لم يضع اجتماع صندوق النقد والبنك الدوليين السنوي الذي عقد في دبي في الفترة من 23 إلى 24 سبتمبر/أيلول الماضي، حدا لاستنزاف البلدان الغنية لموارد البلدان الفقيرة. وتسعى إلى افقار البلدان النامية لتكون سوقا ضخمة لتوزيع منتجاتها التجارية والزراعية. في هذا المقال سنتعرض الى الأسباب الحقيقية لتعاقب فشل المفاوضات التجارية والمالية بين دول الشمال والجنوب من كانكون الى دبي، وأسباب تزايد الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية ضد العولمة. نتيجة لآثارها السلبية على ذوي الدخول المتوسطة والمتدنية من شعوب البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء. الواقع انه حان الوقت لأن تعيد البلدان الغنية النظر في مفاهيمها وتوجهاتها وسياساتها التجارية والمالية، ولا يجوز إعفاؤهم من واجب إعادة التفكير بطريقة نقدية في سياساتهم المالية بعد التحركات التاريخية التي دفعت الشعوب الفقيرة الى «الاحتجاج».
منطقة مينا (الشرق الأوسط وشمال افريقيا) وفقا لتقارير الأمم المتحدة والبنك الدولي على سبيل المثال من أكثر من مناطق العالم المستنزفة مواردها الطبيعية ومنتجاتها الصناعية والزراعية، فمن اولويات التنمية في المنطقة مضاعفة حجم ومستويات العمالة القائمة حاليا بحلول العام، 2020 للتغلب على البطالة، على البطالة، وذلك بخلق 100 مليون فرصة عمل جديدة.
ومع اتمام الشباب مراحل التعليم وتزايد مستواهم التعليمي تواجه أسواق العمل الواقعة أصلا تحت ضغوط البطالة المستفحلة في هذه المنطقة اختبارا صعبا للغاية، إذ إن متوسط معدلات البطالة فيها يبلغ 5 في المئة. وعلى بلدان هذه المنطقة استنهاض القطاع الخاص والاندماج في الاقتصاد العالمي وتحسين إدارة شئون مواردها النفطية، وذلك للتصدي لهذا التحدي المتزايد مع تزايد القوى العاملة بنسبة 3 في المئة سنويا منذ سبعينات القرن الماضي وحتى العقد الثاني من هذا القرن وهي زيادة لم تشهدها أية منطقة من مناطق العالم في السنوات الخمسين الماضية.
الواقع انه هناك حاجة إلى «عقد اجتماعي جديد» بين الحكومات ومواطنيها من أجل تنفيذ هذه الاصلاحات الاقتصادية. نائب رئيس البنك الدولي لشئون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كريستيان بورتمان يؤكد في ملخصات وضعها للتقرير الدولي «انه إلى حد كبير سيحدد مصير أسواق العمل مستقبل اقتصاد منطقة «الشرق الأوسط وشمال افريقيا». فالتحديات الواجب التغلب عليها هائلة، كما أنها شديدة التعقيد. غير أن كلفة عدم اتخاذ الاجراءات اللازمة ومنافع اضفاء الديناميكية على أسواق العمل تبرز أهمية العمل بسرعة وبحسم على اتخاذ الاجراءات اللازمة».
