، و هناك بالفعل كثير ممن حصل على شهادة الدبلوم الوطنية العليا و لم يكن لديه شهادة الثانوية العامة أو الصناعية وهي أقل ما يمكن أن يتطلبه أي برنامج أكاديمي جامعي، فهل يتساوى طالب الجامعة بطالب المعهد من هذا المنظور؟

- هناك حقيقة أخرى أمر من تلك التي سبقت، وهي انه لو أراد أي طالب أن يلتحق ببرنامج دراسي في المعهد و لنقل لنيل الدبلوم الوطنية العليا، وهو لم يلتحق بأي برنامج آخر، عليه أن يتقدم لامتحان عام يحددون من خلاله ما إذا كان مهيئا لدخول البرنامج الأرفع أم لا، و الحقيقة المرة هنا بأن غالبية من تقدموا لبرامج عليا في هذا الإطار تم قبولهم فيها....

- المعهد كان يصدر شهاداته بالتعاون مع معهد BTEC الإنجليزي والذي كان يشرف و لو بصورة سطحية على سير عملية التعليم في المعهد، إلا أن المعهد ما عاد يصدر شهادة معهد BTEC وعلى من يطلبها من الطلبة أن يدفع مبلغا لا يقل عن الخمسين دينارا لكي يحصل عليها، و صار يقتصر على الشهادة التي يصدرها كمعهد للتدريب فقط.

في النهاية وعلى رغم كل ما ذكرته هناك اقتراح بسيط أتقدم به للقائمين على معهد البحرين للتدريب، و هو تساؤل أكثر منه إلى الاقتراح: لماذا لا يتم تحويل معهد البحرين للتدريب إلى جامعة أخرى على الساحة الوطنية؟ تساهم هي و جامعة البحرين في توفير المناخ المناسب والتدريب المناسب لكل الطلبة البحرينيين وتصدر شهادة البكالوريوس كأي جامعة معترف بها بغض النظر عن تبعيتها لوزارة العمل أو لوزارة التربية، والعمل صفا واحدا بالتعاون مع باقي الوزارات لحل هذه الإشكالية المتعثرة

العدد 412 - الأربعاء 22 أكتوبر 2003م الموافق 25 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً