اعتبرت اوساط سياسية عراقية ان اعلان الزعيم الشيعي مقتدى الصدر النية بتشكيل حكومة نزل كصاعق متفجر على سلطة التحالف في العراق وعلى مجلس الحكم المعين من قبلها. وهو بهذا القرار لا يحاول تكريس اللاشرعية في مجلس الحكم فقط، وانما عمل على ارباك الادارة الاميركية ايضا، فضلا عن تعزيز نفوذه داخل الساحة السياسية ونجح في كل محاولات ابراز النفوذ على حساب سلطة التحالف. والاعتذارات التي تقدمها القوات الاميركية لانصاره في مدينة الصدر قد تكررت، وانصاره نجحوا في ابعاد القوات عن المدينة القريبة من وسط العاصمة العراقية والتي تسكنها غالبية شيعية. اذ في كل مرة كانت القوات الاميركية تحاول كسر شوكته وشوكة انصاره كان يخرج الرجل اقوى، وكانت آخر المواجهات التي شهدتها مدينة الصدر بين القوات الاميركية واتباع الزعيم الشاب جرت الخميس الماضي واسفرت عن مقتل ثلاثة من الصدريين واثنين من الجنود الاميركيين، ولكنها انتهت باعتذار قدمته القوات الاميركية لاهالي المدينة والانسحاب منها. وذلك بعد ان تأكدت ان اتباعه مستعدون الى مواجهة حادة تنهي «الهدنة الهشة غير المعلنة» بين الغالبية الشيعية في البلاد وقوات التحالف، سيما وان مدينة الصدر تتمتع بكثافة سكانية عالية تتجاوز المليوني نسمة، معظمهم من الشيعة تعد معقلا رئيسا لنفوذه.
وكان الزعيم الشاب اعلن في خطبة صلاة الجمعة في مسجد الامام علي (ع) في الكوفة عن نيته في تشكيل حكومة تضم وزارات إلى الاوقاف والاعلام والمالية والعدل والخارجية والداخلية وغيرها من وزارات أخرى عرفها بـ «حكومة لدولة الحرية بعيدة عن الإرهاب ومستقلة عن الاحتلال». ودعا الشعب العراقي إلى الاعتراف بها، وإعلان التأييد لها، والتعاون معها، وأضاف «إذا كنتم تقبلون بذلك فإنني أدعوكم إلى التظاهر سلميا» للتعبير عن التأييد. واعلن ان موعد تظاهرات التأييد لها واقامتها 15 شعبان.
وفعلا احتشد في كربلاء نحو خمسة ملايين مسلم لاحياء هذه المناسبة واستغل اتباع الصدر المناسبة ليظهروا حجم التأييد الجماهيري لحكومة زعيمهم.
ويعتبر المتخصص في الاعلام في الجامعة المستنصرية رجاء آل بهيش «ان اختيار هذه المناسبة من جانب الرجل تدل على فطنة وذكاء يجب الا يستهان بهما. لا لما يمكن ان تبرزه هذه المناسبة الدينية من حجم التأييد الذي يحظى به الرجل فقط، ولكن اختيار المناسبة يعطي زخما دينيا لموقفه الرافض للاحتلال ويمنح تحديه للاحتلال بعدا دينيا اكثر سعة وكثافة». ويضيف آل بهيش وهنا علينا الا ننسى ان التوقيت جاء بعد مرور ستة اشهر على احتلال العراق وبعد ثلاثة اشهر من تعيين سلطة الاحتلال مجلس الحكم. وهذه الفترة كانت كافية بالنسبة إلى حسني النية بالاحتلال وبمجلس الحكم ليختبروا قناعتهم، ولعل استمرار وضع البلاد المتهالك طيلة هذه الفترة وعدم بروز تحسن جعل هذا التوقيت يكسب زخمه سواء بين الجماهير او بين القوى السياسية».
من جانبه يؤكد رئيس مركز الدراسات الدولية محمد جواد علي «ان التوقيت له مغزاه في تكثيف الضغط على الادارة الاميركية واسلوب تعاطيها مع الملف العراقي. فمن جانب فإن تشكيل الحكومة وحصول اجماع عراقي حولها يعطي دفعة قوية لمقترحات عنان الخاصة بنقل السيادة للعراقيين في اطار برنامج زمني. وهذه المقترحات تؤسس لنفسها بتشكيل حكومة انتقالية يتوافر لها قدر كبير من الاجماع بين العراقيين. وبذلك فإن التوقيت لاعلان هذه الحكومة يمكن ان يعبر عن صوت عراقي في المناقشات الجارية حاليا في اروقة مجلس الأمن. فضلا عن ان بروز حكومة تمتلك اجماعا يمكن ان يعزز حجج القوى الضاغطة داخل الولايات المتحدة نفسها لاجبار الادارة الاميركية على التعاطي مع الملف العراقي على نحو مختلف مما هو قائم حاليا، فضلا عن ان التوقيت له مغزاه في الساحة الوطنية العراقية إذ بدأت تفرز الساحة العراقية الآن تياراتها وتوجهاتها باتجاه العمل المشترك نحو الفعل المقنن لمقاومة الاحتلال ومعارضة مؤسساته».
