ذكر التقرير الأسبوعي لبنك الكويت الوطني ان أرقام البطالة في الولايات المتحدة التي صدرت بنهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي جاءت تأكيدا لصحة النمو الاقتصادي الأميركي، وعرض التقرير احوال الأسواق العالمية خلال الأسبوع الماضي.
الولايات المتحدة
بعد انتظار طال عدة أشهر للحصول على تأكيد نهائي عن صحة النمو الاقتصادي من وزارة العمل الأميركية كانت أرقام البطالة الأخيرة بزيادة 56,000 وظيفة في سبتمبر بمثابة هذا التأكيد. وعلى رغم قلة الزيادة هذه فان الاهم ان الزيادة جاءت لتكسر نمط النقصان الذي استمر لفترة سبعة اشهر متواصلة ما رفع من حجم التوقعات المستقبلية وخلال يوم واحد استبدل التفاؤل الحذر ببهجة عمت الأسواق تتطلع إلى المزيد من الاخبار الجيدة.
وبغياب الأرقام الاقتصادية المهمة الأسبوع الماضي فقد اكتسبت أرقام البطالة الأسبوعية الأقل متابعة من قبل الأسواق أهمية مضاعفة وخصوصا ان موضوع «التوسع الاقتصادي من دون وظائف» كان الأكثر بحثا من قبل المحللين أخيرا حتى ان الإنسان العادي بات يعرف ان أي رقم اقتصادي له علاقة بالبطالة لابد ان يكون مهما، وبذلك لا يمكننا ان نلوم الأسواق ان ركزت جل اهتمامها على هذه الأرقام. ولم تخيب وزارة العمل الآمال فعلى رغم زيادة عدد طلبات بدل البطالة الأولية فان العدد بقي دون الـ 400,000 طلب وهذا دليل على استقرار سوق العمل. ومع هذه الزيادة ومع تحسن القطاع الصناعي فان اثبات انتعاش الاقتصاد قد تحول إلى عبء على المحللين الذين كانوا يتوقعون حدوث ركود اقتصادي آخر وبينما يتجادل المحللون الاقتصاديون عن المستقبل فان الأسواق تركز اهتمامها على الحاضر ودليلا على ذلك فليس علينا الا ننظر إلى السرعة التي تم فيها بيع الدولار مرة أخرى ليهبط إلى أدنى مستوى له منذ خمس سنوات مقابل الفرنك السويسري وأدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات مقابل الين الياباني.
ومع ان احد اسباب ارتفاع الفرنك السويسري كان الاعتداء الاسرائيلي على سورية نهاية الأسبوع الماضي الا اننا لا نستطيع ان ننكر ان تصريح وزير الخزانة الأميركي عن استعداده لتحمل ضعف الدولار على رغم استمرار سياسة الدولار القوي كان له تأثير أيضا. وكان وزير الخزانة قد أعلن عن قلقه من قوة الدولار مقابل اليوان الصيني والين الياباني وخصوصا بعد أن أعلنت وزارة التجارة الأميركية عن وصول العجز التجاري إلى 39,2 بليون دولار في اغسطس/ آب علما بأن العجز مع الصين قد اتسع ليصل 11,7 بليون دولار مقارنة مع 11,3 بليون دولار في يوليو/ تموز. وكانت الواردات من الصين قد سجلت 13,7 بليون دولار في اغسطس مقارنة مع 13,4 بليون دولار في الشهر السابق.
وبشكل عام فعلى رغم تحسن الاقتصاد الأميركي فاننا نعتبر انه من السابق لاوانه ان نتفاءل كثيرا إذ إن تحديات استمرار النمو الاقتصادي تبقى كثيرة. ومع ان مصرف الاحتياط الفيدرالي لن يقوم برفع اسعار الفوائد وهو أمر جيد فاننا ننصح ان يبقى الحماس معقولا لاننا نتوقع ان يخف نمو الطلب في الربع الرابع مقارنة مع فترة الصيف على رغم تحسن سوق العمل. ومع اننا نتوقع حدوث المزيد من النمو في الفترة المقبلة فإنا لا نتوقع ان يكون النمو كبيرا وهذا بحد ذاته ليس بالأمر السيئ انما ما هو سيئ هو حدوث «حماس غير مبرر» كما وصف الأمر آلان غرينسبان مرة في الماضي.
منطقة اليورو
مع غياب الأرقام الاقتصادية المهمة في أوروبا الأسبوع الماضي فقد انصب اهتمام الأسواق على فيم دويسنبرغ أول رئيس للمصرف الأوروبي المركزي. ومع ان دوينسبرغ الهولندي كان عادة يفتقر للنقد لافتقاره مهارة الاتصال فانه يترك مهمات منصبه مرفوع الهامة لانه ساعد على ايجاد اليورو وتوصل إلى تجميع المصارف المركزية الأوروبية الاثني عشر وهي مصارف مختلفة كثيرا وفخورة بنفسها كثيرا ومستقلة كثيرا وبعضها مصارف وطنية قوية تحت قبة المصرف الأوروبي المركزي الموحد. وها هو اليورو يثبت اليوم انه عملة مرغوبة وعملة عالمية. ومن سخرية القدر ان نرى اليوم ان الاشخاص الذين انتقدوا هبوط اليورو لمستوى 0,82 مقابل الدولار في الماضي هم أنفسهم الذين ينتقدون ارتفاع اليورو اليوم، ولكن هذا هو عالم السياسة.
وعلى الصعيد الاقتصادي فان المصرف الأوروبي المركزي توقع ان تقارب معدلات التضخم 1,3 في المئة لعام 2004 وهي أقل من المعدل المستهدف عند 2 في المئة لكن يمكن لهذه التوقعات ان ترتفع اذا تحسن النمو الاقتصادي. وكان رئيس المصرف المركزي الأوروبي المتوقع انتهاء ولايته نهاية الشهر قد اشار بشكل صريح إلى أن المصرف سيبقي على اسعار الفوائد عند 2 في المئة من دون تغيير ولهذا فانه من المستبعد تغيير اسعار الفوائد في أوروبا حتى الربع الثاني من العام المقبل.
في هذه الاثناء وبعد عدة اسابيع من التوتر عن ارتفاع العجز في الموازنة الفرنسية فقد خففت سلطات الاتحاد الأوروبي من لهجتها عن هذا الخلاف مفسحة المجال لنوع من الاتفاق يحفظ بعضا من ماء وجه الطرفين وكان وزراء المال قد اتفقوا أخيرا على ضرورة بذل فرنسا المزيد من الجهود لخفض هذا العجز.
المملكة المتحدة
ابقى بنك انجلترا المركزي على ا سعار الفوائد من دون تغيير عند 3,5 في المئة الأسبوع الماضي. ومع هذا فان هناك اشارات متزايدة عن احتمال ان تكون المملكة المتحدة أول دولة غربية كبيرة ترفع اسعار الفوائد بعد انتهاء الركود العالمي أخيرا. فبينما يسهل وجود المزيد من السعة الانتاجية في أميركا وأوروبا على عودة النمو من دون حدوث تضخم فان الوضع يختلف عن ذلك في المملكة المتحدة. فمن ناحية لم تعان المملكة المتحدة من مستوى الركود نفسه كما حدث في الدول الأخرى كما لا توجد السعة الانتاجية نفسها المتوافرة في أميركا وأوروبا ولم يتعد مستوى البطالة الـ 5 في المئة خلال الركود الاقتصادي ومن جهة أخرى فان الانفاق الحكومي قد ساعد الاقتصاد بشكل اساسي اذا لم ينخفض النمو ابدا حتى في احلك اوقاته. ومع ذلك فان فورة اسعار المساكن مع انخفاض الجنيه مقارنة مع قيمته عند بداية العام ومع فورة الانفاق الاستهلاكي فان امكان حدوث التضخم غير مستبعدة أيضا. وأخيرا وليس آخرا فان مراجعة مكتب الاحصاء الوطني للأرقام الاقتصادية الأخيرة قد خلقت جوا من الجدل عن ما اذا كان بنك انجلترا (المركزي) قد اخطأ بخفضه اسعار الفوائد في يوليو وسبتمبر الماضي.
في هذه الاثناء انخفض الانتاج الصناعي بنسبة 0,6 في المئة في اغسطس عن الشهر السابق ما تسبب في خيبة أمل لكن بعد مراجعة معظم الأرقام الأخيرة من قبل مكتب الاحصاء الوطني فان الأسواق أصبحت مترددة في الوصول إلى استنتاجات معينة من هذه الأرقام.
اليابان
هناك أمر غريب ومميز بالنسبة إلى الين الياباني إذ قد يبقى مستوى صرف الين عند المستويات نفسها لفترات طويلة لكن ما ان تبدأ حركته حتى يستمر بلا توقف، فعند نهاية تعاملات يوم الجمعة الماضي انخفض الدولار إلى المستوى التقني المهم عند 108,30 وهو أقل مستوى له منذ ثلاثة اعوام.
وكان بنك اليابان (المركزي) قد فاجأ الأسواق بارخاء قبضته على السياسة النقدية وتوسيع السيولة في النظام المصرفي لدعم النمو الاقتصادي، وذلك عن طريق رفعه لسقف الارصدة المستهدفة للحسابات الجارية إلى مستوى 32,000 بليون ين من 30,000 بليون ين - وهي الارصدة التي يجب على المصارف التجارية ان تبقيها في حساباتها لدى بنك اليابان (المركزي). ونتيجة هذا القرار ارتفعت أسواق الأسهم اليابانية بأكثر من 2 في المئة إلا أن الدولار استمر في هبوطه.
في هذه الاثناء قام رئيس الوزراء الياباني كويزومي بحل البرلمان ودعا إلى اجراء انتخابات عامة في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني وتأتي هذه الانتخابات في فترة من التغييرات السياسية في اليابان بعد اندماج حزبين معارضين وهما الحزب الديمقراطي والحزب الليبرالي وبعد انتصار كويزومي الساحق في انتخابات رئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم.
وبشكل عام فان الاقتصاد الياباني مازال ينمو باضطراد وهذه نقطة تسجل لرئيس الوزراء كما انه تم تحقيق بعض التقدم بالنسبة إلى الإصلاح المصرفي. وستستمر سياسة بنك اليابان (المركزي) التوسعية لفترة مقبلة كما ان اعادة انتخاب كويزومي لرئاسة الوزراء ستوفر الاستمرارية السياسية للبرنامج الإصلاحي المطلوب
العدد 404 - الثلثاء 14 أكتوبر 2003م الموافق 17 شعبان 1424هـ