لاشك في ان العدوان الاسرائيلي الاخير على سورية، يمثل تحديا ربما كان من أهم التحديات التي واجهت الرئيس بشار الاسد منذ توليه السلطة قبل ثلاث سنوات، ذلك ان «اسرائيل» وفي واحدة من استخداماتها المعهودة للقوة، تجرأت وضربت بالقرب من دمشق، والحقت ضربتها باعلان سافر، اطلقه رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون قال فيه «سنضرب في كل مكان وبأية وسيلة» في اشارة واضحة الى ان دمشق، ليست خارج اهداف القوة العسكرية الاسرائيلية، وترافق تصريح شارون مع تهديد زعيم حزب الاتحاد المتطرف ووزير البنى التحتية في الحكومة افيغدور ليبرمن باحراق دمشق وبيروت. وقال ليبرمن «هناك خطط اخرى اكبر من الغارة البسيطة على سورية في مواجهة الارهاب الفلسطيني والعربي والاسلامي»، وهذه الحيثيات تؤكد ان ما تواجهه سورية من تحد، هو أكثر من مجرد غارة «اسرائيلية» على الاراضي السورية. ومما يزيد من أهمية التحدي الاسرائيلي لسورية، امران، اولهما التأييد الاميركي السافر لما قامت به «اسرائيل»، الذي عبرت عنه تصريحات الرئيس جورج بوش، قال فيها، «ان الغارة الاسرائيلية على سورية كانت جزءا من حملة ضرورية للدفاع عن «اسرائيل»، مشبها السياسة الاميركية ضد الارهاب بالاجراءات التي يتخذها شارون، والثاني، يمثل الموقف اللين الذي اتخذه الاتحاد الاوروبي من الغارة الاسرائيلية، الذي أقرّ «بحق «اسرائيل» في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب» داعيا إلى «عدم القيام بأعمال قد تزيد التوتر في المنطقة، وتزيد من صعوبة الحوار».
ويكتسب الموقف الاوروبي وضوحا متزايدا مع دعوة الرئيس الفرنسي سورية لمحاربة الارهاب، وقول وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني الذي تتولى بلاده الرئاسة الاوروبية، ان «محاربة الارهاب على اشكاله واحدة من اولويات الاتحاد الاوروبي والاسرة الدولية»، داعيا سورية إلى الالتزام باتفاق مكافحة الإرهاب المعمول به في الاتحاد الأوروبي تمهيدا لتوقيع اتفاق الشراكة الأوروبية الذي يتم التفاوض معها على توقيعه.
وعلى رغم ان الدول العربية وعددا من دول العالم، ادانت الغارة الاسرائيلية على سورية، فان تلك الادانة، لاتجد لها ترجمة عملية في البعد السياسي، اذ لاينتظر الحصول على قرار ادانة للغارة الاسرائيلية من مجلس الأمن الدولي، كما انه من الصعب حصول سورية من المجلس على ما يمكنها من نقل القضية الى الجمعية العامة للامم المتحدة لاخذ قرار فيها له قيمة سياسية واخلاقية غير ملزمة لـ «إسرائيل».
ولاشك في ان واقعا كهذا، يجعل من تحدي العدوان الاسرائيلي أكثر ثقلا على سورية، والتي بحكم اختلال موازين القوى العسكرية، تبدو غير قادرة على رد عسكري على العملية الاسرائيلية، والتهديدات التي تبعتها، وهو ما يعني ضرورة توجه سورية الى نشاط سياسي مكثف في المستويين العربي والدولي، يشكل ضاغطا على السياسة الاسرائيلية، وعلى التأييد الاميركي «لاسرائيل»، لكن تحقيق انجاز بهذا الاتجاه يبدو محدودا نتيجة وقوف الولايات المتحدة وراء «اسرائيل»، واعتبار ما قامت به «اسرائيل» من عمل ضد سورية، يصب في خدمة سياسة واشنطن حيال دمشق بالضغط عليها لتغيير بعضا من اتجاهات السياسة الخارجية السورية لاسيما في نقطتين، الاولى الوضع في العراق، والثانية موقفها في الموضوع الفلسطيني وفي الصراع العربي - الاسرائيلي.
ويفرض واقع الحال على دمشق التوجه في واحد من مسارين، اولهما الاستجابة للضغوط الاميركية، والذي يمثل العدوان الاسرائيلي في احد تعبيراته وجها من وجوهها، ما يؤدي الى تدخل اميركي يكبح جماح «اسرائيل»، ويخفف من تهديداتها لسورية، او ان على دمشق في المسار الثاني التوجه الى الداخل السوري من اجل اعادة استنهاضه، وتصحيح اوضاعه السياسية والاقتصادية التي نخرها الفساد والازمات، وصارت تتطلب معالجة جدية وشاملة من شأنها تقوية وضع سورية وتعزيز امكاناتها في مواجهة التهديدات الاسرائيلية والضغوط الاميركية، ولعل ما يعزز الوصول الى هدف كهذا حقيقة امتلاك سورية لامكانات مادية مهمة من جهة، وتماسك السوريين وجذريتهم في الموقف ضد «اسرائيل»، وضد التهديدات الاميركية والضغوط على دمشق.ولاشك - ان خيار دمشق في مسارها الثاني - لايمنع المضي في مسارها الاول نحو تعزيز حضورها العربي والدولي والسعي من اجل كسب تأييد لها في مواجهة التهديدات الاسرائيلية والضغوط الاميركية، لكن من دون تقديم أية تنازلات تضعف موقفها
العدد 399 - الخميس 09 أكتوبر 2003م الموافق 12 شعبان 1424هـ