«فكر شموليا واعمل محليا» منطق يلتزم به أعضاء المجالس البلدية أو إدارات الحكم المحلية في العالم المتقدم أجمع، وهذا المنطق يجب أن يرتكز عليه أعضاء المجالس البلدية في مملكة البحرين، فلكل منطقة خصوصيتها، سواء ريفية كانت أم حضرية، ساحلية أم برية، زراعية أم صناعية، غنية أم منطقة فقيرة معدمة أم ذات أوضاع خاصة؛ كل ذلك يجب مراعاته.
مناسبة هذه المقدمة ظهور التشدد في المركزية الإدارية والمطالبة بالتوحد القراري من قبل «بعض» أعضاء المجالس البلدية، مع مطالبتهم السلطات التنفيذية بكسر قيد «المركزية» والاتجاه نحو اللامركزية والحكمية المحلية! وهنا يكمن الازدواج والفهم المغلوط للمعاني والمضامين البعيدة المدى لإدارات الحكم المحلي وللمجالس البلدية. فالمجالس البلدية وضعت للاهتمام بالشأن العام للمنطقة البلدية بطريقة متوازنة مع الاهتمام بالشأن العام الوطني، وأيضا من مضامين انتخاب تلك المجالس والإدارات المحلية وهي أبعد من أن تكون (تنظيف الطرقات وتشجيرها والمحافظة على البيئة) فهي عملية تقوية وتعزيز ثقة المواطن بقدراته، وتنميتها من خلال ممارسته لأدوار الرقابة على الحكومة أو على المجالس البلدية والمساهمة في عملية البناء والتنمية الديمقراطية والمشاركة الشعبية في صنع القرار، على المستوى المحلي وفي نطاق حدود المنطقة البلدية. ومن ثم تهيئته - المواطن - لاتخاذ القرار على المستوى الوطني العام. إذن «فهي عملية بناء لإنسان واثق بقدراته ومنظم يتخطى الصعوبات التي تواجهه في المستقبل»، كما اشار برنامج العمل الذي اقترحه رئيس المجلس البلدي في المحافظة الشمالية مجيد السيد علي ونشر في صحافتنا المحلية، وقدمه رئيس المجلس البلدي إلى وزير التربية والتعليم. وذلك البرنامج رؤية ومشروع يستحق أكثر من وقفة ودراسة من قبل المسئولين في وزارة التربية والتعليم؛ قياسا بالمردود الإيجابي على أجيال مملكة البحرين من خلال إشاعة حب العمل التطوعي، والمساهمة في المناطق البلدية، وترسيخ الوعي البلدي والممارسة الديمقراطية في عقول الأجيال المقبلة، فإن المطلوب تغيير في الذهنية والسلوك ولا يتم هذا التغيير إلا من خلال تغييرات عدة؛ منها تربية الناشئة على البذل والعطاء والمساهمة في مجتمعاتهم المحلية.
مفهوم الحكم المحلي
تقول إحدى أدبيات الأمم المتحدة، «لا تعني الحكمية النظام أو السلطة، بل الأداء والتنمية، وفي هذا الجانب لا تحصل من خلال القوانين والأنظمة والمؤسسات مهما كانت متطورة وعصرية، وللأداء جانبان هما المراقبة والمحاسبة كي يكون الأداء الحكومي هادفا لتحقيق المصلحة العامة لا مصلحة أرباب الحكم وأصحاب النفوذ. والجانب الثاني في حسن الأداء هو مبادرة المواطنين ومشاركتهم... ذلك لكي يكون - هذا المواطن - مصدر السلطات، مهما قست الأوضاع، وهو أساس البناء الديمقراطي والتنمية». وجاءت التجربة البريطانية لتضفي نوعا من الخصوصية المناطقية فأنشأت مجالس محلية ريفية وحضرية، وسنّت القوانين بحسب توصيات ومقترحات تلك المجالس. وتذكر إحدى الدراسات أن أنظمة الحكم المحلي وفلسفة وجودها تقوم على ركنين رئيسيين هما:
1- المبدأ الديمقراطي القائل: يقوم الشعب بإدارة شئونه المحلية بنفسه.
2- مبدأ إشباع حاجات هذا الشعب على الصعيد المحلي بأسهل السبل وأيسرها.
وأصل نشأة الإدارات المحلية والحكمية المحلية إما أن يكون دستوريا وإما أن يكون قانونيا وإما هو واقعي، ولعدم الإطالة سننطلق من واقعنا المعاش في مملكة البحرين، فقد جاء في دستور 2002م في المادة (50) فقرة (أ) الآتي:
«ينظم القانون المؤسسات العامة وهيئات الإدارة البلدية بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها، وبما يكفل لهيئات الإدارة البلدية إدارة المرافق ذات الطابع المحلي التي تدخل في نطاقها والرقابة عليها».
وجاء أيضا في مقدمة قانون البلديات 35 لسنة 2001: «حدد المشرع اختصاصات المجالس البلدية والتي تتمحور حول فلسفة واحدة قوامها الاعتراف من المشرع بنظام الحكم المحلي أو اللامركزية الإدارية». ويذكر أن مقدمات الدساتير والقوانين يعتبرها الفقهاء ملزمة وتعتبر كخطوط عريضة لمواد القانون أو الدستور، وفي ضوء مقدمة القانون يتحتم على أعضاء المجالس البلدية الابتعاد عن محاولة توحيد المواقف وأحاديتها وكبت الأصوات الأخرى، إذ ان لكل منطقة خصوصيتها، هذا مع الأخذ في الاعتبار أهمية التنسيق في الخيارات المطروحة، ولكن يجب ألا يكون هذا التنسيق على حساب بلدية دون أخرى أيضا. وكما رأينا فإن منشأ الحكم المحلي أو اللامركزية الإدارية في مملكة البحرين هو دستوري وقانوني.
قانون البلديات
ومن أكثر التعاريف للحكمية المحلية وضوحا وبيانا وأوجزها نصا هو: «الحكمية المحلية هي نمط ديمقراطي في الإدارة والشأن العام على المستوى المحلي بمبادرة من المواطنين المحليين ومشاركتهم، وهي تقوم على الحوار بين أبناء البلدة (المنطقة البلدية) لتفعيل قدراتها وتطويرها وتنميتها» وعن سلطات البلديات: «البعض، إن لم يكن الجميع، يتفقون على وجود سلطتين: تقريرية أو استشارية، والثانية تنفيذية، منهم من يلجأ إلى التعيين، ومنهم إلى الانتخاب تكريسا للديمقراطية، وثمة من يلجأ إلى الاستعارة من جهاز الدولة المركزي. ثمة من يرى فيها تكريسا لواقع سياسي، وثمة من يرى فيها محض «نشاط خدماتي» وتكون علاقة السلطات هي ترجيح السلطة التقريرية المنتخبة على السلطة التنفيذية وبالتالي تكون تسمية تلك الحالة (الإدارة المحلية)، وذلك لا ينطبق مع ما ورد في مواد قانون البلديات 35 لسنة 2001.
وفي حالة (الحكم المحلي) يشترط التوازن بين السلطتين بل والتعاون، وتبادل النقض (الفيتو) على المقررات، بل وتبادل حجب الثقة والحل. والحكم المحلي هو ما جاء نصا في مقدمة قانون البلديات (35) لسنة 2001. ولكن مواد القانون تخالف ذلك، إذ لم ينص القانون على تبادل قرارات الفيتو ولم ينص القانون على حل إحدى السلطتين للأخرى.
وعلى ذلك فقانون البلديات البحريني (نادر الوجود) أو قل لا مثيل له بالمطلق، وذلك ما أكده مدير إدارة الشئون القانونية في وزارة شئون مجلس الوزراء حينما سألناه عن المثال المحتذى به في سن هذا القانون. فأجاب «لا يوجد مثال شرّعنا على أساسه قانون البلديات».
والحكمية المحلية: «يقصرها البعض على نشاطات عادية، وآخرون على نشاطات رئيسية، وثمة من يربطها بنشاطات الدولة كافة ما عدا تلك المتعلقة بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية والقضاء، والبعض يسند إليها مهمات أمنية، والبعض يرى فيها وجها من وجوه الضابطة الإدارية، وحتى العدلية أي القضائية». وأخيرا فإن مكونات الحكمية المحلية كما يراها انطوان مسرة (المشرف العام على منشورات مؤسسة السلم الأهلي اللبنانية) هي: «تعريف المواطنين بأوضاع بلدتهم والإصغاء إلى الناس في حاجاتهم وتطلعاتهم وتنفيذ المشروعات على أرض الواقع بشكل ملموس ودائم». وبناء على ما سبق ذكره، هل حققنا نوعا من «الحكمية المحلية» أو «الإدارة المحلية» أو «اللامركزية» بمعناها المتعارف عليه دوليا؟ أو كما هي في الدول الديمقراطية في ظل قانون البلديات؟ أو على أقل تقدير هل نحن نسير وفق الاتجاه الصحيح؟ وهل نحن نعرف إلى أين نسير أم تذرونا رياح تفسير القانون من وجهة نظر المعارضة السياسية تارة ومن وجهة النظر الرسمية تارة أخرى؟ وهناك الكثير من (الأسئلة) التي نتمنى أن نحصل اجوبة عنها سواء من أعضاء المجالس البلدية أو الوزارة المختصة. وبعد كل تلك الأمثلة، نتمنى من أعضاء المجالس البلدية وضع خطة عمل لحلحلة الأزمة القانونية مع الأجهزة التنفيذية أو مع الوزير المختص أو من خلال المجلس النيابي
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 400 - الجمعة 10 أكتوبر 2003م الموافق 13 شعبان 1424هـ