عندما يحدث انفجار لاسطوانة غاز أو يحدث هجوم إجرامي على سيارة للشرطة أو تحدث أعمال شغب في رأس السنة أو اضطرابات بالقرب من السفارات الأجنبية فإن الأصابع تتوجه إلى فئة معينة دون غيرها. وعلى رغم أن هذه الأصابع مخطئة بدليل أن كثيرا من تلك الحوادث ليس لها توجه واحد فإن من أراد أن يتهم هذه الفئة لن يحتاج إلى كثير من الأدلة الظرفية.
الأدلة الظرفية تختلف عن الأدلة الحقيقية، ولكنها بلاشك تلعب دورا في تعكير الأجواء؛ فما على من يود اتهام هذه الفئة التي يطلق عليها البعض «الجدار الهبيط» إلا الدخول على مواقع إلكترونية تتحدث باسمها أو الاستماع إلى خطب يلقيها أشخاص ينتمون إليها أو قراءة مقالات أو بيانات لأشخاص ينتمون إلى خطها العام. والمحصلة التي يخرج بها من يود توجيه الاتهام كبيرة، ويمكن استغلالها لإلقاء اللوم المباشر أو غير المباشر.
الجمهرة في هذه الندوة أو تلك تتطلب خطابا حماسيا تماما كما كان الرئيس جمال عبدالناصر يفعل عندما يواجه الجماهير التي كانت تهتف بحياته وتعد بأن تفديه بنفسها. فعبدالناصر والقادة الآخرون الذين لهم أنصار يهتفون باسمهم يجدون أنفسهم مضطرين إلى تصعيد لغتهم السياسية وحماسهم لكي لا يتفكك جمهورهم.
غير أن الحماس الصاخب يتطلب وجود برامج وإمكانات بحجمه وإلا تحوّل إلى نار تلتهم ما تجد أمامها. وكان ممن تورط بالحماس غير المنقطع النظير قادة الجمهورية الإسلامية. فبحسب عدد منهم فإنهم كانوا يودون تسيير الأمور في منتصف الثمانينات باتجاه آخر، ولكنهم عجزوا عن ذلك لأن الشعارات التي ترفعها الملايين كانت تفرض نفسها على كل شيء. وانتهى الأمر إلى الخطاب الشهير الذي ألقاه الإمام الخميني قدس سره عندما قال إنه «تجرع السم» ووافق على ما فرضته الحكومة العراقية من شروط لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية في العام 1988. الحماس الذي يتحرك باتجاه معين يصعب إعادة توجيهه إلى أمر آخر - قد تتطلبه المرحلة السياسية - ليس أمرا حسنا. ويزداد الأمر سوءا عندما يقع المتصدون للأمر في ورطة الخطاب الحماسي الذي من دونه قد يخسرون شعبيتهم وقد يتسلط عليهم من يتهمهم بالخيانة والسقوط والهروب... إلخ. الحماس مطلوب، ولكن قبل الحماس فإن هناك أمرا آخر يجب النظر إليه، وهو القرار والتوجه وعقلنة الأمور. وفيما لو حاول البعض اختصار الوقت واختصار الناس الذين لا يتفقون معه فسيجد نفسه مضطرا إلى اللجوء إلى أساليب لا تتناسب والمبادئ السامية التي يرفعها. وهذا يؤدي إلى أن تحدد الاساليبَ الأهدافُ وليس العكس، فمن يتورط في أسلوب معين في العمل يجد نفسه يغيِّر هدفه لكي لا يفقد قوة ذلك الأسلوب، ولكنه في النهاية يجد نفسه بعيدا كل البعد عما كان يصبو إليه
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 401 - السبت 11 أكتوبر 2003م الموافق 14 شعبان 1424هـ