العدد 398 - الأربعاء 08 أكتوبر 2003م الموافق 11 شعبان 1424هـ

خولة القزويني و«عندما يفكر الرجل»

الكاتب الجيد هو الذي يكتب في بساطة موجها رسالته لمجتمعه لا لنفسه، وهناك مجموعة كبيرة من الشخصيات التي احتلت المنزلة الكبيرة في نفوس قارئيها، ومن ضمن هؤلاء صوت نسائي جميل، وجريء، يناقش قضايا كثيرة في محاولة إصلاح بعض من مشكلات الحياة المختلفة من خلال توجيه دعوة صريحة ومؤثرة بشكل مباشر، وكثير ما تردد هذا الصوت في السنوات الأخيرة، وكاتبتنا هي خولة القزويني ومن أعمالها: (مقالات)، (يوميات مغتربة)، (جراحات في الزمن الرديء) (البيت الدافئ)، (رسائل من حياتنا)، (حديث الوسادة)، (حكايات نساء في العيادة النفسية)، (هيفاء تعترف لكم) وغيرها.

واستوقفتني روايتها (عندما يفكر الرجل)، إذ بدأت الرواية بمقدمة تجعلك تتساءل، وتترسم علامات التعجب وتوقظ فيك شعورا نائما، وتأخذك في رحلة تنتقل فيها من عالمك إلى عالم آخر أكثر واقعية، كما تصر على معرفة المزيد كلما قرأت. وإليكم مقطع من المقدمة التي حوت على معاني كثيرة على رغم كلماتها القليلة:

«يقولون رجل... لا يعرفون سر الرجولة التي تتفجر في ومضة فكر تحرق أعواد الظلم المتناثر في الشرق والغرب» والأروع من ذلك عند ما كتبت: «لن يجتمع في قلب الرجل حبان، فإما (الأنا) وأما (الآخرون) وأقزام الأنا كثير في هذه الحياة، سيان وجودهم وعدمه، فهم رماد على الأرض لا نميزهم عن التراب...».

وتدور حوادث الرواية حول شاب يدعى محمد في العقد الثاني من عمره، طالب في العلوم السياسية بالجامعة، يجمع في نفسه إحساسا بالتحدي ضد هذه الألوان المتموجة التي يظهر بها الآخرون، ويود لو يملك القوة الهائلة لتغيير هذا العالم، فكل محاولاته تبلغ في تصاعدها إلى الحد الذي يخسر فيه بعضا مما يملك ومما يحس، يعيش في بيت متواضع مع والدته وأخت واحدة فقد توفي والده حينما كان صبيا صغيرا في الرابعة من عمره، ومن أصدقائه المقربين صديق طفولته محسن، وعلي... إلخ وأثناء قراءتك للرواية تجد أن الحوادث تتصاعد الحوادث وخصوصا بعد زواج محمد من ابنة خالته (منال) التي تختلف معه في الأفكار والأهداف، ولو حللت ذلك الزواج، لوجدته تضحية وهذه ليس أول التضحيات بل تبعتها ما هي أكبر، كما لعمل محمد في صحيفة «المساء» عن طريق والد صديق طفولته (محسن) دور مهم في ذلك أيضا.

كتب محمد مقالات يتناول فيها قضايا سياسية مهمة وحساسة، ولكن قوبلت مقالاته بعدم نشرها، وحاول رئيس التحرير بالتعاون مع سكرتيرته تدمير حياته وأولها زوجته التي صدقت كل الأوقايل والدلائل الزائفة وخصوصا بعد المكيدة التي دبرت له أثناء انعقاد مؤتمر في موسكو فكانت مرافقة له لتغطية الحوادث، وخلال وجوده هناك تعرف على بعض المسلمين ومعاناتهم، وأثرت فيها بعض المواقف أثناء اختلاطها ببعض المسلمات، واكتشفت إنها امرأة من رماد، وأحست بيقظة الضمير، وما أن بدأ بالنهوض قتلت. وتجري حوادث كثيرة كحوادث حياتنا تماما، وتتصاعد فجوة الاختلاف بينه وبين زميله عادل، هذا الشاب الذي يمقت محمد وأصدقاءه وعلى إثر صرخة في وجه الظلم ينقل محمد إلى المستشفى، ومنها إلى السجن، ومن ثم ينفى إلى تركيا، بعيدا عن أمه التي ماتت حينما سمعت بذلك، بعيدا عن ابنه (حسن) الذي لم يره، وكل ذلك للقضاء على صفحة مشرقة حاولت إصلاح الفساد، ولكن لم يثنه سياط التعذيب والحال المزرية التي وصل إليها، بل مد له يدا ساعدته على النهوض، وبدأ حياته من جديد وخصوصا بعد هجرته إلى لندن. إذ أعطى أكثر ما أعطي في وطنه، وتستقر حياته ويتزوج من جديد، ولكن هناك عيون ترصده وترصد أصدقاءه، فهذه دعوة مني لقراءة الرواية لمعرفة الكثير مما نجهله في حياتنا.

فالكاتبة لم تحدد زمن الرواية ولكن حين قرأت استنتجت من خلال القراءة الزمن فهو الواقع الآن في حياة أمتنا، كما لم تحدد وطنا حدثت فيه الرواية قبل نفي محمد فلأنها حدثت وتحدث في كل الأوطان العربية، فالكاتبة لا تود أن تمس وطنا من دون آخر، فلأنها قضية تعم أمة بأكملها.

استخدمت القزويني أثناء تناولها كثيرا من القضايا أساليب عدة ومنها الشعر الذي كان مرآة لأصحاب المعاناة وللحوادث التي يواجهها محمد وأصدقاؤه.

واستخدمت أسلوبا ثانيا ألا وهو الفن ، ففي الغربة إذ سكن محمد مع مجموعة من الشباب، جمعتهم معاناة واحدة، فهيثم أديب، وعادل رسام كاريكاتير، ووائل فنان لديه الحس المرهف والصدقية.

والحياة ليست شوكا وليست زهرا، بل هي مزيج من الاثنين، ولا بد من لحظات جميلة يعيشها الإنسان في حياته وقد ذكرت جانبا رومانسيا متمثلا في إعجاب محمد بكوثر وإخبارها بحبه لها وأنه يريدها زوجة. وبرزت بعد الزواج (قال محمد لكوثر:

- أين تحبين أن نذهب؟

أجابت مطرقة:

- إلى اللانهاية... لا أريد لطريقنا نهاية.

- تفرس في وجهها على مهل.

- في عينيك بريق طاغ من الصفاء عضت على شفتيها بخجل، رفع وجهها إليه:

- دعيني أتأملك... لا تخجلي، فأنا زوجك.

رمقته بحنان:

- الطقس بارد... وجميل، إنه رائع يا محمد.

يغمض عينيه بقوله:

- ما أحلى شفتيك وأنت ترددين اسمي...)

الكاتبة لم تسير في رواياتها على وتيرة واحدة بل نوعت في كثير من الأساليب، حتى لا يمل القارئ من ذلك، واختارت شخوصا وأمكنة تتوافق مع حوادث الرواية وختمتها بعبارة رائعة ، تحمل في طياتها عدم اليأس: (إنهم قتلوا محمدا، لكن في الطريق ألف محمد).

أخيرا عند ما تقرأ أي عمل أدبي إلى خولة القزويني، تجد نفسك منجذبا لقراءته مجددا، إذ تدفعك كلماتها إلى النهوض، وإلى محاربة شهواتك، والترفع عنها، فهذه رسالة الكاتب الحقيقية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:38 م

      بحرانية

      بسم الله الرحمن الرحيم
      تحية اجلال لك
      خولة القزويني ،،
      كتاباتك تجعل جمهورك يتحشد أكثر بجانبك
      لديك اسلوب لا يمتلكه أي شخص
      اسلوب رائع ومتقن بمعنة الكلمة
      بالتوفيق اختي الكريمة

اقرأ ايضاً