وضع اجتماع وزراء الاقتصاد الـ 35 لمجموعة الآسيان الذي عقد في فنوم بنه (فيتنام) في 2 سبتمبر/ أيلول الماضي السياسة المستقبلية لرابطة الآسيان الاقتصادية. البيان المشترك ركز على تعزيز التعاون الاقتصادي والإسراع في إقامة سوق إقليمية موحدة مع أكبر قوة إقليمية (الصين). استراتيجية الاتحاد الاقتصادي الإقليمي الآسيوي الجديد لدول الآسيان قائمة على تعزيز التعاون الصناعي، والعلاقات الاقتصادية الخارجية للآسيان واشراك الصين في العملية التنموية كشريك تجاري كامل. المستقبل المتوقع للآسيان حتى العام 2004 يدعو إلى التفاؤل في ضوء نمو اقتصادي عالمي أقوى وسيطرة صينية على الأسواق العالمية.
وشهدت منطقة الآسيان تطورا اقتصاديا ونموا غير مسبوق وصل في حال الصين إلى 13 في المئة وهي أعلى نسبة نمو اقتصادي في العالم، بعد أن تخطت دول جنوب شرق آسيا وخصوصا ماليزيا الأزمة الاقتصادية بسبب مضاربات العملة. كما زادت نسبة الاستثمارات في الشركات. وحقق الأداء التجاري للآسيان في العام 2002 انتعاشا اقتصاديا لا بأس به بعد الأداء الضعيف في العام الماضي، واستمر في الاتجاه الجيد خلال الربع الأول من العام 2003. وقد ارتفع حجم التجارة خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار الماضيين بنسبة 15,29 في المئة مقارنة بالعام الماضي ليصل إلى 186,25 مليار دولار أميركي. وتعتبر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والصين وكوريا الجنوبية أكبر شركاء تجاريين للآسيان. بيد أنه من حيث النسبة المئوية للنمو، كانت أعلى معدلات نمو هي التي مع روسيا ونيوزيلندا واستراليا والصين. منظور لجنة الآسيان الخاصة للوحدة الاقتصادية، هو تحقيق وحدة المجموعة الاقتصادية للآسيان كهدف نهائي للوحدة الاقتصادية للآسيان بحلول العالم 2020. وهذا يتضمن تقدم ملموس حلول نهاية العام 2004، والإسراع في دمج 11 قطاعا يتم منحهم الأولوية تتمتع فيها الآسيان بالكامل بمزايا تنافسية. أما فيما يتعلق بالتقدم في المفاوضات بين الآسيان والصين فقد تم الانتهاء من حزمة الحصاد المبكر، وأصبحت جاهزة للتنفيذ في يناير 2004. وحث رئيس الوزراء الكمبودي هون سن في خطابه الافتتاحي وزراء الآسيان على تعزيز التعاون الاقتصادي بين أعضاء الآسيان الأكثر نموا والأعضاء الجدد الأقل نموا، وبالمشاركة الكاملة لكل الأطراف المعنية. وقال إنه «أمر مهم بالنسبة إلى الآسيان أن تتوحد مع تجدد الإحساس بالهدف، من خلال تكثيف قوة دفعنا تجاه حرية أكبر لتدفق تجارة السلع والخدمات، وكذا الاستثمار في المنطقة وتعزيز قدرتنا التنافسية في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. كما أن مشروع إطار للشراكة الاقتصادية الشاملة بين الآسيان واليابان، دليل آخر على تقدم مفاوضات الشراكة التجارية مع اليابان الذي سيتم تقديمه إلى الزعماء لبحثه والتوقيع عليه خلال قمة الآسيان المقبلة في اليابان.
