العدد 405 - الأربعاء 15 أكتوبر 2003م الموافق 18 شعبان 1424هـ

شبح المعالجات

لنتفق على ان الفكر العربي المعاصر، مازال معنيا ومهتما بـ «السطح»، ولنتفق أيضا على انه فكر يعاني من عقدة «الاضطهاد»... اذا ما الذي يمكن لذلك الفكر أن يقدمه في ظل التصاقه بالسطح ومعاناته من عقدة «الاضطهاد» سوى مزيد من الثرثرة والسذاجة؟ فيما عقد وأمراض الأمة مؤجلة ريثما يلتفت ذلك الفكر ويذهب في اتجاه التصاقه بالعمق، وابراز اطروحاته بشكل يضعه في الصفوف الأولى ما يجعله واحدا من المصادر التي يُنظر اليها على انها فيما تقدم قادرة على الانفصال عن عقدة «الاضطهاد» تلك وتحويلها وتصديرها الى أمم ترى فيها تهديدا لوجودها ومنجزها الحضاري.

(2)

لم يكن ذلك الفكر في حاضره وماضيه القريب وفي ظل تحولات سياسية ووجودية، قادرا على السهر على مشروعاته بشكل منهجي صارم مع فوضى القمع والمصادرة اللذين دشنتهما الأنظمة السياسية، وفي ظل «كرنفالات» من الانقلابات والانقلابات المضادة، وفي ظل سيادة الصوت الواحد والحزب الواحد والطرح الواحد، فيما الأطياف الفكرية التي أتيح لها هامش من الهرب بمشروعاتها وأطروحاتها وفي بيئات حاضنة لم تصادر حق الإنسان في أن «يفكر» و «يعبّر»، تلك الأطياف راحت تراكم مزيدا من الأطروحات الغائمة، وتنشطها بمعزل عن واقع وحقيقة المشكلات التي تعاني منها المجتمعات العربية، اذ ظلت تفكر ضمن سقف غربي بحت... سقف له ظروفه ومعطياته المختلفة فيما هي تتوجه بذلك التفكير الى مجتمعات تفتقر الى الحد الأدنى من حق «الرؤية» قبل حق «الكلام»، عداك عن «التفكير» أو «التعبير»!

(3)

للإنصاف والتاريخ والحقيقة، علينا ألا نغفل جهود الراحل الكبير «ادوارد سعيد»، في حال استثنائية تكاد لا تتكرر وفي بيئة هواؤها ونارها وماؤها صهيوني بامتياز، ظل وهو في القصي من المكان ملتصقا وبصدق وطهر وحميمية وضمير مع قضايا وآلام وآمال وخيبات أمته... ظل صوتا نقيا وبامتياز في ظل حالات من التشويه والمصادرة والبتر. عمل على التواصل وبنباهة لافتة مع المصيري والهامشي مما يعني الأمة التي ينتمي اليها. ظل «جمهورية» للحقائق والكشف... ظل صوتا تعدديا لاشك انه عمد الى احراج آلاف النسخ من الأصوات الفكرية التي تعتاش على الصراخ والابتزاز والتنظير الرخيص.

(4)

فكر كذاك مطالب بتقديم اعتذار الى الأمة كل الأمة على سنوات من تقديم شبح من التشخيص، وشبح من المعرفة، وشبح من الحقيقة، وشبح من المعالجة، وكأنه فكر «اشباح» لا يُتوهم ظهورها وحضورها الا في ليل ألْيل... ليل مدلهم يتسق مع ليل تلك المجتمعات التي ظلت أشباح ذلك الفكر تطاردها، وتصول وتجول وتتحول الى فزّاعات دجنت وروضت الأمة من الماء الى الماء، دونما إغفال للتدجين والترويض اللذين مسا أول ما مسا مفكريها ومنظريها!

(5)

فكر كالذي نحن بصدده يدفعنا الى تعطيل الفكر طالما انه متاجرة بالشرف والمثل والأخلاق... متاجرة بما تبقى للأمة في ظل مزادات طالت الصعب من التفاصيل... طالت الثابت من القيم... قيم أن تحيا الأمة وهي على مبعدة من الابتزاز والتزوير وليّ الحقائق، ومحاولة ايهامها بأنها في الذروة من كل شيء، بدءا بالمادة وليس انتهاء بالروح، فيما هي على تماس واقعي وملموس مع الهاوية... الهاوية بكل استسلامها!

(6)

حجم الجرم والإثم الذي يمكن أن يظل ملتصقا بعسكريي الأمة وجلاديها يكاد لا يختلف في حجمه عن ذلك الذي هو في الصميم من التصاقه بثلة من «اشباه» المفكرين العرب... جرم مجاله الحيوي وعيها وادراكها وحقيقة مصيرها... جرم يطال المستقبل ويجمّل قبح الحاضر، فيما الماضي منذور الى محارق لا محرقة واحدة... الماضي كل الماضي بنهاراته وعتماته... بأبطاله وجبنائه...بعلمائه وجهاله... برجاله واشباه رجاله... بغناه وفقره... بعافيته وعلله... بأمله ويأسه. أشباه مفكرين كأولئك جديرون بالجلد في أتفه ميادين الوطن المزدحم بالنصب الذكية والغبية... النصب المفكرة وتلك العاطلة عن التفكير! هل نحن إزاء فكر من النُصُب؟





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً