وبعد أن تحقق حلم الملك فيصل، بإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، لمواجهة اعداء الإسلام، خاضت حوادث 11 سبتمبر/ ايلول لتزيد من عداء الغرب للإسلام، وحولته إلى عدو استراتيجي للغرب. اتهام الاسلام بالارهاب جزء من الاستراتيجية الغربية الهادفة إلى السيطرة على أراضي وثروات العالم الإسلامي الغني بالنفط والمعادن. وعلى رغم محاولات الغرب تجاهل انشطة المنظمة وشق وحدة صف دولها، تبقى المنظمة المؤسسة العالمية الوحيدة التي قد تحقق هدف الوحدة الإسلامية. أنشئت بعد حرق الاسرائيليين للمسجد الأقصى في القدس العام 1969 بهدف حماية المقدسات الإسلامية في العالم، وتضم 57 دولة. ولكن المنظمة تنتقد لعدم فعاليتها وضعفها. والسؤال هل استطاع المؤتمر الإسلامي تحقيق آمال وطموح ومصالح الشعوب الإسلامية في تحقيق الوحدة الإسلامية الكبرى؟
قمة بوتراجايا (ماليزيا) التي أنهت اعمالها في 17 اكتوبر/ تشرين الأول الجاري بحضور57 دولة بالاضافة إلى رئيسي روسيا والفلبين فحضور الرئيس فلاديمير بوتين أعمال المؤتمر بصفة مراقب حركة سياسية ذكية الغرض منها التأثير على المواقف الإسلامية من قضية منح حق تقرير المصير للشيشان ومعاودة روسيا الاتصال بعد قطيعة استمرت 80 سنة اتسم بكثير من الواقعية السياسية مع البلدان الإسلامية.
فروسيا إضافة إلى الهند والفلبين من اكثر دول العالم قربا إلى الاسلام على مختلف المستويات الجغرافية والسياسية والثقافية إضافة إلى التجارة والعلاقات التاريخية. المؤكد ان شخصية رئيس وزراء ماليزيا القوية وذكاءه، اضافا اهمية غير عادية على الدورة العاشرة لقمة المؤتمر الاسلامي. امتازت القمة هذه السنة بتفجير مهاتير لقنبلته السياسية ضد الاسرائيليين والسياسات الغربية، وللمرة الأولى يغرد زعيم اسلامي خارج السرب. مهاتير دعا في خاطبه إلى الوحدة وعدم الخوف من أعداء الاسلام اللذين يتوقون إلى إضعاف الدول الإسلامية والسيطرة على مواردها الطبيعية لخدمة مصالح «اسرائيل»، معتبرا «اسرائيل» خطرا سرطانيا يهدد الشعوب الإسلامية، واخطر من ذلك ان الغرب اصبح وكيلا للسياسات الصهيونية في العالم امتد إلى القتل واغتصاب البلدان الإسلامية من اجل عيون «اسرائيل». لذلك على المسلمين التحرر من عقدة الخوف بإجراء اصلاحات دستورية للمشاركة الشعبية في الحكم. اذا ما رغبت البلدان الإسلامية في مواجهة الغرب. تصريحات مهاتير جوبهت بهجوم غربي مضاد اتهم فيه مهاتير بمعاداة السامية. المفارقة الغريبة ان الدول الإسلامية غضت النظر عن تصريحات مساعد وزير الدفاع الاميركي الجنرال ويليام بويكن العنصرية التي اطلقها ضد الاسلام، ووصف حرب اميركا على الاسلام هي حرب بين المسيحية والشيطان وان الله اختار جورج بوش لانقاد المسيحية من الشيطان.
الإعلان الصادر عن القمة تجاوز القضايا الإسلامية التقليدية مثل كشمير وفلسطين، بمناقشة الهجوم الاسرائيلي الذي تشنه الولايات المتحدة على دول العالم الإسلامي، وخصوصا محاولة تغيير القيم والعقائد والثقافة الإسلامية في المناهج الدراسية بتحريض اسرائيلي. السياسة الجديدة تعتمد على النهب وسرقة الثروات والتحكم بالمواقع الجغرافية عن طريق خلق صراعات اقليمية وبؤر دولية ملتهبة. الوضع في افغانستان والعراق إضافة إلى نقاط ساخنة مثل كشمير والشيشان والارهاب وغيرها من المسائل التي لها صلة بالأمن في بلدان شرق آسيا كاندونيسيا والفلبين. البلدان الإسلامية وجدت نفسها في خضم مشكلة الرد على لائحة طويلة من الاتهامات موجهة إليها مثل: الارهاب وايديولوجية العنف الاسلامي، كذلك مجموعة مسائل لها صلة بالعولمة وحوار الحضارات والحملة على الاسلام وقضايا حقوق الانسان.
الحقيقة ان الإعلان العالمي الاسلامي لحقوق الانسان الذي صدر عن المؤتمر منذ 22 سنة، وثبت فيه المبادئ السامية الكبرى لعقيدة المسلمين وأكد عدم تعارضها مع المبادئ الانسانية الكبرى المتعلقة بهذا الشأن، لم يشفع للبلدان الإسلامية ولايزال العالم الإسلامية يتعرض يوميا للامتحان من جهات لا تحترم كثيرا حقوق الانسان حين تتعارض مصالحها مع قضايا الديمقراطية والحريات. وأميركا بهذا المعنى هي من اكثر دول العالم مخالفة للقانون الدولي وقضايا الانسان وحقوقه وهي اكثر الدول معارضة للقوانين والاتفاقات التي تهدد الناس جميعا مثل مسائل التلوث والبيئة وزراعة الألغام وتهريب المخدرات وغسيل الأموال. فكل هذه الآفات وغيرها تعتبر الولايات المتحدة الراعي الأول لها والمصدر الأول لها... في وقت تطالب العالم بالالتزام حرفيا بالقوانين التي تعتبر هي من اكثر الدول مخالفة لها.
مرت 34 سنة على تأسيس منظمة المؤتمر الاسلامي وخلال هذه الفترة الممتدة عانت الدول الإسلامية الكثير من الاعتداءات والحروب والمجاعات والانتكاسات والاهانات والانتهاكات المتعمدة من قبل الكثير من الانظمة الدكتاتورية «المدعومة اميركيا» للشعوب العربية والمسلمة. فالشعوب العربية والمسلمة حين تستمع إلى نداءات الولايات المتحدة ودعوتها الانظمة إلى احترام حقوق الانسان تغرق في السخرية والضحك لأنها تعرف ان اميركا هي الراعي الأول لتلك الأنظمة وهي الحامي لها من غضب الناس. النفاق الاميركي الآن اصبح اكثر وضوحا وانكشف حتى امام انظار انصار الولايات المتحدة بعد أن لجأت واشنطن إلى سياسة هجومية لا تتردد علنا في إعلان دعمها للاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية وكل ما يترتب عليه من توسيع المستوطنات وبناء الجدار الأمني - العنصري.
إلى فلسطين اضافت واشنطن إلى قائمة تجاوزاتها الدائمة احتلالها في اقل من سنتين لدولتين مسلمتين وتهديدها المستمر باحتلال المزيد من الدول العربية والمسلمة تحت شعارات منافقة لا صلة لها بالانسان وحقوقه. اللائحة إذا طويلة والدول المسلمة التي يشكل تعدادها خمس سكان العالم مطالبة بدورها في طرح وجهة نظر ترد على تلك الاسئلة وعدم الاكتفاء بعرض الحال والاستجداء والشكوى والبكاء على اطلال فلسطين والعراق وافغانستان. الدول المسلمة مطالبة بتوضيح رأيها في السياسة الدولية واثبات موقعها في العالم الجديد الذي يبدو انه يرفض الضعفاء ولا يتسع إلا للأقوياء والقوى التي عندها ما تعطيه للإنسانية.
