جلست تستأذن الفجر لتركن الجوع على الجوع، قرأت الحياة دمعة وصبابات أملٍ مليء بالندوب، الأرض تفترسها، والدار تكاد تسقط عليها والنسمات الصغيرة استمرأت الحزن والجوع والألم فراحت تصرخ «مللنا الجوع يا أماه» «طفولتنا حرمان» «تمر أعياد وأعياد وأجسادنا لم تقرأ يوما لباسا جديدا ويدنا لم تلامس يوما أرجوحة ولا لعبة طفل، ولا كتابا صغيرا» ما لجدار المدينة يحجب عنا كل جميل؟
لست في مقام أن أنسج قصة تراجيدية على طريقة «العبرات» للمنفلوطي أو «البؤساء» لفكتور هيجو.
هذه الصورة قرأتها قبل أسبوع عندما راح بعض من اخواننا مع امرأة من أهل الله جاءت بمساعدات لفقراء البحرين، عندما جاءت لتكتب لنفسها عملا خيريا قبل أن يدخل علينا شهر رمضان... جاءت لتسأل وهي تقول: دلوني على فقراء القرى؟ وهي تحمل الزاد بيدها وفي قلبها شغف اللقاء بهم، تكتب لنفسها يوما ذهبيا رحيما من أيام الله لعله يكون لها نورا ورحمة في الآخرة...
ذهبت اللجنة معها، طرقت الأبواب بابا بابا، ذهبت إلى الدراز، إلى جدحفص، المنامة وأماكن كثيرة... كان اللقاء دامعا، حزينا واختنقت العبرة مع السؤال: كيف يكون هذا؟ استوقفنا منظر لشابة صغيرة في بيت آيل للسقوط - في أية لحظة - قالت هذه الفتاة: «نحن خائفون... وأنا لا أنام الليل... أخاف أن تسقط علينا الدار في أية لحظة» فعلا كان البيت مرعبا، مخيفا.
بعض البيوت - والعناوين موجودة - ليس لها باب فبابها عبارة عن قماش رقيق بال وجوده كعدمه. وللأسف بعضهم من «السادة» من سلالة رسول الله (ص).
بعض البيوت رأينا أطفالا فيها لا أعتقد أنهم عرفوا فرحا في يوم من الأيام...
هذه المرأة الرحيمة راحت توزع عليهم مؤونة شهر رمضان بما هو متوافر. ما قيمة هذا الوجود وهذه الحياة إن لم يوفر الإنسان ساعة من عمره المنقضي وماله الزائد ولو قليلا لأمثال هؤلاء الفقراء؟
إن كثيرا من هذا العوائل يمر عليها شهر رمضان وهم يوصلون الجوع بالجوع. في سؤال لأم فقيرة تشظى بها العمر: ماذا تفعلين بالصبية في يوم عيد الفطر وأنتم ليس عندكم مال لشراء الملابس الجديدة؟ قالت بتهدج: أطفالي لا يعرفون أيام العيد فمنذ كانوا صغارا أعمل على سهرهم ليلا ليناموا منذ الصباح طيلة يوم العيد وبهذا لا أوقظهم حتى ينتهي العيد وتنتهي مراسمه...
هذه صور من مآس منثورة بين قرانا، ولو أراد أي إنسان الاطلاع على مثل هذه الصور فهناك لجنة تتكفل بذلك لتطلعه على هذه العوائل بيتا بيتا.
تاريخ عظمائنا كان تاريخا إنسانيا... فزين العابدين (ع) كان يضع كيس القمح على كتفه ويطرق بيوت الفقراء بيتا بيتا. وكانت الزهراء (ع) تطحن الدقيق بالرحى لفقراء المدينة. وكان الإمام علي (ع) يجمع بين يديه أيتام الكوفة فيضع في أفواههم اللوز والعسل حتى إذا ما انتهى من اطعامهم قال عليّ بغذائي فيأتى إليه بقليل من الخبز واللبن حتى إذا ما شرب مسح على بطنه وهو يقول: «تعسا لمن أدخله بطنه النار». أليس هو القائل «ولكن هيهات أن يغلبني هواي أو يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى أو أكون كما قال القائل: وحسبك داء أن تعيش ببطنة وحولك أكباد تحن إلى القد». فهل نضع ابتسامة على ثغر فقير؟
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 409 - الأحد 19 أكتوبر 2003م الموافق 22 شعبان 1424هـ