العدد 395 - الأحد 05 أكتوبر 2003م الموافق 08 شعبان 1424هـ

الأميركيون عندما يكتبون عن بلادهم!

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

يكتب الاميركيون الكثير عن بلادهم، وهي بلاد تستحق ان يكتب عنها الكثير، بما تملكه من امكانات وقدرات، وبما لها من حجم ودور في الحياة الانسانية، ولاسيما في ميدان السياسة والاقتصاد بما لهما من تأثير على الحياة الانسانية حاضرا ومستقبلا.

وتدور كتابات الاميركيين عن بلادهم في فضائين مختلفين، اولهما فضاء مديح الحياة الاميركية، بما يعنيه من تصوير لقدرات وامكانات الولايات المتحدة ومستقبلها وتأثيرها في الحياة العالمية، والثاني فضاء ناقد للحياة الاميركية بما فيها من سلبيات وترديات، تكشف الوجه الآخر للولايات المتحدة سواء في بُناها الداخلية او في علاقاتها الخارجية، وتاثيرهما على موقع الولايات المتحدة في العالم.

وبطبيعة الحال، فان كتابة الاميركيين عن بلادهم في فضاء المديح او النقد، كتابة ذات اهمية لانها تصدر عن شخصيات عايشت الواقع الاميركي، ولعبت دورا فيه، وقيمت من موقع توجهاتها الفكرية والسياسية ما هو موجود ومعاش في الحياة الاميركية، فدافعت بقوة، او انتقدت بحزم، وراوحت في بعض الاحيان بين الحالين.

واذا كانت كتابات المدافعين عن الحياة والسياسة الاميركية كثيرة، فان الكتابات المقابلة كثيرة ايضا، وكما في الاولى، فان هناك أعلاما من الكتَّاب ورجال السياسة، انخرطوا في الكتابة الثانية، وبين هؤلاء ثلاثة، يستحق ما كتبوه التوقف عنده بصلته الوثيقة مع واقع اميركا وسياستها الحالية، التي تعكس مأزقا، تبدو بعض معالمه في نفوذ اللوبي الصهيوني في اميركا، وفي خلافات الولايات المتحدة مع بقية دول العالم بما فيها دول الغرب الاوروبي، وفي واقع التدخلات العسكرية، التي انخرطت فيها واشنطن في انحاء مختلفة من العالم، وآخرها حربها على العراق.

وعلى رغم ان كتابات الاميركيين الناقدة لنفوذ اللوبي الصهيوني في اميركا كثيرة، فان بين ابرز الذين كتبوا عن الموضوع ديفيد ديوك العضو السابق في الكونغرس الاميركي وصاحب كتاب «الصحوة: النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الاميركية»، وهو في سيرته الشخصية والسياسية، كان شخصا «عرقيا»، لكن دراسته اتخذت مسارا موضوعيا وعلميا بعيدا عن النزعة العرقية بعد ان خرج من جلده، وصار «اميركيا» على نحو ما تبين المرحلة التالية من حياته.

وديوك في مؤلفه «الصحوة» تناول واقع النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة، وما يتصل به من موضوعات، إذ خصص حيزا لتناول «المسألة اليهودية» استعرض في خلاله بعضا من اوضاع اليهود في روسيا القيصرية، والتي اسست لبلورة «المسألة اليهودية»، وقد كان بين تجلياتها «التعالي اليهودي» ليس بصفته سلوكا فحسب، بل بكونه قيما وتربية وعلاقات، تقوم على وضع اليهود خارج اطار النقد او المقارنة بالآخرين.

وتوقف ديوك في فصل من كتابه عند علاقة «العرق والمسيحية واليهودية» متأملا فيها من خلال النصوص الدينية، ليخلص الى تأكيد التمايز بين نص توراتي، يعزز اتجاهات العزلة، ونص انجيلي، يدعو الى التسامح والتعاون، ويصل الى خلاصة تقول «ان اليهودية مناهضة للمسيحية».

وطبقا لما يؤكده ديوك، فان نشاطا يهوديا مكثفا، انصب في حركة الحقوق المدنية في اميركا، وهو نشاط يتماثل مع نشاط اليهود ابان الثورة الروسية، وحسبما يرى ديوك، فان الامر في الحالين، جعل من اليهودية فوق الماركسية من جهة وفوق الحقوق المدنية من الجهة الاخرى.

واذا كانت الفصول الاولى من الكتاب، تشرح جوانب من اسس التفكير والممارسة لدى اليهود، فان الفصول التالية، رسمت وقائع النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة، وخصوصا في ميدان العمل الاعلامي والسياسي. ويورد ديوك في صفحات طويلة ملامح وحيثيات الوجود اليهودي في المؤسسات الاعلامية الاميركية، وبينها شبكات التلفزة الرئيسية والصحافة المكتوبة، ووجودهم هناك بصفته تعبير عن السيطرة، يترافق وسيطرتهم على عالم السينما ونشر الكتب، ما اعطى لليهود فرصة تشكيل الرأي العام والتأثير عليه، وكلاهما بين اسباب دفعت ديوك الى «معارضة سادة الاعلام الذين يسعون الى تدمير طريقة حياتنا وشكل حياتنا».

ويكشف في فصل آخر من الكتاب جوانب «النفوذ اليهودي في السياسة الاميركية» باستناده الى «رأسين» احدهما يعمل عبر وسائل الاعلام من خلال تحديد القضايا والموضوعات والمواقف، والثاني من خلال تمويل الانتخابات، وكلاهما يقود الى خلق النخبة، ويجعل اليهود «يسيطرون على الحكومة الاميركية» كما نقل عن الجنرال الاميركي جورج براون، وبديهي ان ذلك تعبير عن سيطرتهم على الاحزاب والمؤسسات التمثيلية بما فيها الكونغرس والادارة طبقا إلى كثير من الامثلة التي يسوقها الكتاب.

والواقع فان تنامي نفوذ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، مرهون بطبيعة وآليات النظام الاميركي، التي تناول بعضها الاستاذ في جامعة كامبريج الاميركية وليام ج. ليدر، وقد اهتم من موقعه بدراسة جوانب من الحياة والسياسة الاميركية، وكان من ثمار هذا الاهتمام قيامه بالمشاركة مع زميله اوجين بورديك بتأليف كتاب «الاميركي القبيح» والذي تبعه كتاب آخر هو «أمة من الغنم»، عالج فيه بتوسع أكبر الآليات والاسباب، التي تجعل الولايات المتحدة موضع كراهية.

وطبقا لما يراه ليدر في كتابه «أمة من الغنم»، فان المأزق الاميركي في الاهم من تعبيراته ناتج عن اخطاء السياسة، والتي تتم ممارستها بعيدا عن معرفة الشعب بالحقائق والمعلومات، كما ان بين أسباب المأزق الاميركي، اخطاء يراها ليدر قائمة في واقع الادارة وظروف عملها، يقدمها في اربع نقاط، اولها ان الحكومة تدار بمعلومات مغلوطة، وأنها تدار بالدعاية، وبطغيان ظاهرة الملفات السرية في عمل الحكومة، ثم في تأثيرات الصحافة الاميركية على الادارة، والامر في كل الحالات - كما يراه ليدر - يجعل من الحكومة اسيرة معلومات خاطئة، تأتيها من مصادر لاتراعي الدقة والموضوعية، وبعضها اسير الدعاية، التي تشغل حيزا واضحا في اهتمامات وممارسات مسئولين في الادارة، بل وكثير من المؤسسات والاجهزة الحكومية، وتزيد «سرية الملفات» الحكومية الامر سوءا، بان تغلق الباب امام حرية تداول المعلومات، او خروجها للجمهور الواقع تحت تأثير صحافة تنتمي كما يقول المؤلف الى «هؤلاء الذين يعملون على تضليل الرأي العام في الولايات المتحدة» عبر حملات تزوير واخطاء وتغطية على الحقائق «بدافع من الشعور الوطني».

ويكشف الموظف السابق في وزارة الخارجية وليم بلوم الأميركية، الذي تخلى عن مستقبله الدبلوماسي، واستقال احتجاجا على التدخل الاميركي في فيتنام، وتفرغ للعمل خبيرا وصحافيا وكاتبا «من أجل أميركا أقل عنفا واستغلالا وبطشا، وأكثر انسانية»، وهو سلوك جسده الى حد كبير في كتابه «الدولة المارقة»، كاشفا من خلال معلومات ومعطيات طبيعة الخراب الذي تعيش فيه بلاده وسياستها في العالم.

وعلى رغم ان بلوم، يعود الى البعيد في واقع الولايات المتحدة وسياساتها في العالم، فانه يتوقف في الجزء الاهم من كتابه عند السياسة الاميركية لما بعد الحرب العالمية الثانية، ليرصد تلك السياسة، التي قامت كما يقول على كثير من المكر والحيلة، والالتفاف المزمن على المعايير الأخلاقية والقوانين الدولية والأصول المرعية، عبر سياسة التجسس والتدخلات العسكرية.

ويرصد الكاتب في مؤلفه ما يناهز سبعين تدخلا اميركيا عسكريا سافرا، قامت بها واشنطن ضد دول كثيرة منذ العام 1945، وتمت اكثر هذه التدخلات، تحت غطاء إنقاذ «الشرف القومي الاميركي الموضوع على المحك»، لكنها واقعيا تمت في اطار الرغبة في التمدد وانتهاز الفرص، كما يؤكد المؤلف متوقفا عند النظام التجسسي الذي اعتمدته واشنطن بداية السبعينات، وجعلت ميدانه بلدان العالم، وهو عبارة عن شبكة من المحطات المكثفة والعالية التقنية المزروعة في انحاء الكرة الأرضية.

ووظيفة نظام التجسس الاميركي، تعدت الجوانب العسكرية والأمنية إلى الجوانب الصناعية الاقتصادية، وبفضل هذا النظام، تمت سرقة أحد مشروعات شركة «انركون» الألمانية وجرى تنفيذه في أميركا، في غفلة من الشركة الأم، وقبل أن يبصر النور في مصانعها، وبالطريقة ذاتها، جرى سحب البساط من تحت أرجل شركتي «تومسون» و«ايرباص» الفرنسيتين اللتين كانتا تستعدان لتوقيع عقود مجزية العام 1994، وبفضل التجسس، تم الدفع بشركتين اميركيتين منافستين على خط المفاوضات لتنالا الصفقة بدلا من الفرنسيتين.

ويروي المؤلف في اطار مايسميه «أكبر عملية احتيال استخباراتية في القرن العشرين»، حكاية شركة «كريبتو» السويسرية للتشفير، التي كانت تؤكد اثناء الحرب الباردة وقوفها على الحياد، ما دفع نحو 120 دولة بينها ليبيا والعراق وإيران ويوغسلافيا الاعتماد عليها كمزود أول بتكنولوجيا شيفرات الاتصال الرفيعة المستوى، وتبين فيما بعد ان الرسائل التي كانت ترسل باستخدام أية وسيلة اتصال، تعتمد هذه الشيفرة تصل نسخة منها إلى الاستخبارات الاميركية، وقد اكتشفت ليبيا اللعبة العام 1986، وتأخرت ايران في ذلك إلى العام 1992، وفي اطار نظام التجسس الاميركي، كمايؤكد المؤلف، ان شركة «مايكروسوفت» تسمح من خلال برنامجها لوكالة الأمن القومي الدخول الى الحواسب الشخصية، وهو امر يدعم شائعة، تقول ان وكالة الأمن القومي هي أكثر من داعم مادي وشريك كامل في شركة «مايكروسوفت».

ويذهب الكاتب في القسم المخصص لأسلحة الدمار الشامل بما فيها الكيماوية والبيولوجية، ليكشف من خلال تقارير صادرة عن الجيش الأميركي، ان 550 أجنبيا من 36 دولة بما فيها مصر و«إسرائيل» والعراق والأردن ولبنان والسعودية سبق لهم ان تابعوا دروسا في الولايات المتحدة، تتعلق بالأسلحة البيولوجية الكيماوية، وانه منذ اواسط الثمانينات، بوشر بتصدير مستلزمات بيولوجية للعراق بواسطة تراخيص خاصة من وزارة الخارجية، واستمر تصدير المواد حتى العام 1989 على رغم ثبوت استخدامها ضد الإيرانيين والأكراد والشيعة العراقيين.

ويقدم بلوم احصاءات ومعطيات، تؤكد أن الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، حاولت الإطاحة بنحو أربعين حكومة أجنبية، وسحق أكثر من ثلاثين منظمة ثورية، كانت تناضل ضد أنظمتها الاستبدادية، وتسببت بإنهاء حياة ملايين البشر، وفرضت على ملايين آخرين العيش في الذل والهوان، وسط تأكيد أن ثمة مؤامرة دولية تتربص بهم، حيث جاءت الشيوعية بعد النازية ومن بعدها ظهرت الهجمات الارهابية، ولحماية البشرية من هؤلاء الذين صاغت سياستها: فقط اشتروا أسلحتنا، ودعوا جيشنا ومؤسساتنا يسرحون ويمرحون في طول بلادكم وعرضها، وأعطونا حق تعيين حكامكم، عندئذٍ نتمكن من الدفاع عنكم.

ويقول بلوم، ان الشعب الاميركي تحمل وطأة مختلف التجارب الجرثومية الكيماوية والنووية التي أجريت على مدى أكثر من عقدين في سمائه وعلى أرضه، وجعلت السرطانات في بعض المناطق من أعلى النسب، كل ذلك في سبيل حماية أميركا وعلى رغم ذلك فالمواطن الاميركي لا يعيش بأمان. ويضيف، ان الجنود الاميركيون في هذه المعمعة هم البسطاء الذين يتوجب عليهم ان يتحملوا تبعات القرارات السياسية العليا، ويتركوا لقدرهم عندما يصابون بعوارض مرضية، كما هي حال مئة ألف جندي، تعرضوا بدرجات متفاوتة لاشعاعات تلوث خلال حرب الخليج الثانية.

ثلاثة نماذج من كتابات الاميركيين عن بلادهم وسياساتها الداخلية والخارجية، وهي بعض من كتابات بينها كتابات ناعوم تشومسكي، وبول فندي وغيرهم من كتاب وسياسيين، ربما تجيب على سؤال طالما طرحه اميركيون على العالم بالقول: لماذا يكرهوننا؟

العدد 395 - الأحد 05 أكتوبر 2003م الموافق 08 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً