المنطقة تعيش حالا من الغليان السياسي. فالكل يهدد ويتهدد والسيناريو الأميركي (المدعوم اسرائيليا) يتجه نحو التصعيد بعد تعثر خطواته قليلا في العراق وأيضا في فلسطين. وحين يتعثر الكبير يتجه نحو تحميل الصغار مسئولية فشله تارة بالانتقام وطورا باستدراج الخصوم نحو مواجهة غير متوازنة في معادلاتها العسكرية.
أميركا كما يبدو تخطط لكسر الحلقة المفرغة التي وجدت نفسها فيها بعد حربها على العراق... وتريد من وراء كسر تلك الحلقة فتح المعادلة على آفاق أوسع حتى تنجح في احتواء وضعها المتأزم داخليا بعد أن أظهرت الاستطلاعات تراجع تأييد الناخب الأميركي لادارة فاشلة على كل المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
الغارة الاسرائيلية على موقع مدني سوري قد تكون سحابة صيف ومحاولة لاعادة قنوات التفاوض الذي توقف في منتصف الطريق بعد فشل «الخريطة» واستمرار ابتزاز حكومة ارييل شارون لتداعيات الحرب العربية - الأميركية. والغارة التي لا يمكن أن تقع أيضا من دون تفكير في نتائجها ربما يكون الهدف منها استدراج القوى العربية (وتحديدا سورية ولبنان) إلى مواجهة ساخنة قد تبدأ محدودة ولكن احتمالات اتساع نطاقها واردة في حال أخطأ أي فريق في تقديراته.
الغارة الاسرائيلية هي احدى تعبيرات المأزق السياسي الذي وصلت اليه حكومة شارون ولكنها أيضا قد تعني بداية هجوم معاكس يريد كسر حلقة الحصار من باب جر المنطقة الى معركة ليست بعيدة جدا عن مناخات المواجهة الأميركية على العراق والضغوط السياسية المباشرة على ايران من زاوية مراقبة برنامجها النووي.
شارون في ازمة، وكذلك المنطقة. وبسبب تعادل كفة الأزمة تريد تل ابيب الاستفادة من الوجود الأميركي في المنطقة والعراق بسرعة والى حده الأقصى... والحد الأقصى اسرائيليا يعني تكسير قوى المنطقة العربية بالجيوش الأميركية المتفوقة على مجموع القوات العسكرية في «الشرق الأوسط». فشارون في هذا المعنى يتطلع نحو تصعيد المواجهة بين العرب وإيران من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى حتى يتفرد بقراراته ويصبح القوة الاقليمية الوحيدة التي تستطيع أن تفرض شروطها على مجموع الدول العربية من دون مقاومة أو ممانعة.
هذا هو السيناريو المجنون الذي تخطط له كتلة الشر في «البنتاغون» بالتعاون والتنسيق مع شارون واللوبيات (المافيات) الأميركية المؤيدة له. إلا أن وقائع السيناريو ليست بالضرورة صحيحة أو على الأقل ليس من السهل تطبيقها وتوسيع دائرتها من دون دفع ثمنها وتحمل نتائجها الميدانية والسياسية في طول المنطقة العربية وعرضها. فمنطق التفجير لا يعني أن تناقضات المنطقة ستنفك سلميا وتذهب القوى المنتصرة عسكريا الى ترتيب شئون الدول كما تريد أو كما خططت. فالخطط على الورق لا تنطبق على الأرض وخصوصا حين تكون طبيعة جغرافيا السياسة شديدة التعقيد والتداخل. فـ «الشرق الأوسط» ليس قوة عسكرية وإنما هو أساسا يتمتع بقوة حضارية من الصعب كسرها بسهولة أو استيعابها بالأسلوب الذي تظن كتلة الشر بالتحالف مع شارون أنها قادرة على تنفيذه من دون ممانعة أو مقاومة.
الولايات المتحدة تستطيع الفوز عسكريا على مجموع دول «الشرق الأوسط». ولكنها لا تستطيع الانتصار سياسيا عليه. فهو من المناطق السهلة الممتنعة. وامتناعه يقوم على مجموعة عناصر لا يمكن ملاحظة ارقامها على أجهزة الكمبيوتر ومن الصعب ملامسة مواقعها على الأرض.
والسؤال هل تعلمت واشنطن من دروسها السابقة أم أنها تريد استكمال المغامرة بالتهديد والوعيد وتأييد «اسرائيل» التي تخالف القرارات الدولية وتحتل أراضي الغير باتفاق دول مجلس الأمن والأمم المتحدة؟
الجواب يمكن قراءة بعض عناوينه. والعناوين حتى الآن تظهر أن كتلة الشر تميل نحو دفع المنطقة إلى المزيد من المغامرات العسكرية وتوسيع دائرة المواجهة وتوريط مختلف القوى في مجابهة تظن أنها حسبت حساباتها... وستكشف الأيام ان هناك الكثير من الأرقام لم تظهر على شاشات الكمبيوتر حين يحين الحساب.
المنطقة فعلا تعيش حالات من الغليان والغارة على موقع مدني بالقرب من دمشق والقصف المتواصل على قرى الجنوب اللبناني هو البداية كما قال شارون وأيده بوش في كلامه. إلا أن الرد على الغليان ليس دائما وبالضرورة رفع درجة النار بل خفضها... وهذا ما تحاول سورية والدول العربية فعله من خلال الشكوى المرفوعة الى مجلس الأمن. والآن ننتظر الجواب
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 397 - الثلثاء 07 أكتوبر 2003م الموافق 10 شعبان 1424هـ