العدد 408 - السبت 18 أكتوبر 2003م الموافق 21 شعبان 1424هـ

بعد بوش وبلير: أشباح البنتاغون يمارسون التلفيق

رسائل كاذبة ترسل باسم الجنود

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

مسلسل الأكاذيب ليس له نهاية. وهناك قول عربي مأثور يقول: حبل الكذب قصير. باسم الحرب استخدم الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير كذبة امتلاك العراق «أسلحة للدمار الشامل» مدعمة بكذبة وجود تعاون بين نظام الرئيس العراقي السابق ومنظمة «القاعدة».

اليوم يعرف العالم أن رئيس أقوى دولة في العالم وحليفه البريطاني كذبا وأن هدفهما الحقيقي هو السيطرة على منابع النفط في العراق وتعزيز النفوذ الغربي في المنطقة العربية. وساهمت الدعاية الغربية المكثفة في نشر أكاذيب الحرب على أنها معلومات حقيقية. لهذا السبب وخشية أن يطلق صدام حسين صواريخه النووية والجرثومية على الولايات الأميركية وأوروبا الغربية، حصل بوش على تأييد غالبية الشعب الأميركي للقيام بحربه على العراق. هذه الحرب التي حذر كثيرون في العالم العربي والإسلامي وأوروبا من نتائجها.

كل يوم تنقل وكالات الأنباء العالمية من العراق أنباء تتحدث عن مقتل أعداد متزايدة من الجنود الأميركيين الذين ينبغي عليهم البقاء فترة أطول في العراق تزيد عن الفترة التي حددها وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد. وفي الغضون زاد عدد القتلى في صفوف الجنود الأميركيين في معارك متفرقة مع المقاومة العراقية على عدد الجنود الأميركيين الذين سقطوا خلال حرب الخليج الثالثة. ويشعر الجنود الأميركيون أنهم ضحايا خطة عشوائية وضعها صقور الإدارة الأميركية وداخل الولايات المتحدة بدأ عدد مؤيدي الحرب بالتراجع ويواجه بوش خطر الفشل في الفوز بولاية جديدة في منصبه في العام المقبل ما يدفعه إلى فتح الصندوق السحري طلبا للمساعدة. ويبدو أن الصندوق السحري الأميركي الموجود في إحدى غرف البيت الأبيض يحتوي على حجج كثيرة.

الآن يتعين على الإدارة الأميركية إقناع الشعب الأميركي أن الولايات المتحدة قامت بما كان ينبغي عمله منعا لتعرض أمنه لخطر «أسلحة الدمار الشامل» العراقية. وفيما تسعى واشنطن من خلال القرار 1511 إلى استدراج مجموعة من دول العالم لإرسال قوات عسكرية تابعة لها لتخفيف الأعباء الكبيرة التي يواجهها الجنود الأميركيون، تعمل الإدارة الأميركية والأجهزة التابعة لها في الترويج لدعاية مركزة. الهدف منها الإيحاء بأن معنويات الجنود الأميركيين في العراق عالية وأن الوضع داخل العراق ليس بهذا الشكل الذي تبرزه التقارير الإخبارية.

بصورة أصح: تعمل الإدارة الأميركية بمواصلة «الضحك على ذقون» الأميركيين وأبرز دليل على ذلك، الفضيحة التي انكشف أمرها ويجري الحديث عنها في الولايات المتحدة، وأوروبا هذه الأيام. إذ يجري العمل في إرسال رسائل إلى عائلات الجنود الأميركيين من العراق يجري الحديث فيها عن أوضاع جيدة. وقامت صحف أميركية بنشر بعضها في إطار حملة مركزة للدعاية للاحتلال الأميركي للعراق ومساعدة بوش لاستعادة شعبيته المهددة بسبب طول أمد الفترة التي تلت الحرب. وقال الأب ديكنسون من ويست فرجينيا لصحيفة «يو اس توداي» ان الحيرة تملكته حين تحدث على الهاتف مع ابنه نيك، الجندي الذي يعمل في العراق. فقد اطلع الأب على مضمون الرسالة التي بعث بها ابنه إليه عن طريق صحيفة محلية. وقال الأب إنه أصيب بدهشة حين عبر لابنه عن مدى اعتزازه به بعد قراءة رسالته لكن سرعان ما سأل نيك والده: أية رسالة تلك التي تتحدث عنها؟ لم يكن هناك رسالة وإنما كذبة أميركية جديدة.

يسأل كثير من الجنود الأميركيين أنفسهم هذه الأيام عمن يسمح لنفسه أن يكتب رسائل شخصية باسمهم وتعمل الصحف بمختلف الولايات الأميركية بنشرها متممة الهدف الذي وضعته وزارة الدفاع الأميركية. ولوحظ أن عائلات أعضاء الفرقة العسكرية رقم 503 التي يرابط أفرادها منذ سبعة اشهر في مدينة كركوك في شمال العراق، حصلت على نص مشترك لرسائل وصلتهم بأسماء أبنائهم وأزواجهم من العراق. وتنبه هؤلاء للتشابه الكبير في النصوص حين اطلعوا على رسائل نشرت في 11 صحيفة على الأقل توزع من ولاية ماساشوسيتس حتى ولاية كاليفورنيا. وتم طبع هذه الرسائل على الآلة الكاتبة منعا لإثارة الشك لأن الزوجات عادة يتعرفن بسهولة على خط أزواجهن. ويشيد النص المشترك بأهمية الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق كما يشيد «الأشباح» الذين صاغوا هذا النص بالتحسن الكبير للأوضاع المعيشية للمواطنين في مناطق شمال العراق الذين يعبرون في كل مناسبة عن شكرهم للجنود الأميركيين الذين حرروهم من عبودية النظام السابق. وجاء في النص أيضا: غالبية الناس هنا يحيونا بأيدي مفتوحة. على رغم أننا هنا منذ خمسة اشهر، يأتي مواطنون إلينا باستمرار لتحيتنا على رغم أن حرارة الطقس تزيد على أربعين درجة مئوية ويصرون على مصافحتنا وهم ينادونا باللغة الإنجليزية: شكرا لك أيها السيد، كما يحيينا الأطفال ويهتفون باسم أميركا كلما لمحونا ونحن نسير في دوريات.

غير أنه سرعان ما افتضح أمر الخطوة التي أمرت بها وزارة الدفاع في واشنطن التي تسببت بحرج في مكاتب رؤساء تحرير الصحف التي نشرت رسائل الأشباح وعلقت عليها بفخر. تبين أن بعض الجنود اطلعوا على الرسائل التي أرسلت باسمهم إلى الصحف الأميركية لكن غالبيتهم لم يطلعوا عليها وسمعوا بها خلال الاتصالات الهاتفية التي أجروها مع أقربائهم. وذكرت الصحف الأميركية في سياق التحقيق في الفضيحة التي تسلب الجنود آخر حقوقهم، أن أحد الضباط المسئولين عن الفرقة رقم 503 في كركوك قام بإرسال مجموعة الرسائل المزورة بأسماء أعضاء الفرقة إلى ولاية تكساس حيث يقع مركز لجنة برنامج إصدار البلاغات الصحافية وهي لجنة تنشط في الترويج دعائيا لنشاطات الجيش الأميركي، وقامت اللجنة بتوزيع الرسائل على دور الصحف الصادرة في مناطق تعيش فيها عائلات الجنود. وتعمل هذه اللجنة بتزويد الصحف الأميركية بصورة دائمة بتقارير مختلقة وقصص تتحدث عن بطولة الجنود الأميركيين في العراق. وتكشف هذه الحملة الفريدة من نوعها عن مسعى الإدارة الأميركية لتخفيف مشاعر الخوف والقلق التي تعتري نفوس عائلات الجنود الأميركيين خصوصا والرأي العام الأميركي عموما.

ظهرت أول الشكوك من جانب الصحافيين الأميركيين العاملين في العراق، والذين يلازمون الجنود الأميركيين ويعرفون مشاعر الغضب التي تتملكهم بسبب خيبة الأمل من حكومة بلدهم التي لم تنفذ وعدها بإعادتهم إلى بلدهم بعد إعلان نهاية الحرب رسميا في الأول من مايو/أيار الماضي. وقال أحد الصحافيين انه لم يصدق أن أحد الجنود المرابطين في العراق يمكن في ظل الوضع القاتم الحالي أن يكتب مثل هذا الكلام. وأضاف أنه يتوقع أن يبادر كل جندي إذا حصل على الحرية لكتابة ما يدور في عقله، إلى المطالبة بإعادته إلى الوطن بأسرع وقت. وعلى رغم الوضع الأمني بالنسبة إلى الجنود الأميركيين في شمال العراق أفضل من وضع رفاقهم في الفلوجة والرمادي وبغداد وتكريت فإنهم يتعرضون لهجمات مباغتة كما أصبح الانتظار الطويل لصعود طائرة العودة الدافع الأكبر للشعور باليأس. يحاول الجيش الأميركي حصر الخسائر وقال إنه لا يعلم هوية المسئول عن هذه الحملة الدعائية بواسطة البريد، وأكد عدم علم وزارة الدفاع بهذه الحملة. وأبلغ متحدث عسكري أميركي صحيفة «يو اس توداي» قوله: إنها فكرة حمقاء. وأضاف مؤكدا عدم ممارسة ضغط على أي من الجنود للتوقيع على هذه الرسائل. وتتساءل وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية خصوصا الأوساط الإعلامية الناقدة لحرب العراق عما يمكن لإدارة بوش عمله بعد تزوير ذرائع الحرب ورسائل الجنود الذين زجوا حياتهم فيها؟

بدأ الرأي العام الأميركي ينظر بعيون ناقدة إلى الحرب. في مطلع العام الجاري كان الشعب الأميركي بغالبيته يؤيد انتشار الجيش الأميركي في أي مكان وزمان. الآن بدأ الأميركيون يسألون عن السبب وراء إرسال هذا العدد الكبير من الجنود إلى العراق وصرف أموال طائلة على العمليات العسكرية. وبينت عملية استطلاع أجرتها صحيفة «يو اس توداي» أن نسبة الأميركيين الذين يؤيدون حرب العراق تبلغ اليوم 50 في المئة وكانت نسبتها 73 في المئة في أبريل/ نيسان الماضي.

تشكل هذه الفضيحة مشكلة سياسية كبيرة للعسكرية الأميركية لأن صدقيتها أصبحت موضع جدل بعد انكشاف أمر «لعبة المؤلفين الأشباح». هذه اللعبة التي أخرجها بوش من «الصندوق السحري» هدفها إطلاع الناخبين الأميركيين على صورة أخرى عن الأوضاع في العراق، وقبل كل شيء وضع الحقيقة بين أيديهم، لكن هذه الحقيقة وصلت الناخبين عارية مثل الحقائق التي قدمها إليهم للشروع في حرب الخليج الثالثة

العدد 408 - السبت 18 أكتوبر 2003م الموافق 21 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً