«استيقظي يا عروسة»
تساقطت الكلمات رقيقة على مسمعها. لامست خدها بمنتهى العذوبة، وطبعت قبلة على جبينها ووجنتها المتوردة إثر استغراقها في النوم. ابتسمت قبل أن تفتح عينيها. وبصوت مبحوح:
«صباح الخير يا أمي...».
كانت منهكة متكاسلة. على رغم تحضيرات دؤوبة لأشهر استعدادا ليومها المميز، داهمها ليلة البارحة هاجس مشاغب أقلقها وأسهدها. طارد اللذة المطبوعة في أحاديثها معه عبر الأمسيات الهامسة التي طالما تقاسماها.
أرغمت نفسها على النهوض. لم تستطع إخفاء تجهمها، فاستجارت بحضن أمها طلبا للراحة والسكينة.
«هل كل شيء على ما يرام؟»
سألت غارسة رأسها في صدر أمها. فحثتها على الإسراع للتحضر والاستعداد... وخارجة من الغرفة علّقت: «لا تنسي المعوذات... يكفينا ما أصابنا من العيون الحاسدة مسبقا...».
تجهمت أكثر. فعلى رغم انسيابية الاحداث منذ بداية علاقتها معه، مرورا بتذليل أية صعوبة اعترضت ارتباطهما، فإنها اليوم إذ تزف عروسا له تبدو متشائمة مقبوضة النفس. ذلك الهاجس يجثم على صدرها... يسلبها أنوار الفرح المضاءة من حولها، فيحيلها روحا متكومة في جرة ملؤها الشك والوساوس. تعيش أوقاتا كما الأحلام... أروع من أن تكون حقيقية، وعند اقتراب اللحظة الحاسمة... تبقى محاطة بالمخاوف. فماذا لو حدث ما هو ليس بالحسبان؟ رعب يحوم في مخيلتها مما يخفيه القدر لها تحت ستار الفرح المؤقت... تلك السعادة التي تعتريها وتتلبسها... ماذا لو كانت مجرد زيف في أرض الحقيقة؟
سيطرت على مرضى أفكارها... وتنشطت. عند مغادرتها للغرفة أحست ببلبلة قادمة من الأسفل. ولدى اقترابها من هرج ومرج أهلها غير الطبيعي... أبصرت أمها تصفق بيدا بيد. اقتربت من أخواتها اللاتي أحطن بالأم.
«ما الأمر؟»
كادت تترابط أحرف الكلمات، وجاء الرد بين الولولة والصياح: «ديك أسود مشؤوم عند باب المنزل...»، هذت الأم.
كسا ملامحها الاستغراب وعدم الفهم... لتجيب الأم عن تساؤلاتها:
«ولم يكتفوا بسواده المقزز بل أرسلوه يرتكز عند المدخل بذيله المنتوف وعرفه المنقور...».
وراحت تشرح لبناتها كيف أن الديك نذير شؤم... ولونه الأسود يجلب سوء الطالع، ويحيل النهار سوادا متحالكا، ولابد من أن يدا حاسدة وراء هذا العمل... تريد أن تنال من فرح ابنتها فتفسده وتعكر صفو جدولها العذب.
ترقرقت عيناها بالدموع... تمتمت... «ذاك إذن سبب انقباض قلبي الخانق منذ البارحة...».
وعلى الفور كان لابد لوالدتها من اتخاذ قرار توقف من خلاله مصيبة قد تحل بهم، فمن يدري ما هو هدف تارك الديك من فعلته... «كومار...» نادت على الخادم.
«خد الديك الرابض في الخارج... قم بذبحه، وبكيس بمثل لونه القاتم كفنه وارمه في البحر»، أمرته ووجب عليه التنفيذ.
وإلى أن يتم كومار مهمته، جلست الأم تطمئن ابنتها وتقوم بتهدئة اضطرابها وقلقها الواضحين. فأمها كما عودتها دائما... لن تدع أي مكروه يمسها، وفرحها الليلة سيكون مضاعفا.
اصطنع الجميع طبيعة الاحداث. قاموا بكل التحضيرات المتفق عليها وكأن ما من أمر زوبع أحوالهم صباحا.
وعند قدوم كومار متما واجبه... انفرجت الأسارير وعادت البسمة تعلو وجوه الجميع من جديد. اطمأنت العروس وزال انقباض قلبها المكبل لصدرها منذ مساء الأمس.
الآن أصبح الاحتفال احتفالا بحق... وريثما يحين وقت إحضار العروس، وقفت الأم مغتبطة تستقبل ضيوفها. وعبر بوابة قاعة الفندق الضخمة... لمحت جارتها أم أحمد. عاتبتها على التأخير وهي التي وعدت بالحضور باكرا للتحضير معها كما اتفقتا.
«اعذريني...» قدمت الاعتذار ضاحكة، وأردفت: «بصعوبة استطعت التملص من ابني الصغير... الذي بقي متعلقا برقبتي مصرا على إيجاد (جسّوم)... ديكه الأسود الهارب!».
كاتبة كويتية