اجتماع دبي الذي يجمع ما بين وزراء المالية والتنمية من 184 بلدا، لتبحث أوضاع الاقتصاد العالمي وتتناول التحديات التي تواجه بلدان العالم النامية، بحث أيضا حجم مجموع القوى العاملة في منطقة الشرق الأوسط التي بلغت 104 ملايين عامل في العام 2000 والمتوقع ارتفاعها إلى 146 مليون عامل في العام 2010 والى 185 مليون عامل بحلول العام 2020، ما يعني ضرورة خلق 100 مليون فرصة عمل جديدة في العقدين المقبلين من السنوات من أجل العاطلين عن العمل حاليا، ومن أجل الباحثين عن العمل للمرة الاولى مستقبلا. ويفوق هذا العدد كثيرا عدد فرص العمل التي جرى خلقها في السنوات الخمسين الماضية في هذه المنطقة. فنصف الشباب في سن العمل في هذه المنطقة عاطلون عن العمل؛ تتراوح نسبتهم ما بين 37 في المئة في المملكة المغربية و73 في المئة في سورية. ومعظم الشباب العاطلين عن العمل يحملون شهادات تعليم متوسطة أو متقدمة ويبحثون عن عمل مستقر لدى الحكومة لما لذلك من مزايا ومنافع. غير أن معدلات بطالة غير المتعلمين ممن ليسوا مؤهلين للعمل لدى القطاع العام منخفضة. مع تزايد معدلات مشاركة النساء في قوة العمل فإنهن يواجهن محدودية الفرص والقيود المفروضة على دورهن في المجالات العامة. علما بأن معدلات بطالة النساء في هذه المنطقة أعلى من معدلات بطالة الرجال بنسبة 50 في المئة.
ومع أن مستويات الأجور الحقيقية تبدو متسمة بالمرونة بحيث تهبط في أوقات هبوط معدلات النمو، فان الدور الذي تلعبه الحكومات بصفتها موظفا يدخل عدم المرونة إلى هيكل الاجور وبالتالي يشوه حوافز أسواق العمل. كما ان ارتفاع عائد التحصيل التعليمي العالي في القطاع العام يشجع الحصول على شهادات عالية حتى حين لا تضيف هذه الشهادات شيئا على الانتاجية ولا تحظى بقيمة كبيرة لدى القطاع الخاص.
ويلفت التقرير الى مسألة هبوط معدل الزيادة السكانية في هذه المنطقة الى مستوى 2 في المئة، يتزايد سكانها بواقع 6 ملايين نسمة في كل سنة. غير انه من الممكن استنتاج أن عصر الزيادة السكانية الكبيرة قد انتهى وأن معدلات الزيادة السكانية ستواصل هبوطها. ويتطلب التحدي الماثل في خلق فرص العمل في منطقة الشرق الأوسط اعتماد نهج شامل بشأن الاصلاح. وذلك على رغم تباين اوليات الاصلاحات وتسلسلها فيما بين بلدان هذه المنطقة تبعا للأوضاع الأولية في كل منها، بما في ذلك ما تملكه من موارد والاصلاحات التي تم تنفيذها حتى الآن ونوعية المؤسسات المعنية.
ومن الواضح أن هناك حاجة لاجراء اصلاحات في سوق العمل على حد قول هذا التقرير. ففرص العمل في القطاع الخاص قليلة ومتباعدة، كما أن القطاع الحكومي لايزال يهيمن على أسواق العمل. وعلى رغم فعالية العمالة الحكومية في تخفيض أعداد الفقراء إلا أنها شبكة أمان تتسم بعدم الكفاءة لأن معظم المزايا والمنافع تذهب الى العاملين المثقفين الذي هم عادة من غير الفقراء. وبامكان الحكومات جعل فرص العمل في القطاع العام أقل جاذبية عن طريق تخفيض مزايا العمل في هذا القطاع مع تشجيع خلق فرص العمل في القطاع الخاص.
البنك الدولي يطالب البلدان النامية لتحقيق مستوى أفضل من التنمية المستدامة، وإعادة تحديد الدور الجديد الذي تسهم به الحكومة في الاقتصاد. فعلى الدولة أن تصبح شريكا في خلق وتحقيق استمرارية فرص العمل. كما أن الدور القوي الذي تسهم به الدولة في تحسين الخدمات الاجتماعية ولاسيما الرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي يعتبر ضروريا لخلق الاوضاع التي تمكن العاملين من تحقيق الازدهار وتمكن الاقتصاد من النمو بمعدلات مرتفعة. ويتطلب الأمر قدرات جديدة لدى الدولة من أجل الادارة الفعالة للبرامج الاجتماعية التي تستهدف التغلب على نواحي القصور في أسواق العمل وحماية العاملين أثناء التحولات الاقتصادية.
طالب المصرف أيضا بأن تقوم البلدان النامية بوضع مجموعة من برامج الاصلاح الشاملة، وهذا يتطلب عقدا اجتماعيا جديدا يمكن ان يلهم ويدفع عملية الاصلاح إلى الامام. وفي العقود الثلاثة الأولى من السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ركز العقد الاجتماعي «القديم» على إعادة التوزيع وتحقيق الانصاف على الحكومات أكثر منه على الأسواق ما ساعد في حفز النمو الاقتصادي مع حد عدم المساواة في الدخل، فهبطت معدلات الوفيات هبوطا كبيرا وازداد العمر المتوقع عند الولادة، كما ازدادت معدلات الالتحاق بالمدارس ومحو الأمية ازديادا كبيرا.
غير أنه مع مرور الزمن، اتسعت الفجوة بين الترتيبات المؤسسية والتوقعات من جهة وهبوط قدرات الحكومات على الوفاء بالتزاماتها في اعادة التوزيع من جهة أخرى. وبحلول مطلع ثمانينات القرن الماضي اتضح عدم قدرة العقد الاجتماعي في البلدان النامية على الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تحققت في عقود السنوات السابقة، وبحلول نهاية ثمانينات القرن العشرين ازدادت الضغوط الى أن تحولت الى أزمة اقتصادية كبيرة. ومما سبب الصعوبات الاقتصادية هو هبوط أسعار النفط وانكماش الطلب على العمالة الوافدة وانخفاض تدفقات التحولات وهبوط الانتاجية. واستجابة لذلك، شرعت الحكومات بتنفيذ اصلاحات ما ساعد في تخفيض مستويات المديونية وكبح تضخم التوقعات.
وبما أن الهم الأكبر لأميركا وحلفائها هو «إعادة إعمار» العراق، فقد خصصت جلسات طويلة من اجتماعات المصرفيين لمناقشة هذا الموضوع الذي شارك فيه وزير المالية العراقي، ودعا دول العالم للاستثمار في العراق. بحث الاجتماع أولويات إعادة بناء الاقتصاد العراقي.
وطلب المشاركة في اصلاح الطرق واعادة امدادات المياه والطاقة وسبل انشاء المؤسسات. وقدرة تلك لمؤسسات على تقديم الخدمات الاساسية للعراقيين. ومن المفيد السؤال عن الخدمات الاساسية إذ إن العراق فعلا لم يحقق أهداف التنمية التي أقرتها قمة الألفية لمنظمة الأمم المتحدة لتقليل نسبة الفقر.
وقال جوزيف سابا مدير المجموعة الخاصة بدول الشرق الأوسط في البنك الدولي، انه يجب اعتبار ان الخدمات الاساسية مثل التعليم والمياه النظيفة والصحة والتي تكون الدولة مسئولة عنها هي الخط الاساسي الذي يجب البدء منه. اقتصاد العراق كان قد وصل الى مرحلة متقدمة خلال نهاية السبعينات لدرجة أنه توقف عن تلقي مساعدات اقتصادية من البنك الدولي. ومن غير المتوقع أن يبدأ البنك في تنفيذ خططه فورا إذ لا يوجد هناك أي موظف تابع له في بغداد بعد أن سحبت الأمم المتحدة الموظفين التابعين لها من العراق بعد تفجير مقرها هناك ولقي أحد موظفي المصرف مصرعه وأصيب ثلاثة آخرون في الحادث، ومن غير المعروف حتى الآن متى سيعود الموظفون الى هناك مرة أخرى. وتقدر بعض المؤسسات الدولية المبالغ المطلوبة لقطاع الاتصالات والكهرباء بما يتراوح بين 10 إلى 15 مليار دولار فيما يحتاج قطاع الرعاية الصحية ما بين 10 إلى 20 مليار دولار ويحتاج التعليم ما بين 6 إلى 12 مليارا وقطاع النفط الى ما يتراوح بين 35 إلى 40 مليارا.
اجتماعات دبي لم تخرج عن حدود اطار التظاهرية السنوية التي تحمل اقتراحات وتمنيات ربما لن ترى النور على غرار سابقاتها، خصوصا كون المنطقة تمر بمرحلة حرجة على أكثر من صعيد. بحثت قضايا التجارة الخارجية والاستثمار الخاص، لتحريك عملية النمو وتطويرها، وكيفية التغلب على تحديات التنمية الرئيسية في العقد المقبل، تتلخص بالدرجة الأولى في خلق فرص عمل كافية لمواجهة التزايد السريع في اعداد القوى العاملة: إذ إن عدد الوافدين لأسواق العمل في الفترة الواقعة بين سنتي 2000 و2010، سيبلغ في تعداده الوسطي ما يقارب الـ 2,2 مليون فرد سنويا. أي ضعف عدد القادمين خلال العقدين الماضيين.
لذلك فإن الوسيلة الوحيدة الأكثر ضمانة وديمومة لمواجهة التحدي المفروض بحدة تشمل تسريع عملية اندماج جميع دول المنطقة في هياكل التجارة الخارجية الاقليمية والعالمية، كذلك جذب الاستثمارات الخارجية المباشرة بمساعدة شركائهم. بناء عليه فان التحول بات مطروحا على الجميع من دون استثناء. فالنظام القديم المرتكز على القطاع العام، والمستند الى عائدات الهيدروكربورات والدعم المادي الخارجي وتحويلات العمال المهاجرين لم تعد كافية لإحداث نمو أسرع، ولا خلق فرص عمل جديدة أكثر. فغالبية حكومات هذه المنطقة قد بدأت منذ فترة بعمليات تغيير. ويشير تقييم البنك الدولي في هذا الصدد الى الجهود المبذولة في هذا المجال، من قبل كل من الأردن وتونس اللذين انفتحا بقوة على التجارة الخارجية وهيآ أجواء استثمارية أكثر قبولا، ما سمح لها بتحقيق نتائج مشجعة. من جهتهما قام كل من المغرب ومصر باتخاذ اجراءات على قدر من الأهمية تتعلق باصلاح أوضاع تجارتهما الخارجية وتحسين شروط تدفق الاستثمارات.
وبالنسبة إلى اقتصادات البلدان، المعتمدة على ثرواتها الطبيعية من النفط والغاز، فإن الجزائر وايران قد لجأتا إلى اعادة فتح انظمتهما التجارية، وشجعتا الاستثمار الخاص ولو بنسب متفرقة، لا تفي حتى الساعة بالمطلوب منهما لدفع التحديات... الخ. في المقابل، نجد بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نفسها أمام انخفاض منتظم لعائداتها النفطية، مقارنة بدخل الفرد فيها، كذلك الأمر لناحية انسياب المساعدات الاستراتيجية والتحويلات. فالمنافسة المتنامية على الاسواق العالمية تشكل أساس هذا الضغط المتزايد. ولا يمكن لهذه التحولات الضاغطة بوجهيها السلبي والايجابي إلا أن تسحب نفسها على فرص العمل. من هنا يخشى ان يتحول رأس المال البشري الذي يواجه هذه التبدلات القاسية مع الوقت، إلى أزمة اجتماعية أكثر عمقا.
فمعدلات البطالة التي تضاعفت في السنوات العشرين الماضية، حاليا هي الأكثر ارتفاعا في العالم، لذلك ليس من المستغرب أن يدفع هذا التشاؤم لناحية القدرات التجارية للمنطقة، بالكثير من بلدانها الى التراجع عن البرامج الاصلاحية المقررة خوفا من الفشل ونتائجه على أوضاعها الاجتماعية ونظمها السياسية. فهذا التشاؤم موجود بل متجذر لدى البعض، على رغم الاستثناءات مثل تونس والاردن والامارات العربية المتحدة، يضاف الى ذلك التخوف من العجز عن التصدي للمنافسة في الاسواق الدولية. ولا يمكن اعتبار هذا التشخيص خصوصية في حد ذاتها لدى دول منطقة «مينا». فالتشاؤم بالمطلق كما هو حاصل لدى البعض يبقى في بعض الحالات من دون أساس كما يلاحظ خبراء البنك الدولي.
وفي التوجه التقييمي هذا، يعتبر هؤلاء انه باستطاعة دول هذه المنطقة جذب استثمارات أكبر، وذلك بتشجيع الاستثمار الداخلي وتوجيهه بشكل أفضل، نظرا الى قربه من احتياجات السوق وتفهمه لطبيعة الفرص المتاحة وتكوين المجتمع. وتفيد الدراسات التي اعدتها هذه المؤسسة العالمية بأن حجم الاستثمار الخارجي المباشر الذي يمكن لبلدان هذه المنطقة الحصول عليه إذا ما اعتمدت السياسات والادوات الملائمة وتأمين المناخات المطلوبة من قوانين استثمارية حديثة، وشفافية، وتحسين شروط مالية، يمكن أن يتضاعف بمعدل خمس إلى ست مرات المقارنة بوضعه الحالي، بحيث يجاوز 3 في المئة من معدل ناتج الدخل القومي أي بزيادة عن المعدل الوسطي بمقدار 0,5 في المئة. بدوره، فإن قطاع الخدمات مرشح للنمو من خلال «انسحاب» معلن للقطاعين العام والخاص، كذلك الزراعة، التي هي من دون المستويات الانتاجية، لذلك فانه من الضروري الاستمرار في المبادرات الهادفة الى تقييم الثروات الانسانية وتعميم ظاهرة تحسين الادعاءات على مستوى الادارة، وإحداث توازن عادل، لا يفرق بين المرأة والرجل في سوق العمل بهدف اعادة تصويب النشاطات القائمة على المعرفة.
في الاصلاحات يركز البنك الدولي هنا على الاصلاحات التي قامت بها الدول التي لا تملك ثروات طبيعية مثل مصر، تونس، لبنان، المغرب والاردن، وإذا كانت هنالك فوارق ملحوظة على مستوى التطبيق فإن بلدان هذه المجموعة، تعتبر متقدمة لناحية توجهاتها الاصلاحية بشكل عام. فالتحدي المطروح بحسب رأي مسئولي المصرف، يتمثل حاليا في اعتماد سلسلة جديدة من اجراءات تحرير التجارة تكون أكثر حسما وأكثر صدقية، ولا بد أن تأتي سياسات أسعار الصرف المعتمدة مساندة لتسريع عملية اصلاح التجارة. ففي الماضي، اعتبر الخبراء - على سبيل المثال - أن الزيادة المفتعلة والمستمرة في معدلات سعر الصرف في المغرب ساهمت بشكر مؤثر سلبا في ضعف أداء الصادرات خلال التسعينات.
نداء رئيس مجلس محافظي صندوق النقد والبنك الدوليين كامبار فلجير الموجه إلى الدول الغنية بزيادة مساعداتها إلى الدول النامية التي طالبها في الوقت نفسه بمضاعفة جهودها في التنمية، لم يجد آذانا صاغية، فلجير في مؤتمر صحافي في ختام أعمال اجتماعات مجلس المحافظين الذي عقد بمركز المؤتمرات الدولية بدبي أعرب عن تفاؤله بأن الاقتصاد العالمي سيتعافى على رغم انه لايزال هشا، وقال: «إننا في هذه الاجتماعات اعربنا عن حرصنا البالغ لاحراز تقدم جديد في الألفية الجديدة».
وحاول رئيس البنك الدولي جيمس وولفنسون تخفيف اخفاق دبي باعتباره متوازنا في مناقشة كل القضايا المتعلقة بعمل المؤسستين الدوليتين، وقال: «لقد تمت مناقشة جميع الموضوعات الاقتصادية المحورية ومؤشرات التحسن في الاقتصاد العالمي» و«كانت هناك مناقشات بالغة الأهمية عن الاعفاء من الديون وتقديم الدعم والمساندة للدول الفقيرة وناقشنا ما أسفرت عنه جولة المفاوضات في كانكون».
فيما قال مدير عام صندوق النقد الدولي هورست كولر: «إنني اغادر دبي باحساس عميق بأن الاقتصاد العالمي يسير في مسار جيد نحو التعافي»، وأكد ان هناك حاجة للمزيد من التمويل والتنمية، وبالاعتماد المتبادل بين الدول حتى يتحقق التقدم والرخاء والعمل على تحقيق توازن افضل للقضايا الاقتصادية كافة.
ومن ناحية أخرى رفض رئيس البنك الدولي اقرار مساعدات مالية للعراق، مشيرا الى انه سيجتمع مع مسئولين عراقيين لتقييم احتياجات العراق لفترات طويلة، ونفى وجود أرقام صادرة من المصرف عن احتياجات العراق، مشيرا الى أن بعض التقديرات التي تتحدث عن 70 مليار دولار ليست صادرة عن البنك الدولي، وأشار الى ان هذه التقديرات كبيرة بما تشتمل الأمن وقضايا البنى التحتية واعادة الاعمار، فيما اعتبر رئيس صندوق النقد الدولي ان نظرته المستقبلية بشأن العراق ايجابية.
وطالب زعماء العالم بحل خلافاتهم بشأن العراق حتى تستطيع الاسرة الدولية التجمع والعمل المشترك في العراق، ورفض هورست تأكيد حجم مديونية العراق الذي قدرته بعض المصادر بنحو 300 مليار دولار إلا انه أكد ان دين العراق ثقيل ويجب العمل المشترك على تخفيفه.
وعن الاوضاع في فلسطين قال جيمس وولفنسون إننا عملنا في فلسطين لعشر سنوات وقام المصرف بالتبرع بعشرة مليارات دولار خلال السنوات العشر الماضية. ونقوم بالمساعدة في البناء واعادة تأهيل البنية الاساسية، وان ما نحاول القيام به هو معالجة محنة الشعب الفلسطيني ومساعدة الفلاحين للتغلب على المشكلات المختلفة التي يعانون منها وإننا الأكثر نشاطا ولا نستطيع ان نخوض في الاعتبارات السياسية ونحن في الميدان ونفعل ما في وسعنا.
وبالنسبة إلى وضع الاسواق العالمية في هذه المرحلة توقع هورست أن تتنامى الحركة في الأسواق مرة أخرى، وأكد انه لابد أن يتعزز النمو المحلي والعالمي حتى يستعيد الاقتصاد الدولي عافيته ونشاطه السابق. العالم يحتاج الى العمل المشترك وتكاتف جميع الدول والاقتصادات وخصوصا ان استعادة الاقتصاد العالمي لعافيته تصب في مصلحة الجميع، ومن جانبه قال مدير عام صندوق النقد الدولي: اشعر بروح مختلفة بين جميع البلدان وان هناك موقفا موحدا للاستمرار في جهود محاربة الفقر وتقليص مشكلات الديون للدول الأكثر فقرا، مشيرا الى اننا تعلمنا الدرس من الازمة الآسيوية ويجب تعزيز الشعور بالملكية لأهميته للجميع.
حقيقة الأمر أن استنزاف المصرفين لموارد البلدان الفقيرة قصة لا نهاية لها، وتتمثل في اتساع حجم مديونية هذه البلدان، التي لم تستطع حتى الآن من دفع الديون التي عليها من خدمة الديون، فكيف تستطيع دفع ديونها الاصلية. المشكلة الاخرى هي ان المصرفين مؤسستان من مؤسسات الأمم المتحدة ووكالاتها، لكنها في الوقت نفسه تفرض على الدول الاعضاء الفقيرة، شروطا صعبة لتسديد ديونها، بالاضافة إلى ارتفاع نسبة الفائدة. المشكلة الأخرى هي تسييس الدول الكبرى لسياسة الاقراض وفقا لما يناسب مصالحها.
وبسبب سيطرة أميركا على المصرف لم تسهل عملية الاقراض للدول التي لا تتمسك بالخط السياسي الاميركي. مناهضو العولمة في العالم يعتبرون المصرفين الوجه القبيح للعولمة، وهما المسئولان عن افقار البلدان النامية وفي طور النمو. الحل الوحيد يكمن في إعادة هيكل عمل المصرفين حتى يصبح أكثر عدالة وديمقراطية، وهذا يتطلب الارادة السياسية بمواجهة البلدان الصناعية الكبرى
العدد 398 - الأربعاء 08 أكتوبر 2003م الموافق 11 شعبان 1424هـ