رفعت لجنة الشئون التشريعية والقانونية في مجلس النواب أخيرا قرار الموافقة على النظر في الاقتراح برغبة لمناقشة أسباب عدم وجود قواعد تنظم أحكام الأسرة في مملكة البحرين، إلى مكتب المجلس لإحالته إلى النقاش في الجلسات المقبلة، والذي بررت اللجنة الموافقة عليه بأنه «يتعلق بأمر مهم» إذ ان «إصدار قانون يقنن مسائل الأحوال الشخصية يعتبر مطلبا ملحا».
من جانبه، قال القاضي الشيخ حميد المبارك: «نعتقد أن الجهود ينبغي أن تتضافر» ولكنه وصف أمر إحالة الموضوع إلى المجلس للمناقشة بأنه حال سلبية، إذ انها برأيه «ستثير الكثير من ردود الفعل، كما انها لم تبلور نظرة واضحة تجاه القانون من قبل النواب»، مشيرا إلى أن القلق مازال على حاله في موضوع طرح هذه المسألة الدينية المرتبطة بالجانب الديني أكثر من أي جانب آخر «فينبغي أن يكون لعلماء الدين دور رئيسي في هذه الجوانب».
الوسط - علي القطان
استلم مكتب مجلس النواب في الرابع من الشهر الجاري قرار لجنة الشئون التشريعية والقانونية بمجلس النواب بالموافقة بالغالبية على النظر إلى الاقتراح برغبة لمناقشة أسباب عدم وجود قواعد تنظم أحكام الأسرة في مملكة البحرين والذي بررت اللجنة الموافقة عليه بأنه يتعلق بأمر مهم إذ إن «إصدار قانون يقنن مسائل الأحوال الشخصية يعتبر مطلبا ملحا». يذكر أن الاقتراح المذكور قدمه خمسة أعضاء من كتلة جمعية المنبر الوطني الإسلامية هم: صلاح علي محمد، عبداللطيف الشيخ، سعدي محمد، عبدالعزيز جلال المير، حسن عيد بوخماس.
من جانبه قال القاضي الشيخ حميد المبارك «نعتقد أن الجهود ينبغي أن تتضافر ولكن نحن نعتقد أن طرح هذه القضية على مجلس النواب ليست حالا إيجابية إذ هي حال سلبية بلاشك إذ ستثير الكثير من ردات الفعل. ومن جانب آخر لم تبلور نظرة واضحة تجاه القانون من قبل النواب والقلق مازال على حاله في موضوع طرح هذه المسألة الدينية المرتبطة بالجانب الديني أكثر من ارتباطها بالجانب الآخر فينبغي أن يكون لعلماء الدين دور رئيسي في هذه الجوانب».
وأضاف المبارك ردا على سؤال «الوسط» عما إذا فرض إصدار قانون يقنن مسائل الأحوال الشخصية داخل البرلمان «رؤيتي للموضوع قائمة على أساس الحوار وأرى أنه من غير المناسب أن نسوق الأمر إلى نقطة التصادم إذ إنني شخصيا أعتقد أن حل الأمور يمكن أن يكون عبر الحوار».
وقد جاء قرار رفع المقترح إلى المجلس من خلال ترجيح صوت رئيس اللجنة بسبب تعادل الأصوات، إذ صوت عليه بالإيجاب كل من رئيس اللجنة النائب فريد غازي، ورئيس كتلة المنبر في المجلس النيابي النائب صلاح علي، والنائب يوسف زينل، ورفضه كل من نائب الرئيس النائب عبدالله العالي، والنائب علي السماهيجي، والنائب حمد المهندي.
وأعطت اللجنة سببين رئيسيين لتبرير قرارها هما «سلامة ما جاء في الاقتراح من الناحية الدستورية والقانونية» إضافة إلى «ضرورة مناقشة العوائق التي تحول دون إصدار قانون ينظم أحكام الأسرة للوصول إلى رؤية موحدة إزاء هذا الأمر إذ إن موضوع إصدار قانون يقنن مسائل الأحوال الشخصية يعتبر مطلبا ملحا لكثير من فئات الشعب وللكثير من مؤسسات المجتمع المدني وفي الوقت ذاته فإنه يلاقي معارضة من شرائح أخرى من المجتمع لذلك ينبغي بحث الاختلاف للوصول إلى الحل الأمثل».
ويعتبر قرار اللجنة بالموافقة على النظر إلى الموضوع فتحا جديدا لبوابة الجدل المترامي الأطراف الذي سببه موضوع تقنين الأحوال الشخصية والذي اعترفت به اللجنة بقولها «إنه يلاقي معارضة من شرائح أخرى من المجتمع». ويعتبر ذلك القرار أيضا انتصارا ولو جزئيا للمؤيدين لإصدار قانون يقنن مسائل الأحوال الشخصية وذلك كونه خطوة جديدة للأمام.
انطلاق صراع
«الأحوال الشخصية»
يذكر أن إشكالية موضوع إصدار قانون يقنن مسائل الأحوال الشخصية قد انطلقت مباشرة بعد سؤال وجهه النائب عبداللطيف الشيخ إلى وزير العدل جواد سالم العريض في مايو/ أيار الماضي عن الأسباب التي تؤخر إصدار قانون يقنن مسائل الأحوال الشخصية والذي تعجب فيه النائب «كيف أن مملكة البحرين وهي سباقة في الكثير من القضايا، ولها مكانتها بين الدول الإسلامية والعربية، لم يصدر فيها إلى هذا الوقت قانون شرعي ينظم أحكام الأسرة؟ ما المعوقات التي تمنع صدور مثل هذا القانون؟».
وكان الشيخ قد بين في سؤاله أنه « ومنذ الثمانينات هناك مطالبات من مؤسسات المجتمع المدني بإصدار مثل هذا القانون، من محاضرات، وندوات، ومؤتمرات تتعلق بالأسرة كلها تنادي بإصدار مثل هذا القانون، ومع كل هذه الندوات وهذه الاستغاثات من المتخصصين والمعنيين بل والمتخاصمين أمام القضاء الشرعي ضربت عرض الحائط».
ومما أثار الجدل الكبير في الشارع هو دعوة الشيخ للنواب إلى تبني إصدار القانون بقوله للنواب أثناء تعليقه على رد وزير العدل « أنا أحمل نفسي وأحمل السلطة التشريعية وكذلك السلطة التنفيذية وبالذات إخواني النواب الذين هم ممثلون لهذا الشعب أن يتحملوا إصدار مثل هذا القانون، آن الأوان لكي نتحمل مسئوليتنا وأن نطالب بكل جدية وحزم بهذا المطلب الجوهري، الذي يصب في الأساس في حفظ كيان الأسرة ويعرِّف الأسرة بحقوقها وواجباتها وعلاقة أفرادها، هذا إلى جانب أننا نلتزم التزاما مباشرا بنص الدستور الذي أقسمنا على احترامه والحفاظ عليه».
دواعي «الأحوال الشخصية»
وجاء في تعليق الشيخ حينئذ أيضا «أن تقنين قانون لأحكام الأسرة لا يأتي من فراغ، إنما يقتضيه مقتضى الحال والنظرة الثاقبة والعميقة التي تكمن في أمور عدة منها: أن يدرك المتصدرون للعلم والإفتاء والقضاء في المملكة أن التقنين للأحكام الشرعية عموما ليس بدعة مستحدثة، طالما أنه قام على الاختيار والترجيح والتمحيص للآراء المتعددة من دون خروج عن مصادر الشريعة الإسلامية وقواعدها العامة، فهو لا يعد أكثر من تبويب وتنظيم وترتيب للأحكام الشرعية المنصوصة أو المستنبطة أو المجتهدة. نحن نريد أن تتحقق العدالة، وأن نعطي كل ذي حق حقه، وخصوصا في قضايا الأسرة التي تمس كيان الأسرة، وبالتالي فنحن علينا أن نشرِّع ما يحفظ كيانها واستقرارها وديمومتها، كذلك نحن ننظر إلى مصلحة القضاء وإجراءاته في قضايا الأسرة، وتطبيقات القضاء في الوقت الحالي في مجال الأسرة محصورة في مذهبين كما تعلمون، هما المذهب المالكي في دائرة المحاكم السنية، والمذهب الجعفري في دائرة المحاكم الجعفرية، فضلا عن وجود روايات متعددة في المذهب الواحد، كما أن هذا التطبيق لا يخضع لآليات ومناهج معينة وإنما يرجع إلى القاضي نفسه، ما يؤدي إلى تضارب في الأحكام الصادرة في موضوع واحد أو ربما في المحكمة الواحدة».
ثلاثة مشروعات
للأحوال الشخصية!
وكان وزير العدل قد نفى حينئذ في رده على النائب وجود قانون نهائي متكامل للأحوال «الشخصية» أو ما يسمى أحيانا بقانون الأسرة.
وأشار إلى أن الوزارة تعكف على دراسة عدة مشروعات لاستخلاص قانون موحد، أو قانونين مستقلين أحدهما للمذهب السني، والآخر للمذهب الجعفري، من خلال دراسة مشروعي قانون موحد أحدهما مقدم من دائرة الشئون القانونية، والآخر مقدم من المجلس الأعلى للمرأة، إضافة إلى مشروعين مستقلين لكل مذهب قدمتهما اللجنة التي شكلتها وزارة العدل في صيف العام 2002 وضمت قضاة من المذهبين.
لكن الوزير أشار في موقع آخر من رده على سؤال النائب عبداللطيف الشيخ في شأن تقنين قانون أحكام الأسرة إلى أن قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم «42» لسنة 2002 قد نص في مادته الـ 13 على أن تتألف كل محكمة من محاكم القضاء الشرعي من دائرتين: إحداهما سنية، والأخرى جعفرية. وهذا ما يكشف - بحسب الوزير - «عن رغبة المشرع حتى ذلك التاريخ في وجود قانون لكل دائرة، وليس قانونا واحدا، وإذا رؤي أن يكون ثمة قانون موحد للأحوال الشخصية لكلا المذهبين فإنه ينبغي النظر في تعديل نصوص قانون السلطة القضائية التي تتعلق بتشكيل محاكم القضاء الشرعي».
وأشار الوزير إلى انه لا يعلم المدة المطلوبة لإنجاز القانون، نظرا إلى «الملابسات والاعتبارات» المختلفة، ما يجعل الأمر «ليس هينا أو ميسورا». مشددا على أن القانون أو القانونين سيلتزمان بالأصول العامة الكلية وركائزها القطعية في ثبوتها ودلالتها من أحكام الشريعة الإسلامية إعمالا لمواد الدستور التي تقضي بأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع.