موقف الدول الإسلامية من الاحتلال الاميركي للعراق اوضحه وزير الخارجية الماليزي سيدحامد البار بقوله «اعتقد ان المهم هو تحديد موعد 15 ديسمبر/ كانون الأول المقبل ليقوم العراقيون بصوغ دستور وتنظيم انتخابات، المهم في اسناد دور محوري إلى الأمم المتحدة وإلا فسيواجه العراق مشكلات جمة». لكن البلدان الإسلامية قبلت بقرار مجلس الأمن الأخير بشأن العراق الذي اعدته الولايات المتحدة، الذي يقترح منح مجلس الحكم الانتقالي الذي شكلته الولايات المتحدة مهلة حتى 15 ديسمبر لتحديد جدول زمني بدلا من تحديد موعد دقيق لإنهاء الاحتلال الاميركي للعراق، كما يليه برنامج صوغ الدستور اولا ويليه انتخابات السيادة، والتي انتقدها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان وبعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. وأكد البار أن «الأمم المتحدة يجب ان تكون هناك للإشراف وتولي مسئولية العملية برمتها». إلا إن الدول الإسلامية لم تطالب بتحديد موعد زمني لانسحاب القوات الاجنبية من العراق. بعد ان كان مشروع قرار القمة الإسلامية يطالب مجلس الأمن بـ «جدول زمني محدد وواضح» لانسحاب القوات الاميركية من العراق، ويوصف بأنه «خطوة انتقالية مهمة في الاتجاه الصحيح» لكنه يؤكد ضرورة ان تلعب الأمم المتحدة دورا اساسيا «في كل جوانب العملية الانتقالية السياسية والاقتصادية والأمنية».
الإعلان أدان قرار مجلس النواب الاميركي بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على سورية وادان العدوان العسكري الاسرائيلي على المجالين الجويين اللبناني والسوري. وجاء في البيان «إن أعضاء المنظمة يؤكدون تضامنهم الكامل مع سورية ورفض بلادهم لقانون المحاسبة الاميركية الذي سيشجع «اسرائيل» على مواصلة اعتداءاتها وتحدي الشرعية الدولية». ووصفت ماليزيا - مضيفة القمة الإسلامية - قرار مجلس النواب الاميركي بأنه «سابقة خطيرة للغاية». كما ادانت منظمة المؤتمر الاسلامي في بيانها الختامي «بشدة العدوان العسكري الاسرائيلي على المجال الجوي وأراضي الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية» واعتبرت هذا العدوان «عملا غير مسئول».
ودعت القمة الإسلامية مجلس الأمن الدولي إلى «اتخاذ التدابير اللازمة لاقناع «اسرائيل» بوقف هذه الأعمال أو التهديد بشن عمليات عدوانية وارهابية، لأنها تشكل تصعيدا خطيرا في منطقة الشرق الأوسط». ورحبت القمة الإسلامية في بيانها الختامي بالقرار رقم 1511 الذي اقره مجلس الأمن بشأن العراق. الذي يسمح القرار بتكوين قوة عسكرية متعددة الجنسيات في العراق تحت قيادة اميركية موحدة للمشاركة في إحلال الاستقرار في البلاد. ويطلب من مجلس الحكم الانتقالي تقديم جدول زمني قبل 15 ديسمبر 2003 لصوغ الدستور واجراء الانتخابات. وأكدت القمة ضرورة احترام سيادة العراق وسلامة اراضيه، معربين عن ارتياحهم لتشكيل مجلس حكم انتقالي في العراق وحكومة بوصفه «خطوة اساسية» لتحقيق تلك السيادة.
البيان الختامي الذي رفض العدوان المسلح على العراق، لا يضمر المواقف الحقيقية للبلدان الإسلامية، وخصوصا تلك التي تربط انظمتها بعلاقات متينة مع الإدارة الاميركية. التناقض واضح في المواقف تجاه العراق، فمرة تعلن تأييدها لاستقبال قوات اميركية على اراضيها لغزو العراق، ومرة اخرى تؤيد إزاحة صدام من السلطة او العمل بكل جهد ونشاط ليتنحى عن السلطة، ولكنها في الوقت نفسه تؤيد بيانا يستنكر اية محاولة لغوز الأراضي العراقية وتغيير النظام بالقوة إلا انها لا تعترف بشرعية مجلس الحكم العراقي... الواقع ان هذا هو حال البلدان الإسلامية والبلدان العربية وهذا هو حال السياسات التي تنتهجها البلدان الإسلامية.
تاريخ الهيئات والمنظمات الإسلامية
اعتقد ان الدافع لإنشاء منظمة المؤتمر الاسلامي، سببه ان الزيادة الهائلة في عدد المنظمات الدولية ونجاح انشطتها في العالم، واتجاه المجموعات الاقليمية للتكتل السياسي والاقتصادي. حكومات البلدان الإسلامية استغلت الدين الاسلامي الحنيف لتحقيق مآربها السياسية، ولم يكن حافزا للمسلمين في تشكيل تكتل دولي خاص بهم لحماية مصالحهم القومية كما تصوره حكومات البلدان الإسلامية للناس، لكنه في الوقت نفسه يعتبر سبيلا لكسب الاصوات لأي مشروع سياسي للبلدان الإسلامية في الأمم المتحدة.
التاريخ الاسلامي الحديث شهد ظهور الكثير من المنظمات الدولية الإسلامية غير الحكومية. ولعب المفكرون الاسلاميون دعاة النهضة الإسلامية أمثال جمال الدين الأفغاني (1838) ومحمد عبدو وغيرهم دورا رئيسيا لبعث الأمة الإسلامية في القرن 19 الميلادي، والمطالبة بتوحيد جهود الشعوب الإسلامية لبعث الامة الإسلامية. ومن اشهر زعماء النهضة الإسلامية السلطان العثماني عبدالحميد (1876 - 1909) الذي وجد الخلافة الإسلامية في اسطنبول ضعيفة، ويحيط بها الأعداء من كل جانب، فشرع بتنفيذ مشروعه الوحدوي باعتباره خليفة للمسلمين، وذلك عن طريق ربط البلدان الإسلامية بخطوط مواصلات حديثة للوصول إلى هدف دمج البلدان الإسلامية تحت لواء الخلافة، وفعلا استطاع بناء خط سكة حديد اسطنبول - الحجاز حتى يصل المسلمون من جميع انحاء العالم إلى مكة، إلا ان حلمه الوحدوي لم يتحقق بعد سقوطه في العام 1909.
الحركات الوحدوية الإسلامية استمرت في كل البلدان الإسلامية حتى وصلت إلى اوروبا، فقد اسس في لندن العام 1903 عبدالله الشهروادي جمعية المجتمع الاسلامي، واصدر صحيفة باسم «أمة الإسلام»، ودعا لبعث الأمة الاسلامية ومحاربة الاعداء. وفي القرن الـ 19 ظهرت الحركة المهدية بقيادة الداعية الإسلامي المهدي في السودان، وهي حركة اسلامية حملت لواء مقاومة المستعمرين الانجليز حتى مقتل الحاكم البريطاني في السودان غوردون باشا. كذلك ظهرت حركة الوهابية الإسلامية في الجزيرة العربية بقيادة الداعية الإسلامي محمد عبدالوهاب، الذي طالب بتأسيس دولة إسلامية في الجزيرة العربية قائمة على أساس المفاهيم والعقيدة الوهابية، ونجح أحفاد بن سعود في تأسيس المملكة العربية السعودية الوهابية المعتقد.
وفي مصر تأسست حركة الأخوان المسلمين في العام 1928 كأول حركة إسلامية سياسية. وكان لتلك الحركة الإسلامية الراديكالية مؤيدون في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ونال زعيمها الشيخ حسن ألبنا بتقدير واحترام مفكري العالم الإسلامي.
الأخوان المسلمون تزعموا أيضا خلايا الضباط الأحرار في الجيش المصري لإسقاط الملك فاروق والقضاء على الفساد وإخراج الإنجليز من مصر، ويؤكد المؤرخون أن نجاح الثورة المصرية في العام 1952 يعزى لفكر الأخوان.
وفي العام 1929 قامت ثورة إسلامية عارمة ضد نظام الحكم الملكي في أفغانستان أشعلها الدعاة الإسلاميون الأفغان، وفي ليبيا حارب الداعية الإسلامي عمر المختار الاستعمار الإيطالي حتى آخر نقطة من دمه، وفي الهند أيضا ظهرت الجماعة الإسلامية التي شاركت في البداية في حملة الاستقلال مع حزب المؤتمر الهندي ضد الإنجليز، إلا أن الفكر الإسلامي الذي تنادي به تلك الجماعة التي تؤمن بالدولة الإسلامية وبعث أمة الإسلام هيأ الفرصة لإقامة دولة باكستان الإسلامية المنفصلة عن الهند.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1945، شهد العالم الإسلامي الكثير من الثورات الإسلامية المعارضة للهيمنة الاستعمارية على البلدان الإسلامية مطالبين بالاستقلال. وقد حاربت مليشيات الحركات الإسلامية المسلحة الاستعمار الإنجليزي والفرنسي والهولندي والإيطالي بعد ضعف الثورة العربية الكبرى بزعامة شريف مكة الحسين بن علي، وحارب أبناؤه الدولة العثمانية بمساعدة لورانس الوب (الإنجليزي) حتى استولى ابنه فيصل على حكم سورية والعراق وابنه عبدالله على حكم الأردن. إلا أن المستعمرين الإنجليز والفرنسيين كانوا يتربصون بالهلال الخصيب بالمرصاد، وبعد توقيع بريطانيا وفرنسا على اتفاق سايكس - بيكو الذي قسم الهلال الخصيب بينهما. وعندما وعد بلفور سنة 1919 اليهود بأرض لهم في فلسطين، حاربت المليشيات الإسلامية الهجرة اليهودية إلى فلسطين، إلا أن التآمر الاستعماري ضد المسلمين والعرب سمح لليهود باغتصاب فلسطين. بيد أن الثورة الإسلامية لم تتوقف عند البلدان العربية بل امتدت إلى شمال إيران، إذ حارب المسلمون الروس اللذين استولوا على جميع المقاطعات الإسلامية شمال إيران، ولم تستقل هذه المقاطعات إلا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
بعث أمة الإسلام
والسؤال: ما الجهود الإسلامية لبعث أمة الإسلام من جديد؟ كتب المفكر السياسي هولستي عن محاولة البلدان الإسلامية ببعث أمة الإسلام جديد الآتي: «أن إيمان الشعوب الإسلامية بالقيم والتعاليم الإسلامية والرغبة في وحدة العالم الإسلامي هي نوع من تحقيق الأهداف القومية لكل بلد إسلامي، وخصوصا ان التوحد سيحقق المصالح القومية المشتركة كوضع الاتحاد الأوروبي». في القرن الـ 19 وضع مفكرو النهضة ايديولوجية إسلامية للوصول إلى هدف الوحدة الإسلامية عكس أسس دينية وليست سياسية، وكان أول مؤتمر تصالحي لعلماء المسلمين السنة والشيعة في النجف الأشرف. دعا فيه المؤتمرون إلى الوحدة بين الفريقين الإسلاميين لمواجهة أعداء الإسلام. كما عقد مؤتمر مماثل في سلونيكا بتنظيم من لجنة الوحدة والتقدم الإسلامي. وفي العام 1952 عقد مؤتمر إسلامي آخر بمدينة القدس تخلى فيه المؤتمرون عن فكرة إعادة تأسيس الخلافة الإسلامية، وطالبوا ببعث الأمة الإسلامية ووحدة الشعوب الإسلامية. وفي مؤتمر كراتشي في العام 1954 تم تأسيس المجلس الإسلامي الدائم، وانبثقت عن المؤتمر لجنة لمتابعة الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلدان الإسلامية، كذلك دعم البلدان الإسلامية التي تناضل من اجل استقلالها للتخلص من الاحتلال الأجنبي. واستمرت جهود توحيد البلدان الإسلامية حتى تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي في العام 1969.
تناقض مواقف فكرة تأسيس المنظمة وحدت إرادة الدول الإسلامية، بعد انتهاء حقبة الاستعمار وتحرر جميع البلدان الإسلامية. ليس هناك مجال للشك في أن إنشاء المنظمة كان مقدمة لمشروع إسلامي سياسي ناجح، اكسب الدول الإسلامية احترام العالم. السؤال المطروح الآن هو، هل الوطنية تناقض مواقف الدول الإسلامية السياسية وتقف حائلا من دون تنفيذ فكرة الوحدة السياسية الإسلامية؟
الجواب يكمن في فشل تركيا في إقامة حكومة إسلامية عند قيام أول حركة علمانية في دولة إسلامية في العام 1922، أي بعد الحرب العالمية الأولى، إذ استطاع كمال أتاتورك الوصول إلى سدة الحكم في تركيا، واتخذ من العلمانية منهجا له. القومية التركية اتجهت إلى أوروبا وتحالفت مع تركيا بعد سقوط الرجل المريض (السلطنة العثمانية)، اظهر كمال أتاتورك عداءا سافرا للإسلام، وتخلى عن الأحرف العربية في اللغة التركية، وأغلق جمعية دار الإسلام وفصل تركيا عن الأمة الإسلامية.
الحركات القومية امتدت إلى البلدان العربية خلال الفترة من 1950 إلى 1962م وناقضت الفكر الإسلامي الوحدوي الذي تحول إلى فكر قومي، قبل هذه الفترة كان الإسلام محركا ودافعا ومحرضا لحركات التحرر من الهيمنة الاستعمارية على البلدان العربية، كما حدث في مصر وفلسطين وشمال إفريقيا والشام والعراق والجزيرة العربية وبعض البلدان الإفريقية. إلا أن ازدياد البعثات الطلابية العربية لدول الغرب غير من اتجاهات المفكرين العرب اللذين تأثروا بالفكر القومي والاشتراكي للفلاسفة والمفكرين الأوروبيين. في مصر تبنى عبدالناصر الفكر القومي وبعث الحماس القومي في الجماهير العربية لمحاربة الاستعمار والرجعية (الاتجاه الإسلامي) وأصبح بطلا للقومية العربية. كذلك كانت أفكار ميشيل عفلق المسيحي وصلاح البيطار القومية المستوحاة من الفكر القومي الفرنسي، مثار جدل واسع في أوساط المثقفين العرب.
وتخلت معظم البلدان العربية عن دعم فكرة بعث الأمة الإسلامية والنهضة الإسلامية. إلا أن هزيمة «إسرائيل» للعرب في العام 1967، سنحت للتحرك الإسلامي مرة أخرى، بعد إدراك الشعوب العربية والإسلامية بالمصير المشترك الذي يربطها ضمن إطار المصالح المشتركة. ولا شك في ان نظرية بول سيبوري عن المصالح القومية تنطبق على وضع البلدان الإسلامية، التي تقول: «إن الأيمان بوحدة العقيدة يحقق هدف المصالح القومية العليا وهي مصالح قومية مشتركة لشعوب العقيدة الواحدة».
وعلى رغم تناقض المعتقد الديني مع المعتقدات القومية المتعصبة، فان جمع أكثر من 57 بلدا إسلاميا تحت لواء منظمة سياسية إسلامية، هو إنجاز سياسي كبير للملك فيصل، ونجاح في العلاقات الدولية للبلدان الإسلامية منذ انهيار الخلافة الإسلامية العثمانية في اسطنبول. إلا أن هذا النجاح المعنوي يجب أن تقابله خطوات عملية تجسد الوحدة الإسلامية بين الدول الإسلامية، تتمثل في وحدة الموقف السياسي، وحدة المصالح، التضامن بين الدول الاسلامية لا يمكن أن يبيح غزو العراق للكويت أو غزو الهند لباكستان أو تدمير أميركا لأفغانستان والصومال والعراق والسودان وليبيا، أو السكوت على مجازر «إسرائيل» في فلسطين، أو روسيا في الشيشان، أو التطهير العرقي في البوسنا وكوسوفو، أو تدمير قرى المسلمين في الفلبين. بطبيعة الحال فان تحالف الدول الإسلامية في منظمة سياسية لم يقو عزيمتها لإعلان الجهاد على المحتل الإسرائيلي لتحرير المقدسات الإسلامية في فلسطين، على رغم أن ذلك التحالف يربط الدول الإسلامية بالاتفاقات والمعاهدات التي تنظم التعاون الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي بين البلدان الإسلامية.
التناقض السياسي الاهم هو تنوع أنظمة البلدان الإسلامية السياسية، والتوزيع غير المتساوي للثروة، والمشكلات العرقية في البلدان الإسلامية، ومشكلات الأقلية الإسلامية في البلدان غير الإسلامية، ومشكلة الهوية من أهم التحديات التي تهدد استمرارية المؤتمر الإسلامي.
المجموعة الإسلامية نشطت في حماية مصالح البلدان الإسلامية في المنظمة الدولية، إلا أن الاختلاف الواضح في أنظمة الحكم في البلدان الإسلامية عوق الانسجام والاندماج السياسي فيما بينها. كذلك ظهور «جماعات إسلامية» متشددة أساءت للإسلام والبلدان الإسلامية وأضعفت البلدان الإسلامية، والتحديات الأخرى التي تواجهها البلدان الإسلامية الأكثر أهمية هي: النزاعات الإقليمية والحدودية، بالإضافة إلى إلى عدم وجود آلية لحل النزاعات بين الدول الإسلامية، أو جيش ردع إسلامي.
بلدان المؤتمر الإسلامي تواجه الآن تحكم القطب الواحد ما يعرف بالنظام العالمي الجديد، بعد أن كان متعدد الأقطاب قبل سقوط الاتحاد السوفياتي. المجموعة الإسلامية في الأمم المتحدة تمكنت من فرض قضاياها على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في كل دورة لكبر حجم تكتلها، كما أن دول العالم تحاول دائما كسب ود المجموعة الإسلامية حتى تصوت لجانبها، المجموعة الإسلامية تضم 57 دولة عضوة في الأمم المتحدة ما يجعلها من أكبر التكتلات السياسية بعد مجموعة عدم الانحياز التي تضم أيضا دول المجموعة الإسلامية. لذلك فان المجموعة الإسلامية تملك وسائل التأثير على عملية اتخاذ القرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة. إلا أن تحكم الولايات المتحدة والبلدان الأربع الكبرى الأخرى في مداولات مجلس الأمن، لم تمكن المجتمع الدولي من تطبيق قرارات الجمعية العامة الخاصة بالبلدان الإسلامية وخصوصا في قضية فلسطين، أو كشمير.
إذا هل يكون خيار الوحدة الإسلامية مصدرا أساسيا لقوة العرب والمسلمين؟ أم أن الشعور الوطني والقومي والمصالح القطرية لكل بلد يطغى على الشعور الإسلامي، ويكون سببا لانهيار المؤتمر الإسلامي، في ظل عالم متحرك تتحكم فيه تيارات العولمة والكتل الاقتصادية والتحالفات الإقليمية والدولية.
الإسلاميون في العالم الإسلامي يؤمنون بان الرجوع إلى الإسلام هو الحل المقبل. لذلك هل يتغلب المعسكر الإسلامي على معسكر التعصب والتشدد؟ هذه الأسئلة يجيب عنها تحرك البلدان الإسلامية في المؤتمرات المقبلة.
كاتب بحريني
العدد 410 - الإثنين 20 أكتوبر 2003م الموافق 23 شعبان 1424هـ