أثارني رد الاخ عبد النبي مرهون (وهو ليس عضوا برلمانيا كما ورد عن طريق الخطأ) الذي نشر أمس في «الوسط» وذكر فيه ماورد عن أن المعارضة في البحرين «لا تطرح حلولا» مثلها مثل المعارضة في بريطانيا. وبدلا من مساءلة هذه الجملة واصل الحوار على أساس صحة هذه المقولة.
في بريطانيا كل حزب لديه برنامج مفصل ومنشور على الانترنت وفي النشرات والكتب الصادرة عن الحزب. فالحزب الحاكم قد يكون «العمال» أو «المحافظين» وكلاهما لديه برامج مطروحة وعلنية، ويتمنى الحزب المعارض فيما لو أخذت الحكومة بواحدة من أفكاره لكي يحرجها. ليس هذا فحسب بل ان كل الأحزاب التي لا تحلم في الوصول الى الحكم تطرح برامجها وحلولها ومشروعاتها (فيما لو وصلت الى الحكم). والحكمة من ذلك هي أن الحزب يود إثبات قدرات «العطاء» لديه، بالاضافة الى قدرات «الانتقاد». الانتقاد أسهل من العطاء، ولذلك يحرص كل حزب على اثبات أنه غير عاجز عن طرح البدائل وأن لديه الامكانات الفكرية والحكمة الكافية لادارة شئون البلاد فيما لو تسلم الأمر.
ولو قرأ أي شخص - يود الاطلاع على حقيقة الأمر - البرامج السياسية فسيجد في داخلها فكرا واقتصادا واستراتيجيا وفهما واسعا لمشكلات المجتمع البريطاني واهتماما بالشأن العالمي بحسب الايديولوجية التي توجه هذا الحزب أو ذاك. فحزب الديمقراطيين الأحرار (الحزب الثالث في بريطانيا) والذي لم يصل الى الحكم منذ أن احتل حزب العمال موقعه قبل مئة عام ينشر برامجه، ويوجه امكانات حزبه كما لو أنه تسلم الحكم وأصبحت الأمور بيده.
هناك حزب واحد في بريطانيا يخالف القاعدة، ولكنه حزب «فكاهي» أسسه أحد المغنين واسمه «دافيد ستش»، ولكنه غير اسمه وأعطى لنفسه لقب «لورد» وأصبح يعرف باسم «اللورد ستش». وظل «اللورد ستش» رئيسا لحزبه لأكثر من ثلاثين عاما يدخل كل سنة الانتخابات ويطرح برامج فكاهية غير مرتبة، ولانه كان يتبع كل القوانين لدخول الانتخابات فان اسم حزبه (مع اسم مرشح الحزب) الذي يدخل في هذه الدائرة او تلك ينشر مع عدد الأصوات الذي لا يزيد على أصابع اليد في كثير من الأحيان.
«اللورد ستش» توفي العام 1999 وحزبه لم يتحرك بعد وفاته لأنه كان قائما على أساس الفكاهة واطلاق النكت التي كانت يستمتع بها الشعب البريطاني في كل حملة انتخابات. وحتى اسم الحزب غريب «مونستر رافينغ لوني بارتي»، والترجمة الحرفية صعبة ولكن المعنى العام هو «حزب الوحوش المنفلتة والتائهة».
من أجل الفكاهة وتلطيف الأجواء يقبل الشعب البريطاني بوجود حزب من دون برنامج يرأسه مغنٍ كوميدي، ولكن لا يمكن القبول (على أساس الجد) أن يوجد حزب أو جهة معارضة من دون برنامج سياسي حتى لو كان هذا الحزب لا يصل الى السلطة.
وهذا الأمر متوقع من جمعياتنا السياسية التي يجب عليها اثبات قدراتها، وطرح الحلول لجماهيرها بدلا من النقد أو ترك الأمور تنفلت بصورة قد لا يستطيعون السيطرة عليها لاحقا. فالطبيب يتوقع منه أن يحدد المرض والعلاج، وإلا فإنه ليس طبيبا. فحتى الأم تعرف ان ابنها مريض وتفكر في علاج ما، ولكنها ترجع الى الطبيب ليؤكد لها نوعية المرض وطريقة العلاج.
كل هذا يعتمد على ما اذا كنا نود الانطلاق في العمل السياسي الجاد الذي يفكر مليا في كل كلمة وكل خطبة وكل بيان صادر عنه، وإلا تحولنا الى حزب «اللورد ستش» ولكن من دون فكاهة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 411 - الثلثاء 21 أكتوبر 2003م الموافق 24 شعبان 1424هـ