العدد 405 - الأربعاء 15 أكتوبر 2003م الموافق 18 شعبان 1424هـ

حادث سترة يجب أن يكون محفزا لقول الرأي الآخر

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

البعض سألني: لماذا وبعد سكوت طويل بدأت بمناقشة أمور حساسة في العمود اليومي؟ وجوابي على ذلك أنه مع استمرار صمت العقلاء وخوفهم من الشتم والسباب الذي يوزع مجانا من قبل من ليس لديهم خوف من ربهم، لم يعد هناك مجال للسكوت، وقد تدهور الوضع بسبب انفلات من لا يعترف بأية حدود وضوابط إسلامية أو قانونية وهذا لن يعود بالضرر على القائمين بذلك لوحدهم وانما سيشمل الضرر الجميع.

نعم، قد يستفيد البعض مما يكتب في أعمدة الرأي، ولكن ماذا تبقى ولم يتم الإدلاء به على الإنترنت وفي المجالس والخطب؟ وماذا بقيت من حشمة أو قدسية لأي شيء؟

إن من واجب أي مواطن ان يعبر عن رأيه دون خوف ممن امتهن الشتم والسباب وسيلة في حياته اليومية، وعدم القيام بهذا الدور يفسح المجال لمن لا يعترف بمعروف أو منكر لأن يخرب بيته وبيت غيره.

إن الإصلاح الداخلي هو المطلوب أولا، وأية مجموعة تعمل في مجتمع ما، عليها أن تصلح ذاتها أولا قبل الدعوة إلى إصلاح الأوضاع. فيفترض من أية مجموعة تدعو إلى الديمقراطية أن تمارسها في الداخل، ويفترض ممن يطالب بالتعددية أن يسمح بها في الداخل، ويفترض ممن يطلب المعاملة الحسنة من الآخرين أن يتعامل مع بعضه الآخر بالتي هي أحسن، ويفترض ممن يدعو إلى مكافحة الترهيب والاستضعاف ألا يمارس ذلك مع الآخرين ... «فكما تكونون يولىّ عليكم».

إن ما يحدث هذه الايام هو إقحام للساحة في أجندة سياسية غير متفق عليها مع الفعاليات المختلفة. وهذا الامر قد ينجح في خلق حال من الازعاج، ولكن الازعاج سيعود بالضرر على الفاعل قبل غيره. فالشخص الذي لا يتوقف عند حد ويطلق التصريحات وينشر الأقاويل والادعاءات ليس محصنا ذاته من الرد بالمثل. فبالإمكان - لو شاءت جهة ما - أن ترد الصاع صاعين لفعلت ذلك، لان الوسائل الرخيصة رخيصة وكل رخيص يستطيع القيام بها.

لقد سعينا من أجل عهد جديد يبني العلاقات على أساس الثقة وليس على أساس العداء الذي تتم تغذيته بالقضايا التي يختلط فيها الوهم مع الحقيقة. والحال العدائية التي تتم تغذيتها ليست في صالح أحد، على الأقل ليست في صالح من يغذيها لأنها ستعود عليه سلبا على المديين القريب والبعيد. نعم، هناك مطالب لم نتمكن من تحقيقها، ونعم هناك إخفاقات، ونعم هناك أخطاء من جميع الأطراف الرسمية وغير الرسمية... ولكن هل أسلوب المعالجة الحالي سيوصلنا إلى أي شيء مما نريد؟

هل استعداء مختلف الأطراف بتكرار بعض الجمل ورفع الشعارات الداعية إلى إسقاط هذا الطرف أو ذاك أو استخدام عبارات لا يمكن بأي حال أن توحي بالاستعداد للتعايش السلمي مع الآخرين، سيحقق ما نريد؟

الغريب في الأمر هو أن الذين يدعون إلى السماح لهم بإبداء رأيهم في الشأن العام ويطالبون بالأخذ برأيهم لا يسمحون للرأي الآخر داخلهم، ويلجأ بعضهم إلى الاستفادة من حال الانفلات في الشتائم والسب وتوجيه تلك الحملات ضد هذا الطرف أو ذاك سعيا إلى إسكاته.

غير أن الله غالب على أمره، ويجب أن نتحدث بصراحة قبل فوات الأوان وقبل تكرار ما حدث من عمل إجرامي في سترة. لقد استفاد الآخرون الذين انتظروا كثيرا حدوث مثل ما حدث في سترة ليعاودوا استخدام أقلامهم لتحقير نضالات كانت من الأسباب الرئيسية في أن تنعم البحرين بانفتاح حالي يشهد له الجميع. وليس هناك من يوجه إليه اللوم سوى الذين سمحوا بالانفلات اعتقادا منهم أن ذلك سيفيدهم في إقصاء الرأي الآخر داخل هذا الاتجاه أو ذاك. وهؤلاء قد يعتقدون أنهم بعيدون عن البلاء الذي يصيب غيرهم، ولكن ما عليهم إلا دراسة تجارب الآخرين ليجدوا أنهم خلقوا «فرانكستين» الذي سيفعل بهم ما يفعل بغيرهم، وما عليهم إلا السماح لحال الانفلات بالاستمرار ليجدوها على أبواب منازلهم كما هي على أبواب منازل آخرين حاليا.

حسنا فعل أهالي سترة الأشاوس الذين سارعوا إلى إنقاذ الجرحى الذين تعرضوا للحادث الإجرامي، فهذه هي شيمهم التي عرفها الجميع. وعلى رغم كل الحرمان الذي تعاني منه منطقتهم فانه لم يعرف عنهم إلا الإحسان للآخرين. وكان لاستقبالهم جلالة الملك في مطلع 2001 أثر لا يخفى على أحد، فتلك الزيارة وذلك الاستقبال افتتح عصرا جديدا لبناء جسور الثقة والمودة، ولم يكن سيحدث ذلك لولا أصالة وبسالة أهالي سترة.

الحادث الإجرامي في سترة قد يكون معزولا، ولكن علينا ألا نتهاون أبدا في إدانته وفي إصلاح الجذور التي ربما دفعت إليه. ولا يمكن معالجة الخطأ بالخطأ، وإذا كانت بعض الجهات الرسمية متهمة بأخطاء ما فإن هذا لا يمكن بأية حال أن يبرر السماح لمثل هذه الأعمال الإجرامية بالحدوث

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 405 - الأربعاء 15 أكتوبر 2003م الموافق 18 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً