العدد 396 - الإثنين 06 أكتوبر 2003م الموافق 09 شعبان 1424هـ

تصعيد أم مقايضة؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كان من المتوقع أن يصدر يوم أمس (6 اكتوبر/تشرين الأول) قرار مجلس الأمن بشأن العدوان الأميركي على العراق. إلا أن القرار الدولي تأخر بعض الشيء بسبب انشغال أعضاء المجلس بمناقشة الشكوى السورية بشأن الاعتداء الاسرائيلي على سورية.

توقيت الاعتداء الاسرائيلي على موقع مدني بالقرب من دمشق مسألة يجب التوقف عندها لقراءة أبعادها. فهل هو مصادفة لتعكير المزاج الدولي الذي يبدو أنه ليس لمصلحة السياسة الأميركية؟ وهل التوقيت له صلة بالموقف الأميركي الذي تظهر عزلته الدولية يوما بعد يوم أم هو مجرد قرار مستقل اتخذته حكومة ارييل شارون للتذكير بقدرتها على تخريب أي موقف دولي لا ينسجم مع مصالحها أو استراتيجيتها التصعيدية في منطقة اتفق على تسميتها بـ «الشرق الأوسط»؟

قراءة سريعة لردود الفعل الدولية والعربية تكشف ازدياد اتساع الفجوة بين السياسات الاسرائيلية (المدعومة أميركيا) والسياسات الأميركية (المدعومة اسرائيليا) وبين مختلف القوى في العالم، الصغيرة منها والكبيرة. حتى دولة مثل بريطانيا أصدرت تصريحات ملتبسة جانب منها يؤيد حق «اسرائيل» في الدفاع عن النفس وجانب آخر يشير الى ضرورة انضباط الدولة العبرية بالقوانين الدولية. فحتى حكومة طوني بلير لم تعد قادرة على تحمل السلوك الاسرائيلي في خرق الأعراف الدولية وتجاوز الحدود المسموح بها في سياسات الدفاع عن النفس أو ضبط النفس حين تقضي الحاجة.

إلا أن الكلام البريطاني عن القانون الدولي وضرورة انضباط «اسرائيل» تحت سقفه لم يعد يحرج كثيرا حكومة شارون. فالأخير تصرف ضد سورية وفق خيارات ورغبات يدرك سلفا نتائجها الدولية وردود فعلها على المستويين الاقليمي والعالمي. فشارون قبل أن يتخذ قراره تصرف في ضوء النهج الذي اتبعته الولايات المتحدة (المدعومة بريطانيا) في حربها الخاصة على العراق. فشارون يعرف أنه يخالف القانون الدولي ولكنه يدرك في الآن ذاته أن سياسته العدوانية منسجمة تماما مع الخطوات المخالفة للقانون الدولي، والتي سبق واعتمدتها واشنطن في قرار الحرب على العراق متحالفة في هذا الأمر مع دولة واحدة ووحيدة هي بريطانيا.

الموقف البريطاني (في طبعته الحالية) فَقَدَ صدقيته ولم يعد له التأثير النفسي (القانوني) الذي كانت تتمتع به بريطانيا كدولة معروفة باحترامها المعقول للشرعية الدولية والتزامها بالروح السياسية للقوانين المتفق عليها بين الأمم المتحدة.

أميركا أيضا... فهي أسوأ بأضعاف المرات من حليفها البريطاني من جهة احترامها للشرعية الأممية والقوانين الدولية. فهي دولة تعتبر بالمعايير الانسانية خارجة على القانون ويكفي أنها استخدمت حق النقض (الفيتو) 26 مرة ضد قرارات انسانية لها صلة بالقضايا السياسية المتعلقة بما يسمى بأزمة «الشرق الأوسط».

أميركا الأسوأ، وأسوأ منها «اسرائيل». وحينا يلتقي السيئ مع الأسوأ في خط استراتيجي واحد (أو مشترك) يمكن أن نفهم لماذا أقدمت حكومة شارون على شن غارة داخل الأراضي السورية في وقت كان مجلس الأمن يريد اصدار قرار بشأن الاحتلال الأميركي للعراق.

المسألة في هذا المعنى مرتبطة. فأميركا تريد التصعيد كما يبدو وليس التزام الهدوء وضبط الانفعالات الاقليمية والدولية في حدها الأدنى.

الغارة الاسرائيلية ليست مهمة عسكريا فهي لا تشير الى أية اضافة نوعية على التوازن الاستراتيجي وامكانات سورية على الردع (الرد المباشر). إلا أنها اشارة سياسية تريد تغيير قواعد اللعبة الدبلوماسية وتحويل «بوصلة» المواجهات الساخنة من ناحية الجنوب (الضفة وغزة) الى ناحية الشمال (سورية ولبنان).

وخطورة الاشارة أنها قد تتحول الى سابقة عسكرية يمكن أن تكررها حكومة شارون بعد حصول أية مواجهة أو عملية فدائية في فلسطين المحتلة.

المسألة اذا تتجاوز الجانب العسكري لتطاول الزوايا السياسية التي يريد شارون فتحها مستفيدا من الاحتلال الأميركي للعراق ووجود أكثر من ربع مليون جندي في الدائرة الجغرافية - السياسية المحيطة بسورية.

إلا أن القرار يبقى في يد واشنطن فهل تفكر ادارة البيت الأبيض في توسيع الدائرة لتشمل المواجهات كل الدول الواقعة في محيط العراق وبالضد من كل دول العالم الكبيرة منها والصغيرة... أم أن ادارة جورج بوش (الفاشلة على مختلف الأصعدة) تريد مقايضة الدول الكبرى في مجلس الأمن: العراق مقابل ضبط انفعالات شارون وطموحاته في تفجير الاستقرار في «الشرق الأوسط»؟

إنه مجرد سؤال طويل. والاجابة عنه ليست بعيدة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 396 - الإثنين 06 أكتوبر 2003م الموافق 09 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً