يستطيع العاقل ان يصف الحوادث في المنطقة العربية، بأنها أعمال حرب توزع معاركها على ساحات متفرقة من العراق إلى فلسطين وسورية ولبنان إضافة إلى أفغانستان وجوارها، وأن الجامع الذي يوحّد بين الحرب يقوم على وجود إدارة موحدة سياسية وعسكرية قوامها التحالف الأميركي - الاسرائيلي الراهن - والاتفاق الكامل بين إدارة بوش وحكومة شارون.
وتوصيف الحرب على هذه الوجهة يفيد أن الإدارة الاميركية - الاسرائيلية، تنطلق من قاعدة تحديد الأهداف والوسائل العملية لتحقيقها، وكذلك من الحركة في موقع الفعل الهجومي، الذي يتغطى بحجاب كاذب من الردّ الوقائي والاستباقي لما يسميه الحملة العالمية على الإرهاب، فيما الطرف العربي في هذه الحرب، موزع القوى ينقصه توحيد الجهد، وتحديد الأهداف وتعيين الوسائل لتحقيقها، والتصرف من الموقع الدفاعي المرتكز إلى ردود فعل موضعية، لا نستبين فيها خطة صالحة لمواجهة تحديات الحرب، ولا الانتقال فيها من موقع ردّة الفعل إلى الفعل لأن ميزان القوى العسكري لا يسمح بهذه الحركة وكذلك الوضع السياسي والاقتصادي وتأمين الغطاء الضروري من وجود أصدقاء في هذا العالم يقفون إلى جانبنا، وفي لحظة الشدة والضيق.
هل يعني هذا التوصيف أننا نتحرك نحو نهاية خسارة الحرب المعلنة علينا بكل صراحة؟ لا يوجد عاقل في أمة من الأمم يقبل بهذه البساطة خسارة حرب بهذه الخطورة. وتجارب الشعوب في تاريخ الحروب المشابهة، تنطق بامكانات كسر الوقائع الصعبة شرط توافر العناصر القادرة على إحداث هذا التغيير الاستراتيجي، ولأن الحركة في زمن الحرب، تكون أسرع من سواها، فإن حركة كسر ميزان القوى والانتقال إلى معادلة جديدة، تكون بدورها اسرع من سواها، شرط توفر القوة، كمحرك أول، يؤدي النقلة النوعية المطلوبة في ميزان القوى الراهن، لما ندعوه بحال الحرب المتوزعة في منطقتنا.
أول شروط النقلة النوعية في التوازن الاستراتيجي الراهن، هو وجود نظرة عصفورية، مشتقة من نظرة العصفور الطائر الذي يشاهد المكان من علوّ الناظر إلى مجموعة مشاهده، لا نظرة دورية، مشتقة من نظرة الدودة التي لا تنظر إلا ما هو متوافر من مشاهد مباشرة امامها في منطقة يكون فيها مدى النظر اقصر ما يكون، بلغة أخرى يجب النظر إلى وحدة الساحة العربية في هذه الحرب واعتبارها واحدة، لا الاكتفاء بالنظر إلى كل مكان من أمكنة المواجهة على حدة، هذه النظرة الاستراتيجية العالية، تمكن من رؤية شبكة المواجهة المتفرقة في وحدتها الجامعة وتجعل في الإمكان الاستفادة من عناصر وحدتها بتوحيد القوى، لتحقيق الغاية الواحدة في المآل الأخير وعليه يجب توافر قيادة عربية وإسلامية موحدة، تقوم على تحالف متين، لمواجهة التحالف الأميركي - الاسرائيلي، لأن أول شروط الحرب الواحدة، وجود قيادة موحدة لإدارتها. فهل يتحقق هذا المطلب الحيوي في المستقبل المنظور؟
إن الوضع العربي والإسلامي، عبر المؤسسات الرسمية من الجامعة العربية، إلى مؤسسة مؤتمر القمة، إلى منطقة المؤتمر الإسلامي، إلى اعمال التنسيق بين الدول العربية والإسلامية بما فيها مؤسسات الدفاع المشترك والخارجية في مجلس الأمن والأمم المتحدة، والعلاقات الإقليمية والدولية، كل هذه المؤسسات الرسمية، لا يبدو أنها مؤهلة، بفاعليتها الحالية لإدارة شئون الحرب الواحدة.
هل يوجد اتفاق عربي وإسلامي على ما آلت إليه الأوضاع في العراق، وكيفية التعامل مع الوضع الجديد؟ هل يوجد اتفاق عربي وإسلامي بشأن الأوضاع في فلسطين؟
هل يوجد اتفاق عربي وإسلامي عن المخاطر المترتبة على امتلاك «إسرائيل» للسلاح النووي، وإمكان استخدامه من البر والجو والبحر؟ هل يوجد اتفاق عربي وإسلامي عن طبيعة العلاقة مع الآخر بما فيه الآخر الاميركي والاوروبي؟ وهل توجد خطة عربية اسلامية لمواجهة ما يسمى بمسألة «الارهاب» على الصعيد الدولي؟ وما تنسبه اميركا من ادعاءات ضدنا، وما تسببه الأخطاء الصغيرة الكبيرة من اسباب المواجهات في عالم لا يغض النظر عن شاردة او واردة. هذا بالاضافة إلى الاوضاع التي تخص الناس من الحرية الى الخبز إلى حقوق الانسان الاخرى؟ وقبل كل ذلك وبعده، هل توجد خطة عربية إسلامية لمواجهة حرب اقليمية جديدة شاملة، تأخذ مواصفات الحرب الكونية على منطقة من اكثر مناطق العالم حساسية على المستوى الاستراتيجي بما فيها الصراع على احتياط النفط والطاقة، والصراع على القيم التي تبنى على اساسها الحضارات الإنسانية؟
على مستوى الإدارة الموضوعية للحرب، في مناطق انتشارها يبدو كذلك غياب النظرة الاستراتيجية، ولا نستبين في محاولات الاتفاق على قواسم مشتركة وذلك صريح المشاهدة من العراق إلى فلسطين، إلى بقية المناطق الاخرى، إن غياب الرؤية الاستراتيجية يطغى على سواه، فلا يوجد خيط جامع يوحد الجهود المتفرقة على قياس مصالح اصحابها، وإذا كان الوضع في فلسطين، والتنسيق اللبناني - السوري، يشكل عاملا يرسم استراتيجية معينة، فإن الوضع في العراق يتأرجح بين بقايا نظام فاسد، ومجتمع ناهض واحتلال مقيت، والوضع العربي العام يتأرجح بين مصالح اقطاره وتنسيق على مستوى المؤسسات العربية الرسمية يدب دبيبا بطيئا في جسد الأمة، الأمر الذي تم قياسه في الاعتداء على سورية، وتهديدها، وفي الحملة على الانتفاضة الباسلة في فلسطين إضافة إلى الحملة على المشروع النووي لغاية سلمية في إيران ناهيك بالحملات المتتالية على الحركات الاسلامية بتهمة الارهاب وعلى الدول العربية والاسلامية بتهمة ايواء «الإرهاب» وامتلاك «أسلحة الدمار الشامل».
إذا بقي على حاله من التفرقة والعمل وفق المصالح المحلية الضيقة فإن الحرب التي يقودها تحالف لديه رؤية واضحة لن تقابلها رؤية مفرقة. وأول شروط الدخول في مواجهاتها تحقيق هذه الرؤية الاستراتيجية الواحدة، فمتى يتحقق ذلك؟
أسئلة برسم مؤتمر القمة الإسلامية وغيرها من اللقاءات والمؤتمرات
العدد 409 - الأحد 19 أكتوبر 2003م الموافق 22 شعبان 1424هـ