الاجتماع الذي عقد في مدينة بالي (أندونيسيا) في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2003، لرابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) والصين، يضم دول رابطة الآسيان وهي: بروناي وكمبوديا وأندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار والفلبين وسنغافورة وتايلند وفيتنام. الهدف من عقد الاجتماع إقامة شراكة استراتيجية لتحقيق السلام والرخاء بزيادة تعزيز تعاونهما في القرن الحادي والعشرين، كما جاء في إعلان بالي. لكن مشاركة رئيس مجلس الدولة الصيني ون جياباو قادة الدول العشر الأعضاء في الآسيان على التوقيع على «إعلان بالي» دعم أواصر التعاون الاقتصادي والسياسي لدول الآسيان والصين ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي الإقليمي والدولي المتزايد. وبدخول الصين ازداد هذا التكتل الاقتصادي قوة ونفوذا في العالم وخصوصا في مجال تنسيق السياسات الاقتصادية والدولية. الصين تعتقد أن عالم اليوم الذي يموج بتغييرات معقدة وعميقة يتطلب إقامة تعاون بين الآسيان والصين كشريكين مهمين في منطقة آسيا الباسفيك، لخدمة المصالح الفورية وطويلة الأجل لكلا الجانبين ويؤدي إلى تحقيق السلام والرخاء في المنطقة. ومن أجل هذه الغاية فإن إقامة الآسيان والصين لشراكة استراتيجية من أجل السلام والرخاء، سيعزز علاقات الصداقة والتعاون التي تحقق المنفعة المشتركة وحسن الجوار بين الآسيان والصين، عن طريق تعميق وتوسيع علاقات التعاون بين الآسيان والصين بطريقة شاملة في القرن الحادي والعشرين. يذكر أن الشراكة الاستراتيجية هي تعاون شامل وموجه إلى المستقبل يركز على الشئون السياسية والاقتصاد والشئون الاجتماعية والأمن والشئون الدولية والإقليمية. ومن أجل تحقيق هذه الغاية فإن الجانبين سيعززان التبادلات والاتصالات عالية المستوى ويقويان ويعمقان التفاهم والصداقة بين شعوب الآسيان والصين ويحقق تنفيذا أكمل وأكثر فعالية لدور الحوار وآلية التشاور على مختلف المستويات. وللوصول إلى تلك الأهداف فقد انضمت الصين إلى بروتوكول معاهدة منطقة جنوب شرق آسيا الخالية من الأسلحة النووية.
وفيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي فإن الصين والآسيان سيعطيان دورا كاملا لقوة اسواقهما ويحافظان على قوة دفع تنموية سريعة لعلاقاتهما الاقتصادية والتجارية من أجل تحقيق الهدف الذي يتمثل في تحقيق مئة مليار دولار قيمة التجارة البينية السنوية بحلول العام 2005. كما وافق الجانبان على الإسراع بمحادثاتهما بشأن اتفاق التجارة الحرة بين الآسيان والصين التي أصبحت دعامة أساسية في مجال التعاون الاقتصادي بين الآسيان والصين وتعميق التعاون في مجالات أساسية مثل الزراعة والمعلومات والاتصالات وتنمية الموارد البشرية والاستثمار البيني المتبادل وتطوير وتنمية حوض نهر الميكونغ.
وفي التعاون الاجتماعي سينفذان الاتفاق الاجتماعي بين قادة الآسيان والصين بشأن مرض الالتهاب الرئوي الحاد اللانمطي المعروف باسم (سارس) الذي انعقد في أبريل/ نيسان العام 2003 وزيادة تنشيط التبادلات في مجال العلوم والتكنولوجيا والبيئة والتعليم والثقافة فضلا عن التبادلات بين الأفراد وتحسين آلية التعاون في هذه المجالات.
في مجال التعاون الأمني يسرع الطرفان بتنفيذ البيان المشترك الخاص بالتعاون في مجال القضايا الأمنية غير التقليدية وعن طريق اجراء حوار يتعلق بالأمن بين الآسيان والصين من أجل تعزيز التفاهم المشترك وتعزيز السلام والأمن في المنطقة.
تعزيز تعاونهما في القضايا الإقليمية والدولية الكبرى لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. التنسيق الوثيق والتعاون في إطار منتدى الآسيان الإقليمي وتعزيز تنميته الصحية فانهما سيجعلان آلية الآسيان +3 قناة رئيسية للانتقال إلى التعاون والتكامل الاقتصادي الإقليمي في شرق آسيا وآسيا ككل من أجل تعزيز التنمية المستدامة والرخاء المشتركة هناك. بناء نماذج مشجعة للاحترام السياسي المتبادل والتكامل الاقتصادي المتبادل والثقة المتبادلة في مجال الأمن بين الآسيان والصين. كما ان انضمام الصين الى معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا يعد دليلا آخر على الثقة السياسية ومستوى التعاون وهي بداية لاقامة شراكة استراتيجية للسلام والازدهار.
تنمية العلاقات بين الصين والآسيان في المستقبل، بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين الصين والآسيان، يتطلب تعاون أوسع وأعمق في الأداء لتقديم المزيد من الفوائد للشعوب بوضع منظور اقليمي وعالمي أوسع يساعد سائر أنحاء آسيا في التغلب على التحديات الجديدة من أجل تحقيق هذه الغاية. وتأمل الحكومة الصينية في العمل من أجل تحقيق تعاون متبادل في المجالات الآتية:
أولا: تقوية الحوار السياسي لتعزيز الثقة المتبادلة، ان الصين تولي دائما اهتماما بعلاقاتها السياسية مع الآسيان، ويتعين ان يكون هناك مزيد من التبادلات رفيعة المستوى في المستقبل لتعميق الفهم المتبادل والصداقة بين قادة الجانبين. ويتعين افساح المجال كاملا امام آليات الحوار والتشاور على مختلف المستويات واعطاؤها دورا اكثر فاعلية. كما ان انضمام الصين الى معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا ارتقى بالعلاقات بين الصين والآسيان الى مرحلة جديدة من التنمية ومنحها بداية جديدة. ويتعين على الجانبين البناء على هذا الاساس ومواصلة تدعيم الاساس السياسي والقانوني للعلاقات الثنائية.
ثانيا: تعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية لتسريع التنمية المشتركة. من أجل مواصلة توسيع التجارة، للوصول الى رقم الـ 100 مليار دولار أميركي في المعادلات التجارية بحلول العام 2005. وتسريع المفاوضات والانتهاء من اقامة منطقة التجارة الحرة بين الصين والآسيان في الموعد المقرر. ويتعين على الجانبين تعميق التعاون الثنائي في مجالات المال والخدمات والاستثمارات والزراعة وصناعة تكنولوجيا المعلومات. ومن أجل تسهيل التعاون بين قطاعات الاعمال من الجانبين. اقامة معرض للصين والآسيان سنويا في نانينغ عاصمة منطقة قوانغشي ذاتية الحكم لقومية تشوانغ في الصين ابتداء من العام المقبل.
ثالثا: تسريع التعاون في مجال الأمن حفاظا على استقرار المنطقة، وذلك بانضمام الصين إلى الآسيان لتنفيذ التعاون في مجال قضايا الأمن غير التقليدية وتنفيذ مختلف الاجراءات المنصوص عليها في الاعلان.
رابعا: تعزيز التبادلات العلمية والتكنولوجية ليكمل كل من الجانبين الآخر بما يتمتع به من مميزات باقامة تعاون نشط مع الآسيان في مجالات مثل: تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيات الحيوية وتكنولوجيا الاستشعار عن بعد وتطبيقاتها والسيسمولوجيا والعلوم البحرية وأبحاث على موارد الحياة المدارية.
خامسا: توسيع التعاون الشامل، أعربت الصين عن تأتديها لوحدة الآسيان وزيادة الموارد المخصصة لتنمية حوض الميكونغ، وستبدأ الصين تنفيذ تعاقدها مع الآسيان ببناء القسم اللاوسي من طريق كونمينغ - بانكوك السريع في بداية العام المقبل، وستقدم مساعدات مالية لاجراء دراسة الجدوى للوصلة المفقودة لطريق سكة حديد عموم آسيا داخل كمبوديا. وستولي الصين اهتماما بتعاونها مع منطقة نمو شرق الآسيان وستواصل توسيع التعاون الثنائي في تنمية الموارد البشرية، ومواصلة استكشاف الجبهات الجديدة للتعاون وتعميق التعاون الثنائي في الصحة العامة، وزيادة التعاون في الثقافة والتعليم.
سادسا: جمعية الصين - الآسيان، وتقترح اقامة آلية اجتماع لوزراء الشباب من الصين والآسيان، وتدعم انشطة غرف الاعمال بالجانبين، وستبحث بجدية عقد قمة للاعمال والاستثمارات بين الصين والآسيان.
سابعا: تعزيز التنسيق من أجل تهيئة بيئة مستقرة. وستنضم الصين الى الآسيان لتسريع التعاون في شرق آسيا والتكامل الاقتصادي الاقليمي بحيث تكون آلية 10 + 3 هي القناة الاساسية. لا شك في ان نجاح نموذج الوحدة الاقتصادية لدول الآسيان من النماذج التي يجب ان نقتدي بها. انجاح التجارب الوحدوية الآسيوية سيكون نجاحا لمحاولاتنا للوحدة الاقتصادية سواء كانت خليجية أم عربية. وأثبتت تجارب الوحدة الاقتصادية لدول الآسيان انها من انجح تجارب دول العالم الثالث، وأكثرها قدرة على البقاء والمنافسة في الساحة الدولية. لا ينكر احد مستوى التقدم الاقتصادي والاجتماعي والعلمي الذي وصلت اليه الصين والتطور الهائل في مجال استخدام التكنولوجيا المتقدمة. اذا يجب علينا في المنطقة العربية والخليج بالذات الاتعاظ باسلوب دول الآسيان في العمل وحسن اختيار الشريك التجاري الذي يعتمد عليه، نحن في الخليج لم نستطع ان نحقق اي مستوى مقبول من التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى نجاري ولو بقليل ما استطاعت تحقيقه دول الآسيان والصين، السؤال هو متى نخطو الخطوة الأولى الصحيحة نحو الوحدة الاقتصادية كمقدمة للوحدة السياسية؟
العدد 408 - السبت 18 أكتوبر 2003م الموافق 21 شعبان 1424هـ