لا يفوّت هذا المجتمع فرصة حتى يثبت أنه على أعلى درجات التأزم المذهبي المسكوت عنه والمنتظر لأدنى فرصة حتى تتفتق عنه الجدران الواهية.

فبعد أن عاشت البحرين «ابتسامات» تلاقي علماء الدين على مختلف مذاهبهم وانتماءاتهم، وبعد هذا الكم الكبير من الكلمات النظرية التي أطلقت في محاولة القول بأننا أمة واحدة مهما اختلفت أشكال لف عمائم علمائنا، تبدى بعد هذا الجو الجميل الذي طاف على البحرين، أنه سحابة صيف لم تنزل على «الأرض» أمطارها لتزهر وتثمر.

فما أن تمر بالبحرين حوادث تتلاطم فيها وجهات النظر، حتى يعود «العقلاء» كلٌ إلى منبعه، وتبدأ أطراف في المبالغة في الاتهام، وأطراف في المبالغة في التنزه عن كل خطيئة، ولا تعود هناك منطقة وسطى، يلتقي عليها الجميع، وكأن علينا أن نبتهل إلى الله ليل نهار حتى لا يقع أي حادث، لا لخطورته لذاته، ولكن حتى لا تتعرض القشرة الرقيقة الجافة للتفسخ من على أوجه الكثيرين، اتهاما وتنزها، ويخرج الأمر عن مساقه، وينسى الناس مبدأ المساءلة وينشغلون في القيل والقال والتلاسن والرد على بعضهم بعضا، وإطلاق المخزون اللغوي للتشنيع المبطن في الطرف الآخر. وهذا ما حدث في صبيحة اليوم التالي تماما لما حدث في سترة.

ربما سيحتاج الأمر إلى أكثر من مجرد مؤتمر للتقريب بين المذاهب، إلى ورش عمل، وعمل كثيف للتقريب بين البشر أنفسهم، وربط مصالحهم بشكل لا ينفصل حتى يغدو كل منا حريص على الآخر بقدر حرصه على نفسه، وسيحتاج الأمر إلى التخلص من الكثير من الأنانية، والتفكير من موقع الآخر دائما، فما يعتبره البعض حقا مطلقا له، يرى الطرف الآخر أنه حق مغتصب منه