مازالت الحركات الإسلامية تعاني من أزمة خطاب أعني بذلك أزمة التطرف تجاه الآخر، حتى لو كان هذا الآخر هم رفاق الدرب. فسرعان ما يتطور الخطاب بنزعات تطرفية الغائية قد تصل أحيانا إلى محاكمة النوايا ونصب أعواد مشانق الاتهام سواء بالتخوين، أو التكفير أو العمالة وما إلى ذلك من مفردات مختزلة توزع بالمجان. ثقافة التخوين ثقافة قلما نجد حركة لم تتورط بها والمشكلة تكبر وتتعاظم ويصعب السيطرة عليها عندما تقدم إلى الشباب المؤمن على أنها من مسلمات العقيدة السياسية أو من بديهيات الدين فيقع شبابنا أسيرا لمثل هذه الثقافات ويذهب هو الآخر ينتج أشكالا مختلفة ومتنوعة من هذه البضاعات المتأزمة والملغمة فيصبح المجتمع مجتمعا مأزوما قائما على التشكيك وتوزيع الصكوك، أقرب إلى التطرف منه إلى التسامح.
لا أحد يشك في اخلاص أمين عام حزب الله سابقا الشيخ صبحي الطفيلي ولكن من يقرأ خطاب الشيخ خصوصا في الآونة الأخيرة يجد أن خطابه تورط بشكل أو بآخر في الخطابات التطرفية التي من سماتها ومفرداتها احتكار الحقيقة والوصول السريع إلى اتهام وتخوين الآخر. وكل ذلك يحدث في وقت حرج، الأمة أصبحت في حاجة - قبل أي وقت مضى - إلى ثقافة اعتدالية سلمية قائمة على احترام الآخر من دون وضعه في أية مربعات جاهزة. مقابلة الشيخ صبحي التي أجراها في صحيفة عربية بتاريخ 16 سبتمبر/ أيلول 2003 اتسمت بالتأزم والغاء الآخر والمتمثل في المقاومة الإسلامية اللبنانية وهذه بعض مقتطفات المقابلة مع بعض التعليق: يقول الشيخ: «إذا كان لابد من تكريم أحد في لبنان فهو أنا» ويقول في اتهام واضح لأصدقاء الأمس لمن لم يتفاعلوا معه في «ثورة الجياع» «أثناء ثورة الجياع فوجئت بورثة الخميني (حزب الله) يقفون إلى جانب سارقي المال العام وناهبي ثروات الدولة والمعتدين على الشعب ضد شعبنا وامهات الشهداء والفقراء».
ووصف اتفاقات حزب الله أثناء الصراع مع «إسرائيل» ما قبل التحرير باتهامات تطرفية خطيرة قائلا «إن اتفاق 4 يوليو/ تموز 1994، وتفاهم ابريل/ نيسان 1996م الذي سبغ حماية على المستوطنات الإسرائيلية حيّد المقاومة» ووصف عمليات حزب الله بأنها «عمليات فلكلورية التي تحصل بين حين وآخر لا جدوى منها لأن الاسرائيلي مرتاح وما يؤلمني أن المقاومة التي عهدنا شبابها على الموت في سبيل تحرير الأرض العربية المحتلة تقف الآن حارس حدود للمستوطنات الإسرائيلية» وراح الشيخ بعيدا في الاتهام ليقول «ومن يحاول القيام بأي عمل ضد الإسرائيليين يلقون القبض عليه ويسام أنواع التعذيب في السجون» وراح الطفيلي يخاطب الشباب قائلا «أوجه كلامي إلى أبنائي في المقاومة لأقول لهم إن ما تفعلونه حرام وخدمة للعدو - لاحظ خدمة للعدو - وخيانة للقضية». الشيخ صبحي تورط في هذا الخطاب المتطرف وهذه نتيجة طبيعية لأي فكر يعتقد أنه الوحيد في فهم القضايا، وأن باقي الناس «خونة» و«منحرفون فكريا» أو «عملاء للإسرائيليين» و... تبقى هناك أسئلة توجه إلى الشيخ:
- إذا كانت كل هذه الأوصاف الخطيرة تتصف بها المقاومة كيف إذن استطاعت أن تحقق نصرا ساحقا في الجنوب مما يعزز خطأ تحفظات واتهامات الشيخ صبحي وأن موقفه السياسي من التسعينات كان خاطئا والدليل الانجازات والمكتسبات التي حصلت عليها المقاومة بقيادة أمينها المجاهد السيدحسن نصر الله الذي قدم كل ما يمتلك فداء للقضية الإسلامية ولقضية فلسطين ولبنان والعرب بما في ذلك تقديم ابنه السيدهادي قربانا على مذبح النصر في جنوب لبنان. ما نحتاجه كمسلمين هو تربية النشء على ثقافة السلم وأن نطالب بالحقوق سلميا من دون أن نتطرف ضد بعضنا بعضا ونرمي بعضنا بالاتهامات وأن نعيد قراءتنا لثقافتنا إن كانت متأزمة وللأسف هذا ما لم يلحظه الشيخ المجاهد صبحي الطفيلي
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 400 - الجمعة 10 أكتوبر 2003م الموافق 13 شعبان 1424هـ