ردات الفعل
وآخر المستجدات
ويبدو أن مجلس النواب عازم بصورة جدية على عدم سحب بساط إصدار قانون يقنن مسائل الأحوال الشخصية إذ اجتمع في مبنى مجلس النواب منتصف الشهر الماضي عدد من النواب مع علماء من الجانب الجعفري «لمناقشة الهاجس الذي يحمله الشارع والعلماء من صدور قانون لأحكام الاسرة في المملكة يكون منشأ صدوره من المجلس» إذ أبدى العلماء قلقهم بشأن صدور القانون من المجلس وذلك «لعدم دراية كامل اعضاء المجلس باحكام الشريعة الاسلامية» وتطرق المجتمعون حينئذ إلى «صعوبة صدور القانون لوجود طائفتين في البحرين من الشيعة والسنة إذ توجد محاكم سنية وأخرى جعفرية كما توجد ادارتا الأوقاف السنية والجعفرية وكيفية تطبيق القانون وبالتالي صعوبة تدوينه لكي يتماشى مع أحكام الشريعة في كلا المذهبين علاوة على اختلاف بعض علماء المذهب الواحد». كما تمت ايضا مناقشة بحث التدوين من دون عرضه على المجلس وامكان تعديل القانون من عدمه بعد صدوره، وقد وافق المجتمعون من العلماء واعضاء المجلس على اجراء المزيد من المشاورات. وأن يكون الاجتماع المقبل في بداية الاسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري (وهو ما لم يحدث). وقد كان في ذلك الاجتماع من جانب مجلس النواب النائب علي السماهيجي والنائب فريد غازي والنائب الشيخ عبدالله العالي والنائب أحمد حسين والنائب محمد آل الشيخ كما حضر من جانب العلماء وأصحاب الفضيلة الشيخ حميد المبارك والشيخ علي المبارك والشيخ محمد صنقور والشيخ محمود العالي.
وفي جانب آخر ترددت أنباء مختلفة عن أن اللجنة العلمائية المكلفة بإعداد مسودة لائحة للأحوال الشخصية والتي قيل انها ستقدم بعد تصويب الفقهاء لها إلى المجلس الأعلى للقضاء ليتم اعتمادها للمحاكم الشرعية الجعفرية قد أصبحت في حكم المنتهية. وأشارت بعض المصادر إلى أن اللجنة لم تحصل على تفاعل يذكر من العلماء ما سارع في انتهائها، وكان من المفترض أن تنهي اللجنة أعمالها خلال تسعة اشهر، وتحول مشروع المسودة إلى «مشروعات شخصية ستتم طباعتها، وتوزيعها على المواطنين ولن يتم تقديمها إلى أية جهة لا إلى المجلس الأعلى للقضاء ولا إلى غيره». وكانت اللجنة مشكلة من القاضي الشيخ حميد المبارك والشيخ محمد صنقور والشيخ محمود العالي.
من جانبه قال الشيخ حميد المبارك إن الفهم المنتشر عما سمي باللجنة خاطئ إذ «إن الرؤية غير واضحة بالنسبة إلى الكثير من الناس عن هذا التشكيل الذي أطلقوا عليه لجنة إذ إنها ليست تشكيلة مكلفة من قبل جهة ما إنما هي حالة تلقائية من قبل بعض القضاة الذين عملوا على وضع مدونة الأحوال الشخصية شعورا منهم بضرورة الحاجة إلى مثل تلك المدونة وقد كان ذلك قبل عامين من الآن وقد عرضت تلك المدونة على مشايخ آخرين لإبداء الملاحظات ثم انضم بعض الإخوة المشايخ لتلك المجموعة العلمائية».
وأضاف المبارك «المجموعة المذكورة تتكون من حميد المبارك، عبدالحسين العريبي، الشيخ علي المبارك، الشيخ ناصر العصفور، والشيخ محمد صنقور، والشيخ محمود العالي وكان من المقرر أن ينضم إلينا الشيخ عبدالجليل المقداد إلا أنه لم يحضر أيا من الجلسات، التي كان آخرها قبل إجازة القضاة».
وبين المبارك أن المدونة جاهزة إلا أنهم ينتظرون «فك العقد» الموجودة في بعض الزوايا الشعبية.
وعن الاجتماع بينهم وبين بعض النواب قال المبارك إنه كان اجتماعا مثمرا للتفاهم عن إشكاليات ومخاوف القضية إضافة إلى آراء النواب. وعن سبب تأخر الاجتماع الثاني المقرر مع مجموعة النواب تلك قال المبارك انها تأخرت لظروف انعقاد الدور الثاني وانه يتوقع استئناف الاجتماع معهم قبل شهر رمضان المبارك
العدد 407 - الجمعة 17 أكتوبر 2003م الموافق 20 شعبان 1424هـ