لست مبالغا اذا ما قلت اننا نعاني من تأزم في الخطاب، ومازلنا نلعب في ملاعب السياسة بطريقة من يشتري الخصوم سراعا. ليس منا من لا يخطئ ومنا من قد يقع في كبوات. وهكذا هي الحياة اذا اردت ان تعمل فلابد ان تقع في الخطأ.
ومشكلتنا نحن بصفتنا تيارات سياسية ليست لدينا وسطية في التعامل مع بعضنا بعضا... فالامام علي (ع) يقول: «آخر الدواء الكي»، ونحن نعلم شبيبتنا أن أول الدواء الكي، ومن لم يكن معي فهو ضدي.
وأصبحت مفردتا «العمالة» و«الخيانة» نوزعهما على بعضنا بعضا كما نوزع قطع الحلوى الصغيرة في المناسبات.
يقول جهابذة السياسة: السياسي القوي هو من يحيّد اعداءه لا من يحول اصدقاءه الى اعداء. هذه حكمة يجب ان نقف امامها طويلا. فالتطرف تجاه بعضنا يكلفنا الكثير والالتجاء الى اسلوب التشهير ضد بعضنا يزيدنا ضعفا وتشتتا.
لنا الحق في ان نعتب على بعضنا بعضا وان نعنف بعضنا بعضا لو أخطأنا تأسيا بحديث الامام الصادق (ع) «خير الاخوان من عنفك في الله». ولكن التعنيف في الله يجب ان يكون له آلياته، واسلوبه الحكيم وكذلك عقلانية.
فنحن بحاجة الى عقلنة الخطاب، وترشيد الحوار بين بعضنا بعضا. أما اطلاق رصاص الكلمات ضد بعضنا على طريقة «عليّ وعلى أعدائي»، فانه يفقدنا الصدقية تجاه ابنائنا وشبابنا الذين يتطلعون الى ان نخدمهم في حياتهم وآخرتهم.
لغة القرآن لغة حوارية حتى مع أكبر طاغية «فرعون» فقد أمر الله نبيه ان يبدأه بالقول اللين فقال: «اذهبا الى فرعون انه طغى فقولا له قولا ليّنا - لاحظ ليّنا - لعله يتذكر أو يخشى» (طه: 44,43).
هذا مع فرعون. والامر يتعاظم اذا كان الحوار بين المؤمنين انفسهم، يجب ألا نضيع البوصلة الوطنية فنضيع انفسنا، فأمامنا استحقاقات كثيرة وملفات مازالت عالقة، ملف التجنيس، ملف التمييز، ملف البطالة والفقر، ملف الفساد الإداري والمالي، ملف من أين لك هذا؟ ملف اجنبة الوظائف، ملف الحرية وقانون الصحافة غير الديمقراطي، ملف البعثات والتوظيف الاثني، ملف الاسكان. وهنا تعجب من بعض الاصوات التي تكثر على المنطقة الشمالية بإنشاء مواقع اسكانية وتريد ان تضم معها بقية مدن البحرين على رغم علمها عن الحرمان والفقر الذي تعيشه هذه المنطقة، لذلك مشروع المنطقة الشمالية الاسكاني يتطلع اليه كل اهالي المنطقة الشمالية بتحرق وشوق فلا يمكن القبول بخلط اوراقه. وهذه نقطة جوهرية فالمنتظرون كثر فهو لا يكاد يكفي الشمالية فكيف يريد بعض اعضاء المجلس البلدي ان يضم اليه بقية مدن البحرين؟ فلا أعلم متى يتحرر امثال هؤلاء من دعواتهم الاثنية فهم يكثرون على منطقة تقرحت سنين من الفقر والعوز والبطالة والاهمال، يكثرون عليهم مشروعا اسكانيا، فليتهم يذهبون الى الدراز وبني جمرة والمرخ وسار وباربار و.... الخ ليروا فضاعة الاهمال الخدماتي والرسمي فتخالها قرى من افريقيا لا انها قرى مازالت تعيش على بحيرات من النفط!
وعودا على بدء نقول: علينا ان نركز على هذه الملفات الوطنية والا فالتاريخ لن يرحم احدا. مازلت أؤمن بثقافة التسامح وبأدبيات الاختلاف، والاسلام يدعو الى استثمار الخير وتوظيفه لصالح البشرية. ونترك مواقع الشرفية، فكيف باستثمار الخير بين المؤمنين.
وقديما قيل: من سل سيف التطرف ضد اخوانه اليوم قتل به غدا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 408 - السبت 18 أكتوبر 2003م الموافق 21 شعبان 1424هـ