أكد عضو لجنة التحقيق في أوضاع فشتي الجارم والعظم السيد عبدالله العالي، أن الحكومة حاولت، في ردها على توصيات لجنة التحقيق، نفي تهمة بيع الفشتين بعدم توافر الدليل عليه، وذلك من دون السعي لإيجاد وسائل تمنع التعدي على الفشوت بالبيع أو التدمير أو بالاستغلال خلاف القانون، معتبرا أن عدم تمكن اللجنة من العثور على دليل يؤكد البيع لا يعني البطلان المطلق.
وقال العالي: «الحكومة في ردها على توصيات لجنة التحقيق البرلمانية بشأن وضع فشتي العظم والجارم لم تشعر بما شعر به المواطنون من ألم وحسرة واستغاثة عندما علموا بوجود صفقات سرية لبيع فشت الجارم، ولم تدرك الحكومة المرارة وثورة الغضب التي انتابت المواطنين حينما رأوا آثار التخريب والتدمير المتعمد الذي تعرض له فشت الجارم، وآثار الدمار التي لحقت بفشت العظم من شفط الرمال وسرقتها والدفن الجائر». وأشار العالي إلى أن اعتبار لجنة التحقيق ملكية الدولة للفشت جاء لعدم عثورها على الدليل، غير أنه اعتبر أن التعامل والتعاطي مع توصيات اللجنة جاء غير مقنع ما أزعج جميع النواب وأثار تذمرهم، لافتا إلى أنه في حين أن اللجنة طلبت التأكيد على أن الفشوت عامة ثروة طبيعية ملكا للدولة تقوم على حفظها وفقا للمادة 1 من الدستور، إلا أن رد الحكومة جاء فضفاضا مساويا الفشتين بأية أراض قاحلة أخرى، وتنطبق عليها أحكام المرسوم رقم 19 للعام 2002 بشأن التصرف في الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة، من دون تحديد نوعية هذه الأرض وطبيعتها وأهميتها.
وأوضح العالي أن هذا القانون لا يُجوّز لأي شخص أن يضع اليد بأية صفة كانت بغير سند من القانون على الأراضي الخاضعة له، مشيرا إلى أن الواقع شهد بغير ذلك تماما في فشت الجارم، إذ قال: «لقد تم استغلال الفشت من قبل جهات خاصة، وأقيمت على ترابه بعض المنشآت والمرافق من غير المعروف ما إذا كانت مسجلة أو غير مسجلة، فقد ادعت وزارة شئون البلديات والزراعة بأنها تابعة لشركة الجنوب السياحية ثم نقضت هذا القول في رد وزير البلديات على السؤال الذي وجهته له بقوله إن وزارته ليست مسئولة عن المنشآت الموجودة في الفشت، وأن هذه الموجودات بنيت في فترة سابقة من قبل شركة خاصة من غير معرفة الوزارة».
وتساءل العالي: «هل بناء وإقامة المنشآت في الفشت قد تم بسند قانوني؟ وهل المرسوم بقانون المشار إليه في رد الحكومة منع التصرف في فشت الجارم؟ وهل ينسجم تطبيق هذا المرسوم مع مرسوم رقم (3) للعام 1997 بالانضمام إلى اتفاقية الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية، وخصوصا المادة التي تلزم كل طرف من الأطراف المتعاقدة على حفظ الأراضي الرطبة والطيور المائية عبر إقامة معازل طبيعية في الأراضي الرطبة سواء كانت مدرجة في القائمة أو لا، وتوفير الدراسة لها؟ وهل تمت حراسة ما على الفشت من ثروات بحرية أو مرافق خاصة تم إنشاؤها عليه؟».
وأكد العالي أنه على الرغم من إدعاء الحكومة وتأكيدها على أن هذين الفشتين من المناطق المهمة للثروة السمكية إلا أنها تعمدت وعن قصد عدم الإشارة للوظائف الايكولوجية الرئيسية التي يحققها هذان الفشتان في مجال ضبط النظم المائية وتياراته، وبوصفها موائل تهيئ أسباب الحياة لمجموعات متميزة من النبات والحيوان، ولا سيما الطيور المائية والأسماك النادرة والقشريات والروبيان.
