بعد مرور اكثر من ستة أشهر على غزو العراق، كيف يمكن قراءة المشهد الاقليمي؟
في العراق الوضع حتى الآن لم يستقر بل هو مرشح للمزيد من الاضطراب والفوضى. فالمقاومة تتسع وتمتد على رغم الحشود العسكرية وتنويع المشاركة الدولية في اعداد القوات المحتلة. وسياسا لاتزال إدارة الاحتلال حائرة في تحديد الوجهة التي تريدها فهي لا تثق بامكانات «مجلس الحكم الانتقالي» واعضاء المجلس اخذوا يظهرون تبرمهم من السياسة الاميركية على مستوى مجلس الأمن أو على مستوى توتير العلاقات الاقليمية واستخدام بلاد الرافدين نقطة ارتكاز للهجوم على الدول المجاورة.
وفي فلسطين انهارت «خريطة الطريق» التي عوّل عليها الرئيس الاميركي معتبرا اياها نقطة بدء للسير في طريق الحل الشامل في «الشرق الأوسط». كذلك انهارت حكومة محمود عباس (ابو مازن) التي اعتمدت في الايام الأولى لتشكيلها قوة موازنة للسلطة الفلسطينية. والآن وبعد مرور أربعة اشهر على إعلان الخريطة رسميا تبدو الأشياء وكأنها عادت مجددا إلى المربع صفر.
وفي فلسطين المحتلة (اسرائيل) يبدو ان رئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون هو المستفيد الوحيد من تداعيات الوضع العربي الرسمي بعد اجتياح بغداد في 9 ابريل/ نيسان الماضي. ولكن شارون الذي يتبع سياسة التوريط يبدو انه لن يقوى على كسر الممانعة العربية من دون اللجوء الى القوة. والقوة لا تعني دائما النجاح السياسي حتى لو توافرت لها امكانات الفوز العسكري. شارون لا شك في انه يتغذى من الجنون الاميركي ويحاول توظيفه بتشجيع من واشنطن احيانا في تحقيق بعض اهدافه الخاصة من نوع رفض الانسحاب وتوسيع المستوطنات وبناء الجدار الأمني ومحاولة توسيع دائرة الحرب الا ان شروط الاستمرار في مثل هذه الاستراتيجية من دون دفع كلفة عالية غير مناسبة نظرا لتوافر إمكانات الرد عليه ووقفه عند حده حين تأتي الفرصة المناسبة.
وفي سورية تبدو الأمور واضحة اكثر من السابق بعد الرد الدبلوماسي على الغارة الاسرائيلية على موقع مدني بالقرب من دمشق. فسورية أعلنت مرارا ان سياسة الصبر على الاعتداءات لن تستمر إلى الأبد ومن حقها ان ترد دفاعا عن نفسها في حال تكررت الهجمات واستمرت واشنطن في سياسة تكبير رأس شارون وتشجيعه على المضي في سياسته العدوانية والاستيطانية.
وفي ايران تواصل حكومة طهران خوض معركتها على جبهتين الأولى دبلوماسية وهي محاولة تطوير ردها على الهجوم الذي باشرته ضدها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدعم من الاتحاد الاوروبي وتشجيع من واشنطن والثانية سياسية - عسكرية وهي تعزيز قدراتها الدفاعية والصاروخية لمنع «اسرائيل» من الاستفادة من الوجود العسكري الاميركي في العراق وتعطيل برنامجها لانتاج الطاقة السلمية.
وفي تركيا تبدو الاشياء غامضة فهي تحاول ترتيب علاقاتها مع الولايات المتحدة في اطار صفقة متكاملة تعتمد على ثلاث خطوات: الأولى مواصلة دعمها دوليا للدخول في منظومة الاتحاد الاوروبي، الثانية مساعدتها ماليا لتحسين وضعها الاقتصادي ودعم عملتها الوطنية، والثانية ارسال قوات تركية الى العراق للمشاركة في ضبط الموضع الأمني في مناطق الشمال والغرب والوسط إذ تعاني جيوش الغزو من مشكلات لوجستية وهجمات متواصلة.
عموما تبدو الأمور سيئة واسوأ بكثير مما كانت عليه الاوضاع قبل اعلان الحرب على العراق.
فكل «التنظيرات» التي قامت بها رموز كتلة الشر في «البنتاغون» لم تتطابق حساباتها على أرض الواقع. فالمنطقة أصيبت بضربة كبيرة لكنها لم تنهر، وقدرة الدول على الممانعة لاتزال موجودة على رغم كل الثغرات ونقاط الضعف وفشلها في التنسيق.
الى العوامل الاقليمية لاتزال المعطيات الدولية غير مناسبة للسياسة الاميركية. فمجلس الأمن لم يتنازل عن حقوقه الشرعية ولاتزال الدول الكبرى مترددة في دعم العدوان الاميركي والتكيف مع شروط الولايات المتحدة التعجيزية.
والاهم من ذلك أسهمت الرعونة الاميركية على تعطيل مساهمات الاصدقاء في تغطية استراتيجيتها. بريطانيا مثلا تعاني مرارة قاسية من سلوك كتلة «المحافظين الجدد» وتدني مستواهم السياسي. واوروبا كذلك لم تستطع ان تتكيف مع اشارات الجنون التي اصابت العقل الاميركي. حتى الاكراد في شمال العراق اضطروا اخيرا للجوء إلى جامعة الدول العربية وطلب الحماية منها ودعم مطالبهم لمواجهة ما تراه القيادة الكردية بداية كسر للاتفاقات الثنائية المعلقة بالحكم الذاتي.
قراءة المشهد الاقليمي بعد مرور اكثر من ستة اشهر على غزو العراق تساعد على فهم مجرى الأمور والنهاية المأسوية لسياسة شريرة افتعلتها واشنطن. ومحصلة الشر ليس خيرا لا على المنطقة ولا على الولايات المتحدة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 403 - الإثنين 13 أكتوبر 2003م الموافق 16 شعبان 1424هـ