ويبدو ان ذلك دقيق الى حد ما، فقد كشف الإمام محمد مهدي الخالصي - أحد أكبر مراجع الشيعة العراقيين - عن قيام عدد من ممثلي كل التيارات والاتجاهات الوطنية والإسلامية في العراق بجهود تنسيقية مكثفة لتوسيع حكومة الظل التي أعلن الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر عن تشكيلها لتشمل ممثلين عن تلك التيارات كافة.
وأضاف الإمام الخالصي «المراجع الشيعية الوطنية العراقية دعت منذ بداية الاحتلال إلى تشكيل حكومة الظل لتقف في مواجهة المؤسسات التي يحاول الاحتلال صنعها؛ حفاظا على وجوده، وتحقيقا لأهدافه الخاصة»، في إشارة إلى مجلس الحكم العراقي الذي شكله بول بريمر الحاكم الأميركي للعراق.
كما ان تظاهر الآلاف من الأشخاص في مدن عراقية ليست كلها شيعية مثل مدينة كركوك التي شهدت مسيرات دعم لحكومة «الظل»، انما يفقد ما صرح به الرئيس الحالي لمجلس الحكم الانتقالي إياد علاوي قيمته وكان قد نقل عن علاوي قوله «نعتقد أن الصدر ليس جادا فيما سيفعله... إن مجلس الحكم الانتقالي في العراق شرعي، وإعلان الصدر عن حكومته الجديدة لن يقوض عمل المجلس».
لا يمكن للمرء طبعا ان يتوقع ان حكومة الصدر ستحل بديلا لمجلس الحكم او انها ستنهي دوره، ولكن هذه الحكومة اذا حصل عليها اجماع اكبر ستشكل الواجهة للمعارضة الوطنية القائمة ضد الاحتلال والمؤسسات التي يقيمها ويعينها ومنها مجلس الحكم. وهذا ما يتوقعه على الاقل المحامي نوار عبدالوهاب، الذي يقول «هذا الامام الشاب الذي اعتبر في الكثير من التقييمات ظاهرة عابرة في العراق سرعان ما تخبو بعد سقوط نظام صدام يثبت يوما بعد آخر، انه محنك وبراغماتي قادر على ان يحقق شيئا لا على صعيد فرض زعامته فحسب وانما في قدرته على بلورة تيار واسع من المقاومة المتصاعدة والمتدرجة للاحتلال استمرت في اطار سلمي لكنها يمكن ان تتطور الى اتجاه مسلح. سيما وانه استطاع ان ينجو بخطابه السياسي من المنحى الطائفي والعرقي، فالرجل بات يحظى باحترام السنة من جانب والتركمان من جانب آخر، وليس التركمان الشيعة فحسب وانما السنة منهم، والاساس في هذا كله انه يخاطب الشريحة الاوسع في المجتمع وهي شريحة الشباب بكل حماسه ومطاولته وقدرته على التحدي، وهو بذلك ارتفع فوق القوى السياسية التقليدية، وصار يكسب التأييد على حسابها، وهذا كله يجعل من تياره قوة رئيسية ضخمة تفرض وجودها بلا منازع على الساحة لتربك الآخرين، وتجعل خصومه يحسبون الحسابات». ويؤكد نوار «ان تشكيل الصدر حكومة تحظى بتأييد غالبية من الشعب العراقي يمكن ان تجعل منه القوة الندية لسلطة الاحتلال؛ وخصوصا اذا التفت حول هذه الحكومة ونسقت معها التيارات والاتجاهات الوطنية كافة، وقيام هذه الحكومة المسنودة بالجيش الذي ألفه يمكن ان تجعل منه دولة في داخل الدولة» .
ويتزعم مقتدى الصدر ميليشيا أطلق عليها اسم «جيش المهدي»، وبحسب اتباع الصدر فإن عدد المنضوين لهذا الجيش يفوق بكثير الذين ينتمون إلى الجيش العراقي الجديد الذي شكلته سلطة التحالف
العدد 406 - الخميس 16 أكتوبر 2003م الموافق 19 شعبان 1424هـ