العدد 398 - الأربعاء 08 أكتوبر 2003م الموافق 11 شعبان 1424هـ

فرصة للتفكير

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الغارة الإسرائيلية على موقع مدني بالقرب من العاصمة السورية وضعت المنطقة على درجة عالية من الغليان السياسي. فالقصد من الغارة كما قال الرئيس بشار الأسد جر سورية إلى الحرب. ويبدو أن الأجواء الدولية، وتحديدا الأميركية، ليست بعيدة عن هذا الجو. فالرئيس الأميركي لم تستفزه الغارة واتصل برئيس حكومة «إسرائيل» ارييل شارون مستنكرا العملية الفدائية في مقهى «مكسيم» في حيفا مؤكدا من جديد «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس» داعيا إلى عدم رفع درجة التوتر في المنطقة.

الكلام الأميركي الغامض يمكن أن يفهمه شارون على أنه إشارة خضراء تعطيه الحق في الرد في أي مكان وزمان وبأية وسيلة للتهرب من الاستحقاقات الدولية التي تقضي بانسحاب «إسرائيل» من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة. فشارون دائما يفهم بالخطأ وينفذ ما يريده ولا يكترث أبدا بالمعادلات الدولية وتوازنات القوى. فهذا الجنرال المتقاعد سبق له وكرر سياسة الهجوم إلى الأمام من دون اكتراث لمفاعيل الهجوم وتداعياته. فهو يهجم وبعد ذلك يفكر. هذا ما فعله في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 على جبهة قناة السويس وهذا ما كرره في لبنان ابان اجتياح 6 يونيو/ حزيران ,,1982. وكذلك كرر الفعلة نفسها حين قرر دخول المسجد الأقصى في 29 سبتمبر/ أيلول 2000 وفجرت خطوته «انتفاضة الأقصى» التي لم تتوقف حتى الآن.

شارون جنرال من دون تفكير. فالتفكير عنده مسألة مؤجلة أو على الأقل لاحقة للعمل العسكري أو للخطوات الاستفزازية التي تشعل النار من دون انتباه للمخاطر التي قد تلحق بـ «إسرائيل» نفسها. وربما ولهذا السبب هناك ما يشبه الإعجاب بشخصية هذا الجنرال المجنون في دائرة «البنتاغون». فكتلة الشر الحاكمة تفكر (أو لا تفكر) على السوية نفسها وترى أن إشعال «الحروب الدائمة» هو أفضل طريقة لانقاذ الولايات المتحدة من الحروب الداخلية... وهي في هذا المعنى ترى أن أفضل وسيلة للقضاء على المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي هي توسيع دائرة الحرب ونقل الهجوم من بلاد الرافدين إلى الدول المجاورة.

كتلة الشر في «البنتاغون» والجنرال المجنون في تل أبيب ينظران إلى العالم العربي من الدائرة نفسها، ويعتقدان أن هناك صلة بين الحرب على العراق والحرب التي يمكن أن يفتعلها شارون على سورية ولبنان. ويريان أيضا أن الحرب على العراق ناقصة وشروط نجاحها لا تكتمل إلا بشن تلك «الحرب المؤجلة» أو التي توقفت قبل 30 سنة بعد توازن القوة الذي أنتجته معركة أكتوبر.

كلام الرئيس السوري من أن هدف شارون جر المنطقة إلى حرب هو القول الصحيح. فـ «إسرائيل» تريد استغلال تطور المواجهة السياسية الأميركية - العربية والاستفادة منها بتطوير ترسانتها العسكرية وهجومها على الدول المجاورة تحقيقا لمشروع يرى شارون أن فرصته التاريخية اقتربت وظروفه الدولية سانحة. وشارون يرى أيضا أن هناك كتلة شريرة تمارس نفوذها على قرارات البيت الأبيض ويمكن استخدام ضغوطها وتفهمها لحاجات «إسرائيل» والسماح بتمرير سلسلة ضربات ربما تسهم في استدراج المنطقة إلى خطة حرب حددت تل أبيب مكانها وزمانها.

تفكير الجنرال المجنون المدعوم أميركيا من كتلة شريرة هو في النهاية ناتج عن استراتيجية ايديولوجية تعتقد أن التاريخ يسير وفق رغبات منصوص عليها سلفا وأنه في هذا المعنى ينفذ وصايا ولا يتخذ قرارات وبالتالي فإن قلة تفكيره ناجمة عن قلة فهمه للواقع أحيانا وللنصوص أحيانا.

الواقع يشير إلى عكس تفكير شارون. فتوسيع دائرة الحرب لا ينقذ المشروع الصهيوني من مأزقه، بل يورطه في مزيد من المواجهات التي لا يحسب حسابها، كذلك لا يسعف الاحتلال الأميركي على تثبيت أقدامه؛ لأنه سيفتح أمام القوات المحتلة جبهة ممتدة جغرافيا يختلط فيها حابل الطوائف بنابل المذاهب، وستتجمع كلها في دائرة واحدة هي مقاومة مشتركة وموحدة للمشروع الأميركي.

هذا على مستوى القراءة المنظورة للواقع. أما على مستوى النصوص، فهناك نصوص مضادة تشير إلى عكس ما يقوله شارون ولا يعرفها جيدا تؤكد أن هذا النوع من الجنرالات سيقود «إسرائيل» إلى نوع آخر من الخراب. وهو التفكك التاريخي لدولة مصطنعة.

الغارة الإسرائيلية أرادت فتح باب الحرب للمزيد من الخراب. والحكمة السورية مالت نحو تقديم شكوى للأمم المتحدة حتى يُعطى «المجتمع الدولي» فرصة جديدة لتصحيح ما دمرته سياسة شارون وجنون الحرب على العراق. إنها فرصة. والفرص عادة لا تكون طويلة... فهي لحظة تفكير بين حربين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 398 - الأربعاء 08 أكتوبر 2003م الموافق 11 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً