دمج برنامج المنتدى الاقتصادي الأميركي - العربي بين التكنولوجيا والإعلام والإبداع وأدرجها في جلسات موحدة امتدت على مدى يومين من أيام المنتدى، بعد أن ربط بينها وبين الاقتصاد والمال. وقد كانت عملية الدمج موفقة نظرا للعلاقة الوثيقة بين تلك الحقول الثلاثة وخصوصا عندما تربط باتجاهات الصناعة المعاصرة، وقنوات الاستثمار الرائدة (entrepreneur)، التي تشهد نموا مضطردا في الاقتصاد المعاصر وعلى وجه الخصوص الشق الرقمي منه.
جلسات التكنولوجيا والإعلام والإبداع
أ- الجلسة الأولى معنونة بالمؤسسة العالمية الجديدة، تنتزع الريادة في القرن الـ 21.
ويمكن تلخيص أهم القضايا التي تمحورت حولها النقاشات في هذه الجلسة على النحو التالي: كانت النقطة الأولى التي طرحت على بساط البحث هي كيف بوسع الشركات العالمية العملاقة، وعلى وجه الخصوس تلك التي لها موزعون، وأحيانا شركاء في البلدان غير المتطورة، ان تدمج هؤلاء الشركاء، واحيانا من يملكون حصصا ضئيلة في الشركة الأم كي ينخرطوا بدرجات متفاوتة في دورة الإنتاج أولا، ويكونوا إحدى حلقات دورة القيمة المضافة العالمية ثانيا.
وقد توقف المشاركون في هذه الجلسة مطولا عن إمكان بناء أسس علاقات اقتصادية ومالية عادلة تضمن حقوق جميع الأطراف الضالعة في صناعة الإعلام والتكنولوجيا، آخذين في في الاعتبار الظروف السائدة والصعوبات التي من شأنها الوقوف في وجه أية محاولات لتغيير تلك الظروف لصالح الأطراف الأقل نفوذا، والتي غالبا ما تكون الطرف الضعيف، وخصوصا عندما يكون هذا الطرف من دول العالم الثالث. كانت المسألة الثانية التي تطرقت لها الجلسة هي خصوصيات ومواصفات بناء نموذج لمؤسسة عالمية. وهنا بدأت الاجتهادات التي سعت لوضع مثل هذا النموذج الذي يراعي المواصفات العالمية من دون التفريط في المتطلبات المحلية وألمح البعض إلى مقولة «فكر وفق المعايير العالمية ونفذ طبقا لمتطلبات السوق المحلية». وكان لابد هنا من التطرق للعناوين الآتية التي أشبعها المشاركون نقاشا: القيادة ودورها في عمليات بناء النموذج وأخذ زمام المبادرات.
- الثقافة الجماعية / الأشخاص الملائمون ودرجة التفاعل بين أي منهما والبيئة الجديدة التي سيخلقها الاقتصاد الجديد المبني على التكامل بين التكنولوجيا والإعلام والإبداع.
- الإبداعات التقنية / البنية التحتية ودورها في توفير البيئة والمناخات المحفزة للتكنولوجيا والإعلام والإبداع.
- التركيز على الأسواق، وعلى وجه الخصوص العالمية منها دون التفريط في تلك المحلية، مع الاستفادة من القنوات الجديدة التي ستخلقها العلاقة الجديدة التي ستنشأ بين التكنولوجيا والإعلام والإبداع.
أما ثالث المسائل التي استحوذت على نقاشات هذه الجلسة فكانت المسئولية الحضارية العالمية. وكان المقصود من ذلك هو كيف في وسع نموذج عالمي ان يحفز همم ومهارات - وخصوصا الذهنية منها - مواطني بلدان العالم الثالث، ومن ثم مساعدتهم على شق طريق مستقبلي للبحث والتطوير من شأنه أن يساعد على تطوير عالم اقتصادي مترابط. وهنا وجد المتحاورون انفسهم أمام مأزق واقع العلاقات السياسية التي تربط بين العالمين المتقدم والنامي، والتي هي بحاجة إلى إعادة النظر في حال كانت هناك رغبة صادقة في التوصل إلى مثل هذا النموذج الاقتصادي العالمي. ثم جاء بعد ذلك دور العلاقات المتوخاة بين القطاعين العام والخاص في سوق الإعلام والتقنية. وطرح على بساط البحث الواقع الذي يسير العلاقات بين هذين القطاعين في هذه السوق والمشكلات التي لاتزال تعوق أي تطوير للعلاقة المتوخاة مستقبلا.
وكان لابد هنا من طرح كيف ينبغي صوغ العلاقة على النطاق العربي الداخلي أولا، ثم الانطلاق من ذلك لوضع أسس العلاقة بين السوقين الأميركية والعربية.
ثم أنهى المشاركون في الجلسة مداخلاتهم بالتعريج على موضوع تقنيات المعلومات والاتصالات وكيفية إدراجها في السوق الصناعية القائمة بحيث تستفيد أسواق الدول النامية (العربية هنا) من ذلك الإنجاز المتحقق في الدول المتقدمة لصالح أسواقها (النامية) المحلية.
ب - الجلسة الثانية آن الأوان لخصخصة الاتصالات تشعبت موضوعات هذه الجلسة لعدة أسباب من بين أهمها:
1- سخونة موضوعات الاتصالات التي باتت تحظى بنصيب الأسد في مشروعات القطاعين العام والخاص، ويزداد الأمر سخونة حين يرتبط الموضوع بتقنية المعلومات والإعلام.
2- استمرار الحوارات الدائرة حول قضايا الخصخصة وتصدر مشروعات الاتصالات قائمة تلك القضايا، وخصوصا في منطقة الخليج العربي.
3- خصوصية صناعة الاتصالات من حيث علاقاتها الجديدة المتطورة مع المال والاقتصاد، والتي بدأت مع هبوب رياح الاقتصاد الرقمي - الذي باتت صناعة الاتصالات والمؤسسات المالية في القلب منه - تأخذ منحى مختلفا عن سائر الصناعات الأخرى.
وكان من الطبيعي والمتوقع ان تطفو على سطح النقاشات بعض الاجتهادات التي تستحق التوقف عندها وخصوصا من قبل بعض المشاركين من امثال بادماستري وارير رئيس إدارة التقنيات في شركة مترولا. الذي تطرق إلى تجارب دول نامية ومتقدمة. ويمكن تلخيص محاور النقاشات عن النقاط الآتية: «محاولة التوصل إلى تعريف علمي دقيق لمفهومي خصخصة(privatisation) الاقتصاد وتحرير (liberisation) الاقتصاد، نظرا للخلط السائد بينهما عند البعض بمن فيهم بعض الاقتصاديين».
السعي لتحديد دور الحكومة في سياق عمليات تحرير الإقتصاد وخصخصته للحيلولة دون إلحاق أي ضرر بالإقتصاد ناجم عن تلك العمليات، سواء من جراء البيروقراطية أو بسبب أمراض الفساد المتفشية في أجهزة بعض الحكومات.
«وفي سياق الحديث عن دور الحكومات في عمليات التحول من الاقتصاد الإحتكاري إلى الاقتصاد الحر، توقف المشاركون عند نقطة في غاية الأهمية، وتلك كانت هل المطلوب من الحكومة تقديم الدعم المالي والرعاية الاقتصادية أم ان يقتصر دورها في سن التشريعات ومراقبة تطبيق القوانين والمراسيم التي ستصدر بشأن عمليات ومراحل التحول من الاقتصاد الإحتكاري إلى نقيضه الاحتكار الحر؟». إلى أي مدى يمكن الاستفادة من مشروعات الخصخصة في «تثوير» الاقتصاد والبنى التحتية اقتصادية كانت أم اجتماعية؟ وقد أثارت هذه النقطة حوارات غنية عند التطرق للعلاقة بين الاقتصاد والمجتمع، أو عند الحديث عن انعكاسات التحولات الاقتصادية على الشرائح الاجتماعية التي تتم فيها تلك التحولات. وقد أثار البعض كيف بالإمكان التحكم في تلك الانعكاسات ومن ثم التحولات كي تتم في سياق تطوري سلمي وليس ثوري عنيف.
«وكان لابد في هذه الجلسة من ان يوضع على بساط البحث طبيعة ومستوى وحدود العلاقات المطلوب بناؤها بين جميع مؤسسات المال والأعمال في الدول السائرة في طريق تحرير الاقتصاد وخصخصته لضمان وضع حد لاقتصاد الاحتكار الذي من الطبيعي أن يصدم بأية خطوة على طريق الخصخصة او التحرير.
«وفي نهاية النقاشات أثار البعض قضية في غاية الأهمية، وكانت تتعلق بموضوع آلية ووتائر التحول. فبينما كان هناك فريق يدعو إلى أن تتم عمليات التحرير والخصخصة على نحو سريع وفي فترة زمنية قصيرة، وخصوصا في الدول النامية إن هي أرادت ان تلحق بالركب، كان هناك فريق آخر يدعو إلى التريث وعدم حرق المراحل كي لا تتم الأمور بشكل مسلوق ومن ثم تأتي النتائج مخيبة للآمال والتوقعات. مما لاشك فيه أن جلسات التكنولوجيا والإعلام والإبداع كانت من أكثر الجلسات إثارة للجدل على المستوى المهني، والسبب في ذلك يعود إلى عدم ارتباطها بشكل مباشر بالقضايا السياسية الساخنة مثل: حوادث 11 سبتمبر/أيلول، أو القضية الفلسطينية، أو حتى القضية العراقية، ولعل من كان يحاول الهروب من قعقعة السياسة وضجيج الصراعات الدولية وجد في جلسات التكنولوجيا والإعلام والإبداع محطة مريحة تشجع على التمعن في بعض قضايانا المصيرية التي مازال البعض يضعها في أسفل درجات سلم الأولويات على رغم اهميتها، بل قد لا نبالغ حين نقول إن البدء بمعالجتها ربما تكون المدخل الصحيح لمعالجة القضايا التي تحتل حاليا مركز الصدارة وتستحوذ على جل الاهتمام
العدد 404 - الثلثاء 14 أكتوبر 2003م الموافق 17 شعبان 1424هـ