الذي بلغ بالأمة العربية إلى هذا المستوى من التخلف هو أننا في كثير من الأحيان نفكر بعواطفنا وليس بعقولنا. وعيب المثقف العربي أنه ينقاد إلى عواطفه فينزلق إلى مواطن كان يمكن أن يتجاوزها لولا هذا الاندفاع.
وبقدر ما للعواطف من مساوئ فإن خلوّ الإنسان من عواطفه وتجرده منها فيه خطورة كبيرة، وعدد غير قليل من القيادات العربية عبر التاريخ انزلقوا إلى الهاوية وطاردتهم لعنات شعوبهم لأنهم كانوا قساة ومن دون عواطف. فصدام حسين قتل المئات من رفاقه والآلاف من بقية الأطياف لأنه كان قلبا بلا عاطفة. وستالين تخلص من الآلاف من رفاقه لأنه كان قلبا أو عقلا بلا عاطفة وبينوشيه تخلص من الليندي والحكومة المنتخبة وأدخل الآلاف في السجون لأنه كان قلبا بلا عاطفة. لكنهم جميعا دفعوا الثمن غاليا بينما نجد التاريخ يأتي بحكايات تكشف أن العاطفة التي لا تسير في خط متواز مع العقل تسبب انزلاقات خطيرة.
فعلى سبيل المثال عندما يبعث الأب ابنه للدراسة في الخارج ويحاول أن يرسل اليه مصروفا يتناسب مع احتياجاته من دون إسراف حتى لو كان مقتدرا فهذا لا يعني أنه أب بلا عاطفة بل هو يوازن بين العاطفة والعقل.
بينما نجد الأم التي تبعث لنفس الابن مبالغ من وراء والده حتى يتبحبح في الصرف فهذا أمر يسبب انزلاقات قد تجعل الطالب مهملا للدراسة ولذلك لابد من التوازن بين العاطفة والعقل.
ولأنني بعد قراءتي مقال كوندليزا رايس في إحدى الصحف الأميركية وهي تهاجم العرب هجوما عنيفا وتقف مع نظام فاشي مثل نظام شارون لم أتمالك نفسي وفقدت السيطرة على عقلي وصرت أكتب بعاطفتي لأنني كلما أجد قياديا أميركيا أو أوروبيا يتهم المدافعين عن أرضهم والمقاومين لظلم «إسرائيل» واحتلال «إسرائيل» والذبح الجماعي الذي يحدث بشكل يومي لهم يجعل الإنسان العربي يفقد كل توازنه. وكتبت العمود (كوندليزا رايس وأيام زمان) وأنا في حال فقدان الوزن لهذا أعتذر أولا إلى كوندليزا رايس ثم إلى الأخت نورة الشيراوي على تجشمها الكتابة دفاعا عن الحق وبعض القراء الذين استنكروا علَيّ ذلك فهم كانوا جميعا محقين وكنت مخطئا، وكان الواجب تصحيح ما وقعت فيه من خطأ منذ اليوم الأول. وأنا على ثقة بأن الذي يحاول أن يرشدك إلى الصواب هو إنسان فاضل كريم، ولا يأتي ذلك إلا من كل مُحبّ وكل من يتابع كتاباتك ويحترم ما تكتب وإلا لأهملك ولم يتجشم عناء الرد والتصحيح.
إن التاريخ يذكر أن الشاعر العربي عبر تاريخه الطويل وحتى اليوم كان يتغنى بالجمال الأسمر، لأن اللون الأسمر في نظره له نكهة خاصة وكثير من عمالقة الشعر العربي والغناء العربي تغنوا بحلاوة السمراوات.
ولو أن كوندليزا رايس كانت بحرينية ومن دون زوج لتخاطفها الخطاب.
والأخت نورة الشيراوي كانت على حق فعلا إذ كان يمكنني أن أنتقدها في جوانب كثيرة إلا لون بشرتها، وبحسب رأي الوجيه جاسم مراد لربما يأتي اليوم الذي يتحولن فيه بناتنا إلى صبابات قهوة في منازل الأميركان مادامت الأمة العربية تمر بهذا الوضع الاقتصادي الرديء.
وحتى لا أقع في مثل هذا الخطأ بعد أن أنّبني ضميري وخصوصا أن معظمنا سمر ويعتبرنا الغرب مهما بلغ بياضنا وفركنا أجسادنا بالصابون نبقى في نظرهم ملونين. أعود لأكرر اعتذاري إلى الجميع وأؤكد أن من أهم الأخلاقيات الإسلامية والعربية الرفيعة التي علمها نبي الأمة (عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام) هو نبذ التفرقة العنصرية وكان (ص) يعتبر بلال الحبشي من أقرب الصحابة إلى قلبه على رغم سمرة لونه
العدد 403 - الإثنين 13 أكتوبر 2003م الموافق 16 شعبان 1424هـ