ليس من الغرابة أبدا أن تتصدر بعض دولنا العربية قائمة الدول الأولى الحائزة على شهادة الامتياز مع مرتبة الشرف في قضايا الفساد الإداري والمالي. فهذه سمة شرقية وماركة مسجلة من قديم الزمان، ولنا نحن كعرب حقوق الطبع، فهي محفوظة لنا. ولكن ما هو غير مألوف وخارج عن الطبيعة البشرية - ربما - ظاهرة انتشار كتابة البحوث الاكاديمية لنيل شهادة الماجستير أو الدكتوراه من عرق جبين الآخرين على طريقة «لا من شاف ولا من درى».
وهذه أزمة علمية يجب ان نراقبها بحذر فقد أصبح اليوم بمقدور أي متنفذ ان يوفر له باحثا خاصا يغدق عليه اموالا ويسكنه في فسيح جناته، مما رزقه الله من منصب وجاه وحظ سريع وكبير ليفوز في نهاية المطاف ببحث راق جميل موشى بالكتابة العلمية المتينة ومرصع بأرقام معرفية ليصوغ له الرسالة أو الاطروحة، وليقدمها في نهاية المطاف الى الجامعة الفلانية أو المعهد الفلاني، وما بين لحظة وأخرى وبعد ان يستقر اشهرا في برنامج تدريبي مكثف على قراءة ودراسة مضامين الرسالة ليقدمها على المشرفين فقد ينجو ويقوده الحظ السعيد للحصول على الحرف الذهبي الجميل المستر «د» فيصبح «دكتورا» ولكن على كتف هذا الباحث الفقير.
هذه اشكالية كان قد تطرق اليها محمد الرميحي في سبعينات القرن الماضي وناقش خطورتها؛ فما عليك الا ان تدفع مالا للباحث ليخرج لك بحثا جميلا.
وللأسف نجد في مجتمعنا العربي بعض المديرين مارسوا هذا الدور، اذ رصدوا لهم باحثين إما يكتبون عنهم مقالات في الصحافة أو بحوثا في الصحف تزين بأسمائهم أو يأسروا بعض الباحثين في غرف مغلقة ليسهر مثل هؤلاء الباحثين ليال وأشهرا واحيانا سنين وهم يعصرون افكارهم ليمنح المدير - مثلا - اللقب الأخاذ.
وتكون الحسرة كبيرة عندما ينظر الباحث الحقيقي كيف توزع التبريكات والحلوى على الاكاديمي الجديد، ويزداد حزنا عندما يتم طبع شهادة الدكتوراه أو الاطروحة وتباع في الاسواق. وقد أعلنت صحيفة أوروبية - قبل سنين - عن شراء جاهل أمي بحثا اكاديميا من آسيوي هندي الجنسية ليصبح دكتورا «أد الدنيا».
ظاهرة التزوير هذه في كتابة البحوث أو الاطروحات أو المقالات بل وحتى تأليف الكتب، أصبحت سمة عربية واصبحت جزءا من فسادنا التعليمي، لذلك ينبغي ان تكون هناك رقابة صارمة في هذا الامر فالتجارة في التعليم وكتابة البحوث تجارة خطيرة ولكن على رغم ذلك تبقى عندنا طاقات كبيرة فرضت وجودها الاكاديمي الحقيقي على مستوى العالم العربي وعلى مستوى العالم، فهل يمكن ان ننسى الدكتور الكبير ادوارد سعيد أو الفيلسوف عبدالرحمن بدوي وغيرهما ممن رفعوا القامة العربية العلمية الى السماء؟
انه نوع من السفه ان يتاجر الانسان بسمعته ليسرق بحوث الآخرين فقط ليسمع كل صباح تبريكة «كل سنة وانت طيب يا دكتور». فكم من بحوث كتبت واطروحات قدمت من عرق الآخرين
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 405 - الأربعاء 15 أكتوبر 2003م الموافق 18 شعبان 1424هـ