عندما تنطلق الأخبار المحلية والدولية لتتحدث عن الحشود الكبيرة في هذه الندوة أو تلك يتوقع من يقرأ هذه الأخبار ان يلتقي المتصدين لتلك الحشود عند زيارته للبلاد. ولكن التحشيد المصحوب بالمقاطعة لكل شيء يعني ان المرء لا يرى أثرا في الدوائر السياسية والحوارات وكل مايختص بصناعة القرار الرسمي او غير الرسمي.
فعندما وصل عدد كبير من علماء الدين إلى البحرين لم يشاهدوا أحدا من الذين سمعوا عنهم في الأخبار لان المعنيين بالحشد الجماهيري مقاطعون أيضا، ومقاطعتهم تشمل العلاقات العامة مع الآخرين.
وعندما سافر عدد من رموز الجمعيات المقاطعة إلى خارج البلاد كانت اللقاءات تختلف كثيرا عن عندما سافر شخص آخر من أعضاء البرلمان. فعضو المجلس النيابي يسافر إلى ايران ولبنان والعراق ويلتقي جميع المسئولين ولا يشعر المسئولون والرموز الكبار في تلك الدول بالحرج من الالتقاء به والحوار معه. في الوقت ذاته يسافر رمز معارض إلى البلدان نفسها إلا انه لا يستطيع الالتقاء بأي من المسئولين أو الرموز الكبيرة في تلك البلدان. ولو التقى بهم فستحسب عليه وعليهم، ولذلك فإن الأجدر به التزام المقاطعة، ولو انها مقاطعة من نوع آخر في هذه الحال.
المقاطعة اذن ليست للانتخابات البرلمانية فقط وانما تشمل مقاطعة علماء الدين (الاصدقاء) الذين يزورون البحرين، ومقاطعة معظم برامج ابناء المرجع الديني الحكيم لان السيدين حسين وصالح الحكيم يجتمعان مع اطراف تقاطعها الجهات المعارضة... المقاطعة تعني عدم الالتقاء بأي من المسئولين المهمين اثناء السفر للخارج والا فإن ذلك ستكون له آثار عكسية اخرى. المقاطعة تعني اتخاذ مواقف سلبية من كل خطوة يخطوها هذا الطرف او ذلك اذ شك المقاطعون بأنها قد تقربهم من واقع قرروا مقاطعته الى أمد غير معلوم وباسلوب غير واضح المعالم لحد الآن.
المقاطعة لكل شيء ماعدا ما يرتبط بالتحشيد. ولكن التحشيد من أجل ماذا؟ هذا السؤال يبتعد عنه الاخوة المتصدون للأمر على رغم علمهم بان «الصدام مع السلطة» ليس على اجندتهم، وعلى رغم علمهم ان علماء الدين الكبار سيدخلون الساحة بقوة ويمنعون حال الصدام فيما لو حدثت مناوشات ...
اذن هناك تحشيد ومقاطعة، وهناك دفع «غير مقصود» باتجاه التصادم. فهناك من الشباب المتحمس في كل ما يقوم به، وهناك من فقد كل القيم الاسلامية وراح يشتم ويسب ويسقط هذا الشخص أو ذاك. ولان المتصدي للعمل الجماهيري المقاطع يخاف من اعتداء الآخرين على سمعته وتشويهها (فيما لو اتهم بانه اصبح عميلا او خائنا او ساقطا) فإنه يتورط في مزيد من التحشيد ومزيد من المقاطعة لكل شيء لحماية نفسه من الشتائم والسباب التي ستنهال عليه.
التحشيد ولغة التصعيد التي يستخدمها البعض لم تعد بالفائدة على من ضحى من أجل ان يحصل على بعض حقوقه. ألا يعلم من يستخدم لغة التصعيد ان هذه اللغة ستجعل الآخرين يفكرون في أمور مضادة، وان التحدي له طرفان غير متكافئين... طرف يشتم ويسب ويصعد، وطرف يستطيع ان يرد باساليب وامكانات متوافرة لديه، وانه ان لم يرد الآن فقد يفكر في الرد غدا عندما تصل الأمور إلى مستوى لا يمكن تحمله.
أليس هناك وسائل اخرى ابدعتها المعارضة البحرينية استفادت منها ايام الشدة وتستطيع الاستفادة منها في ايامنا هذه؟ أليست من أهم تلك الاساليب الحكمة في الخطاب السياسي وفتح باب للحوار بدلا من سد الابواب في وجه كل شيء؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 403 - الإثنين 13 أكتوبر 2003م الموافق 16 شعبان 1424هـ