تراجعت الحكومة عن موقفها الذي استمر ثلاثة أسابيع متواصلة بإغلاق مسجد الإمام الصادق (ع) في وجه المصلين، هذا الموقف الذي جاء بشكل مفاجئ وقيل إنه نتيجة تحركات قادتها تيارات من وراء الكواليس لحلحلة الأزمة، وأين كان السبب وراء إعادة افتتاح المسجد، فإن إغلاقه ومنع الصلاة فيه يعد نكسة حقيقية على مستوى الحرية الدينية وحرية التعبير.
افتتح مسجد الإمام الصادق أمس، ولكن السؤال الذي تردد طوال الأسابيع الماضية لازال مستمرا، حول الهدف الحقيقي من وراء هذا الحصار، ثلاثة أسابيع فضحت فيها بعض الأجهزة الرسمية نفسها وأوضحت أنها لا تستهدف فقط الناشط السياسي حسن مشيمع، بل إنها تتمرن على إغلاق كل منبر ينتقدها ويتعرض لسياستها وطرق تعاملها مع المواطنين.
الأجهزة الرسمية يمكنها أن تمارس دورها الحقيقي في الحفاظ على السلم الأهلي ومنع الاحتقان الطائفي والتصدي له من خلال منع تلك المنابر التي بات همها الأول والأخير التعرض لطائفة كبيرة في البلد والمساس بمكانتها، فمثل هذه المنابر ليست محل اهتمامها، بل في الكثير من الأحيان تكون تحت مظلتها وحمايتها ورعايتها وتأييدها الظاهر والباطن.
السكوت عما يقوله ذلك الخطيب الطائفي كل يوم جمعة من على منبر في مدينة عيسى، والتعدي على طائفة بعينها مقصود من قبل بعض الأجهزة الرسمية لإثارة النعرات الطائفية، فلا يكفي إيقاف ذلك الخطيب الطائفي جمعة واحدة فقط، وكأنها خطوة لذر الرماد في العيون، ومن ثم غض الطرف عنه ليقول ما يشاء، فيما تقوم الأجهزة الرسمية بمحاصرة مسجد الإمام الصادق (ع) بجيش من قوات الأمن وتمنع الصلاة فيه فقط لأن الخطيب انتقد أداء الحكومة وسياستها وتصرفاتها.
إن انتقاد الحكومة وأدائها ليس محرما في القانون أو الدستور، وليس عيبا، ولكن العيب والجريمة تكمن في التهجم على طائفة كاملة ووصفها بـ»الصهيوينة» و»أبناء الكلاب والخنازير» وبعد ذلك تقوم الأجهزة الرسمية بالتصفيق لذلك الخطيب الطائفي، بل وتشجيعه وتكريمه بهدف زيادة الاحتقان الطائفي، ولعلها تستخدم ذلك لتبرير أعمال قمعية كإغلاق مسجد الإمام الصادق (ع) مثلا وإغلاق المواقع الالكترونية وغيرها من الإجراءات التي تثير ألف سؤال وسؤال.
إن لم تستطع الأجهزة الرسمية حماية مصالح شعبها والدفاع عن جميع فئات المجتمع، فإنها بذلك تصبح فاشلة... وإن لم تستطع منع القذف والتشهير بفئة من فئات المجتمع فلا مصداقية لها... وإن لم تستطع أن تخلق التوازن بين تكوينات المجتمع فلا أمل فيها، وإن لم تستطع أي حكومة المساواة بين جميع مواطنيها فإنها تفتقد إلى أهم مقوم دستوري لشرعيتها.
بين القفول ومدينة عيسى تتكشف حقيقة الحكومة في التعامل والتعاطي الطائفي، وبين المنطقتين والمنبرين يمكن معرفة التوجه الحقيقي لعدد من الأجهزة الرسمية الموقرة التي لا يهمها إسكات مثيري النعرات الطائفية والعابثين الحقيقيين بأمن هذا البلد وسلامته، بل يهمها أن تسكت فقط من ينتقدها حتى وإن أدى ذلك لإغلاق ومنع الصلاة فيه.
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 2332 - الجمعة 23 يناير 2009م الموافق 26 محرم 1430هـ