وقال: «الحكومة أشارت إلى عدم ممانعة إقامة المشروعات المستقبلية في الفشتين والتي تهدف للصالح العام، وما نخشاه أن يكون الصالح العام هو الشماعة التي لم تحدد فيها الحكومة أهمية المشروعات ولمصلحة من، مثلما حدث مع مشروعات ديار المحرق ودرة البحرين، وفي الأراضي البحرية التي تسرق رمالها وتدفن لصالح المتنفذين».
وأشار العالي إلى ما وصفه بـ «تهرب الحكومة» في ردها على توصيات اللجنة وتعليقها على دور الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية بتطوير اللوائح والأنظمة المتعلقة بالصيد في مناطق البحرين التي يسمح بالصيد فيها ومنها الفشتان بغرض حماية الثروة البحرية في هذه المناطق.
أما فيما يتعلق برد الحكومة على توصية لجنة التحقيق المتعلقة بتصنيف هذه الفشوت طبقا للتصنيفات المطبقة عالميا، فعلق العالي: «الحكومة لا تبخل باستخدام فعل التسويف، بل تسرف فيه تكرما، لذلك ذهبت بأنه سيتم دراسة تصنيف هذه الفشوت وفقا للتصنيفات البيئية المطبقة عالميا، من دون بيان جدول محدد بزمن وبضوابط أداء، بل قيدتها بقيد ينسف ذلك، وأهواء بما لا يتعارض مع خطط تطوير وتنمية هذه المواقع، من دون أن تحدد طبيعة التطوير والتنمية وما إذا كانت استثمارية خاصة أم عامة».
وفي توصية اللجنة بإدراج الفشوت ضمن التقسيمات الإدارية للمحافظات، اعترضت الحكومة واعتبرت الفشوت من المناطق المغمورة ضمن الحدود الدولية لمملكة البحرين وتدرج ضمن المياه الإقليمية بصورة عامة ولا تدخل ضمن التقسيمات الإدارية للمحافظات، وأكد العالي أن الحكومة لم تبين المانع من ذلك، ولم توضح من سيراقب الفشوت وما ستئول إليه من دمار وخراب، لافتا إلى أنه وعلى الرغم من أن وزير البلديات السابق أعلن مسئوليته عن الفشوت، إلا أن الوزير الحالي ذكر في رده على سؤال نيابي بأن اختصاص وزارة البلديات بشأن فشتي العظم والجارم ينحصر في ناحية الملكية العامة لهذين الفشتين وغيرهما من الفشوت إلى جانب الحدود الجغرافية والمساحة الكلية للفشوت من دون مسئوليتها عن المشروعات الموجودة من ناحية التحديث والمحافظة؟
وتساءل العالي عن مسئولية الوزارة عن التخريب المتعمد الذي تعرض له فشت الجارم والممتلكات الخاصة والعامة فيه، بما في ذلك الأشجار التي تمت زراعتها ومواسير المياه التي ترويها والطيور التي كانت تقطن هذه المنطقة، مؤكدا أنه حين تم إبلاغ وزارة الداخلية بما تعرض له الفشت من تدمير وتخريب، فإن الوزارة لم تحرك ساكنا تجاه ذلك.
وفيما يتعلق بتوصية اللجنة بعدم السماح بإقامة مشروعات أيا كان نوعها على هذه الفشوت إلا بموافقة المجالس البلدية، قال العالي: «إن رد الحكومة جاء مناقضا لردها على التوصيات السابقة، فالحكومة ادعت بفعل التسويف بأنه سيتم إعداد مشروع لتصنيفها بالتعاون مع المجالس البلدية وبالتالي مشاركة المجالس المعنية على نوعية المشروعات إن وجدت والتي سيتم إقامتها على هذه الفشوت، بينما المعروف أن المجالس البلدية تتبع المحافظات الخمس، وهذا هو التناقض البين بين التوصيتين».
أما فيما يتعلق بتوصية اللجنة إلزام الجهات المختصة بالأخذ بالاعتبار الدراسات البيئية المتأخرة، لضمان عدم تأثير بناء «جسر المحبة» ومنطقة خدماته على واقع فشت العظم وزيادة الفتحات في الجسم الصخري من الجسر لضمان عدم تأثر التيارات المائية في هذه المنطقة، أشار العالي إلى أنه على الرغم من أن وزارة البلديات تتفق مع ما خلصت إليه اللجنة في هذا الشأن، إلا أن لجنتي التحقيق والمرافق العامة والبيئة لم تطلعا على رأي وزارة البلديات فيما يتعلق بالبيئة بشأن مشروع الجسر.
وأضاف: «الحكومة تجاهلت توصية اللجنة بزيادة الفتحات في الجسم الصخري، بل أن الدراسة البيئية التي اعتمدت عليها وزارة الأشغال تشير إلى أنه لا تأثير إطلاقا من الجسر على البيئة وادعت أن علامة التأثير صفر، لا في أثناء العمل ولا بعد الانتهاء منه، خلافا للدراسات البيئية والآراء التي أبداها البيئيون والصيادون بأن الجسر سيقضي على أكبر منطقة بيئية لتوفير الثروات البحرية، ويحتاج إلى إعادة نظر في موقعه». وبشأن توصية لجنة التحقيق بتفعيل صلاحيات الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية، ورصد الموازنات اللازمة لتنمية وتطوير وحماية هذه الفشوت من الناحيتين البيئية والبيولوجية، لفت العالي إلى أن رد الحكومة لم يتطرق إلى هذه التوصية إطلاقا، وإنما أشار إلى رد عام بأن الهيئة تحرص على حماية وتطوير كل المواقع البيئية وتنميتها للأجيال الحالية والمستقبلية وتعمل على وضع الخطط والبرامج بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الإقليمية والدولية المتخصصة.
وقال: «نطالب الحكومة بإطلاعنا على الخطط والبرامج التي تصب في هذا الغرض مع بيان برامج التنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والتي تناقض كل ما جاء في هذه التوصية، وأما القول فيما إذا دعت الحاجة مستقبلا لرصد موازنات تطوير هذه المواقع، فلن نخرج عن أفعال التسويف».
وفي التوصية المتعلقة بضرورة اطلاع المجلس على المخطط الهيكلي الاستراتيجي للتعرف على وضع الفشتين، أكد العالي أن الحكومة ادعت بعرض المشروع على المجالس البلدية وإرسال نسختين من المخطط الهيكلي الاستراتيجي بمملكة البحرين إلى مجلس النواب، إضافة إلى تقرير شارح للمخطط، بينما لم تتسلم اللجنة، وفقا للعالي، سوى وُريقات وصور قليلة لا تفي بالغرض عن هذا المخطط.
وفي توصية اللجنة لوزارة التربية والتعليم بضرورة إدخال مواد علمية عن طبيعة الفشوت والبيئة البحرية وأهميتها ضمن المناهج التعليمية للوزارة، أكد العالي أن وزارة البلديات ردت على التوصية بالإدعاء أن المناهج التعليمية تناولت طبيعة الفشوت، مشيرا إلى أنه من خلال متابعته للمناهج، فإنه ثبت عدم صحة ذلك.
وأضاف: «نأمل أن تزودنا وزارة البلديات ببنود اتفاقها مع وزارة التربية، حسب ما جاء في ردها على توصيات اللجنة، بأن يتم تناول موضوعات البيئة بصورة أكثر توسعا، وذلك حتى نتمكن في اللجنة من تفعيل هذه البنود».
العدد 2332 - الجمعة 23 يناير 2009م الموافق 26 محرم 1430هـ