العدد 398 - الأربعاء 08 أكتوبر 2003م الموافق 11 شعبان 1424هـ

العـــودة

ترجمة - مهدي عبدالله 

تحديث: 12 مايو 2017

قصة قصيرة للأديب الباكستاني سعادت مانتو

غادر القطار الخاص أمريتسار في الساعة الثانية ظهرا ووصل إلى موجالبورا في لاهور بعد ثماني ساعات. كثير من الناس قتلوا على الطريق وعدد أكبر جرحوا أما المفقودون فكانوا لا يحصون.

في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي استعاد سراج الدين وعيه. كان مستلقيا على الأرض العارية محاطا برجال ونساء وأطفال ينوحون. لم يكن ذلك يعني شيئا.

استلقى ساكنا محدقا في السماء المغبرة. يبدو أنه لم يلحظ الفوضى أو الضوضاء. بالنسبة إلى شخص غريب ربما بدا أشبه برجل مسـن يفكر تفكيرا عميقا على رغم أنه لم تكن هذه هي الحال. كان في صدمة، معلقا كما لو فوق حفرة لا قاعدة لها. ثم تحركت عيناه وفجأة اصطادت الشمس. الصدمة أرجعته إلى عالم الرجال والنساء الأحياء. تعاقبت الصور تصاعد إلى عقله. هجوم... نار... غروب... محطة... القطار... ليل... سكينة. وقف بعنف وبدأ في البحث بين الجمهور المحتشد في مخيم اللاجئيـن. قضى عدة ساعـات في البحث طوال الوقت صائحـا باسم ابنته سكينة... سكينة، لكنها ليست في أي مكان يمكن أن يعثر عليها.

سادت الفوضى الكاملة مع الناس الباحثين عن أبنائهم وبناتهم وأمهاتهم وزوجاتهم المفقودات. في النهاية استسلم سراج الدين. جلس بعيدا عن الجمهور وحاول أن يفكر بوضوح. أين أفترق عن سكينة وأمها؟ ثم لاحت إليه ومضة، جسد زوجته الميت، بطنها المبقور عن آخره. إنها صورة لم تذهب عن عقله.

أم سكينة كانت ميتة. لهذا الحد كان متأكدا. ماتت أمام عينيه، استطاع أن يسمع صوتها أتركني إذا وخذ البنت بعيدا.

كلاهما شرعا في الجري. وشاح سكينة أنزلق إلى الأرض وتوقف هو ليلتقطه فقالت: أتركه يا أبي. استطاع أن يشعر بانتفاخ في جيبه. طوله طول قماش. نعم تحقق من ذلك، هو وشاح سكينة لكن أين هي؟

التفاصيل الأخرى كانت مفقودة. هل أحضرها إلى محطة القطار؟ هل صعدت إلى الحافلة معه. حينما أوقف المتظاهرون القطار هل أخذوها معهم؟

جميع الأسئلة. ليس هناك من إجابات. تمنى أن يبكي لكن الدموع أبت أن تخرج.

يعلم أنه بحاجة إلى المساعدة

بعد بضعة أيام حظي باستراحة. كان هناك ثمانية منهم، شبان مسلحون ببنادق. لديهم شاحنة أيضا. قالوا إنهم أعادوا نساء وأطفال تركوا على الجهة الأخرى. أعطاهم وصفا لابنته. إنها بيضاء، جميلة جدا. لا. إنها لا تشبهني لكنها تشبه أمها. في السابعة عشرة من عمرها تقريبا، عيناها كبيرتان، شعرها أسود، وبها شامة على الخد الأيسر. اعثروا على ابنتي جزاكم الله خيرا.

قال الشبان لسراج الدين: إذا كانت ابنتك حية فسنعثر عليها. وقد حاولوا مخاطرين بحياتهم ذهبوا إلى أمريتسار واستعادوا الكثير من النساء والأطفال وأحضروهم إلى المخيم لكنهم لم يجدوا سكينة.

في رحلتهم التالية وجدوا فتاة على جانب الشارع. يبدو أنهم أخافوها فبدأت بالجري. أوقفوا الشاحنة وقفزوا منها وجروا خلفها. أخيرا أمسكوا بها في حقل. كانت جميلة جدا وبها شامة على خدها الأيسر. أحد الرجال قال لها: لا تخافي، هل اسمك سكينة؟ أصبح وجهها شاحبا لكن حينما أخبروها عن هويتهم اعترفت بأنها سكينة، ابنة سراج الدين.

كان الشبان رقيقين جدا معها. أطعموها وأعطوها الحليب لتشرب ووضعوها في شاحنتهم. أحدهم أعطاها سترته لتغطي نفسها. كان من الواضح انها من دون وشاح، حاولت بعصبية أن تغطي صدرها بذراعيها.

مرت أيام كثيرة وسراج الدين لا يسمع أية أخبار عن ابنته. كل وقته كان يقضيه في الجري بين مخيم وآخر باحثا عنها. في الليل كان يصلي ويدعو لنجاح الشبان الذين كانوا يبحثون عنها. كلماتهم كانت ترن في أذنيه: إذا كانت ابنتك حياة فسنعثر عليها.

ثم في أحد الأيام رآهم في المخيم، كانوا على وشك أن يقودوا سيارتهم.

صاح على أحدهم: بني، هل وجدتم سكينة، ابنتي؟

«سنجدها، سنجدها» ردوا جميعا عليه.

الرجل المسن دعا لهم بالتوفيق مرة أخرى. وهذا جعله في حال أفضل.

في ذلك المساء كان هناك نشاط مفاجئ في المخيم. رأى أربعة رجال يحملون فتاة وجدوها مغمى عليها بالقرب من خط السكة الحديد. كانوا ينقلونها إلى مستشفى المخيم فبدأ بمتابعتهم. وقف خارج المستشفى لبعض الوقت ثم دخـل. في إحدى الغرف وجـد نقالـة عليها شخص نائم. ثم أشعل المصباح. كانت امـرأة شابة بها شامة على خدها الأيسـر. صرخ سراج الدين: سكينة.

الطبيب الذي أشعل المصباح حدق في سراج الدين.

تمتم «أنا أبوها».

نظر الطبيب إلى الجسد المنهك وراح يجس نبضه. ثم قال للرجل المسن: افتح النافذة.

تحركت المرأة الشابة النائمة على النقالة قليلا. تلمست يداها طريقهما إلى الرباط الذي يحفظ سروالها معقودا حول خصرها. ببطء مؤلم قامت بفكه وسحبت السروال إلى أسفل.

«إنها حية. ابنتي حية» صاح سراج الدين بسعادة، بينما تصبب العرق البارد من الطبيب





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً