بعد الغارة الاسرائيلية على موقع مدني بالقرب من دمشق في سورية تغير الى حد كبير المشهد الاقليمي. فالمشهد اتسع نطاقه وباتت الدائرة تشمل الدول الواقعة على حدود العراق شرقا وجنوبا والدول الواقعة على حدود فلسطين شمالا.
الكل الآن في مأزق. رئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون في مأزق فهو رفع درجة التوتر الى حد الغليان السياسي وبات أسير افعاله إذ لا يستطيع التراجع واذا اراد التقدم خطوة اضافية فمعنى ذلك انه يستعد لمواجهة قد تكون شاملة وعامة لا تقتصر على لبنان وسورية وانما قد تمتد لتشمل فلسطين والمحيط العربي. والمنطقة ايضا في مأزق فهي لا تستطيع التخلي عن حقوقها وثوابتها التي اقرها «المجتمع الدولي» ونصت عليها الاتفاقات والمواثيق الدولية كذلك ليست على استعداد للمضي في تجاهل الاستفزازات التي تثيرها ادوات الشر في تل ابيب والبنتاغون.
وايضا الادارة الاميركية في مأزق فهي ادارة فاشلة على مختلف المستويات الامنية والسياسية والاقتصادية والمالية ولم تعد استراتيجية «الهروب الى الامام» سياسة مجدية في وقت تظهر استطلاعات الرأي تراجع ثقة الناخب الاميركي بشعارات البيت الابيض وانكشاف الكثير من ملفات الكذب التي تبرر ما تسميه «البنتاغون» بتكتيك «الضربات الاستباقية».
الغارة الاسرائيلية على سورية اسهمت في دفع التأزم خطوات الى الامام انطلاقا من رغبة شارون في تغيير قواعد اللعبة واستدراج دول المنطقة إلى مواجهة يستفيد منها لتعديل موازين قوى يرى انها ضرورة لفرض شروطه على المنطقة مستخدما بذلك الوجود الاميركي العسكري في العراق.
مع ذلك تبقى المسألة في يد واشنطن. فالادارة الاميركية تملك القرار الاخير في تحريك الملفات وتسييرها نحو هذا الاتجاه أو ذاك.
حتى الآن تبدو الصورة سيئة. فالإدارة لاتزال في مزاج التصعيد على رغم الخبرة غير المشجعة لوجودها الاحتلالي في بلاد الرافدين. فالرسالة التي صدرت عن شعوب المنطقة من افغانستان إلى فلسطين لم تصل بعد إلى إدارة البيت الابيض واذا وصلت تكون فهمتها بشكل خاطئ يدل على وجود مؤشر سلبي لا يريد ان يقرأ واذا قرأ يتعمد ان لا يفهم. فالكل حذر والكل نبه القيادة الاميركية الى خطورة سياستها القاضية بتفجير توازنات المنطقة واستقرارها. والكل بعث برسائل واطلق تصريحات من الرئيس المصري الى العاهل الاردني الى ولي العهد السعودي واخيرا الرئيس السوري وملك البحرين.
وحتى الآن تبدو الادارة الاميركية في مزاج سيئ لا تريد الاستماع الى اصوات عاقلة تهدف في النهاية الى ضبط الانفلات الأمني واعادة رسم المصالح ليس وفق نظريات القوة وانما في اطار القانون والحقوق.
الادارة الأميركية وكما يبدو من تصرفاتها تعيش في «خبر كان» فهي على رغم اجماع كل المراقبين على انها فاشلة في كل المعايير والموازين والمقاييس لا تتردد في السير في خط واحد وكأن هناك قوة خفية تقودها نحو المزيد من الخراب والدمار.
إدارة فاشلة ومع ذلك لا تتردد كتلة الشر في «البنتاغون» في الضغط باتجاه المزيد من الحروب غير عائبة لتوازن المصالح الدولية وغير مكترثة بالضحايا ولا تعير اي انتباه للكلفة العالية لتمويل المغامرات العسكرية التي لم تجلب الأمن الى المنطقة ولا الاستقرار للولايات المتحدة.
دفع البيت الابيض 40 مليارا للحرب على افغانستان و80 مليارا للحرب على العراق... وحتى الآن لايزال يتعرض للمزيد من الضغوط من كتلة الشر لفتح اعتمادات اضافية بغية فتح جبهات عسكرية جديدة.
كتلة الشر ايديولوجية التوجه لا تقيم حساباتها على اساس الاقتصاد والانفاق المالي ولا تفكر كثيرا بالمردود المتوقع لكل هذه الانشطة الحربية... فهي ايديولوجية التفكير وتنطلق من نصوص جاهزة ترفع عندها درجة التوتر. فالايديولوجيا دائما تزيد من نسبة الميل نحو السياسة وتغلب جانب المغامرة على العقل
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 400 - الجمعة 10 أكتوبر 2003م الموافق 13 شعبان 1424هـ