العدد 395 - الأحد 05 أكتوبر 2003م الموافق 08 شعبان 1424هـ

إيران مستهدفة... فحذار من أصحاب الأصوات المضخمة!

السياسيون الفاشلون يفتعلون أزمات خارجية

صلاح الدين الجورشي comments [at] alwasatnews.com

.

يوجد أكثر من طرف يحرص على تصاعد المواجهة بين إيران والولايات المتحدة. هناك من يدفع في هذا الاتجاه من داخل إدارة الرئيس جورج بوش ورموز اليمين المحافظ، اعتقادا منهم بأن أفضل طريقة لتخفيف الضغط على الإدارة الحالية في واشنطن هي الاستمرار في خلق بؤر التوتر والتهديد باللجوء إلى القوة. أما الطرف الثاني فهم بعض «صقور التيار المحافظ» داخل الطبقة السياسية الإيرانية، الذين يظنون انطلاقا من تجاربهم السياسية بأنهم أقدر على كسب الجبهة الداخلية كلما توترت العلاقة بين إيران و«الشيطان الأكبر». وأخيرا بعض فصائل المعارضة، وفي مقدمتهم «مجاهدي خلق» الذين عجزوا عن تغيير موازين القوى لصالحهم على رغم صمودهم الطويل ومقاومتهم المستمرة. لهذا فإنهم مستعدون للمراهنة على كل السيناريوهات، بما في ذلك إشعال الحرب بين اميركا وإيران، كما سبق أن فعلت فصائل المعارضة العراقية.

لكن في مقابل جميع هذه الأطراف التي ترى أن مصلحتها ستتحقق في حال توريط الولايات المتحدة في حرب جديدة ضد النظام الإيراني، يتمسك الإصلاحيون وعلى رأسهم الرئيس محمد خاتمي بموقف حذر يجمع بين الحزم لحماية للسيادة، وبين الإبقاء على «شعرة معاوية» مع الأعداء. والسؤال: هل يتكرر السيناريو العراقي وتتحول المواجهة السياسية بين طهران وواشنطن إلى عدوان اميركي جديد على إيران بهدف تغيير نظامها السياسي؟

بوش في مأزق... ولكن؟

الرئيس بوش في مأزق ليس من الهين الخروج منه من دون أضرار فادحة. وأوهمه مستشاروه وصقور إدارته بأن تحقيق انتصار عسكري ساحق في العراق سيدخله التاريخ من الباب العريض، وسيضمن له ذلك دورة جديدة في البيت الأبيض من دون منازع قوي، وسينعش الاقتصاد الاميركي؛ لهذا كان ومساعدوه على استعداد تام للجوء إلى كل الوسائل بما فيها الكذب والتزوير من أجل إعلان الحرب وتبريرها وتوفير الدعم لها شعبيا وماليا، لكن سرعان ما تحول الانتصار الساحق إلى كابوس.

لم يكن يتوقع الاميركيون أن أخطاءهم الفظيعة التي ارتكبوها في العراق ستجعلهم يدفعون ضريبة غالية، ويصبحون في نظر قطاعات عريضة من العراقيين غزاة غير مرغوب فيهم. من هنا توالت التداعيات السلبية للملف العراقي على الوضع السياسي للرئيس بوش وجماعته. وفي هذه الأجواء تجددت التهديدات لإيران، واتهامها بالسعي الى امتلاك «أسلحة دمار شامل» عن طريق خروج برنامجها النووي عن إطاره السلمي. فغالبا ما يلجأ السياسيون الفاشلون إلى افتعال أزمات خارجية لتحويل الأنظار، وتعبئة الرأي العام المحلي ضد عدو خارجي «محتمل».

لا شك في أن «إسرائيل» واللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة يرغبان في استغلال هذا الظرف الدولي والإقليمي المناسب، للتخلص من القوة الإيرانية سواء بالإطاحة بالنظام الذي أفرزته الثورة الإسلامية، أو على الأقل تحجيمها إلى قدر كبير. ولا يهمهما المصير السياسي لبوش الابن بقدر ما يعملون على توريطه وتشجعيه على المضي قدما في اتجاه تغيير خريطة «الشرق الأوسط» وفق المصالح الاسرائيلية.

الظرف لا يسمح والاحتمال وارد

هل ان احتمالات شن حرب على طهران قوية وممكنة خلال الفترة القريبة؟ التأمل في الوضع الاميركي الداخلي يجعل المراقب أميل إلى نفي ذلك الاحتمال أو على الأقل استبعاده في الظرف الراهن. فالموازنة الاميركية غير مهيأة لتمويل «حرب ثالثة» في فترة وجيزة قد تكون مكلفة أكثر من سابقتيها. كما أن الحال على الجبهة العراقية لم تهدأ ولا تبشر بأي استقرار قريب. وكذلك الشأن بالنسبة الى الملف الأفغاني الذي تتطور فيه الأوضاع العسكرية والسياسية في اتجاه قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر. مع ذلك فإن الضغط السياسي على النظام الإيراني مرشح للاستمرار والتصعيد، كما يبقى توجيه ضربات عسكرية خاطفة للقضاء على المفاعل النووي الإيراني احتمالا واردا.

الإيرانيون قادرون على المناورة

السؤال الآخر: هل بإمكان الإيرانيين إبعاد الخطر عن بلادهم وتفويت هذه الفرصة امام عدوهم الذي يتربص بهم منذ عملية احتجاز اعضاء السفارة الاميركية في طهران؟

يتوهم المحافظون أو جزء منهم عندما يعتقدون بأن إظهار التشدد وتصعيد المواجهة ضد واشنطن سيكون في صالحهم وفي صالح إيران. لقد تغير الوضع الإقليمي برمته مع احتلال العراق. وإذا استفادت إيران من التخلص في ظرف وجيز من نظامين معاديين لها هما نظام طالبان ونظام صدام حسين، فإن ذلك ترتب عليه تكثيف الوجود العسكري الاميركي على حدودها، ما أصبح يهدد أمنها بشكل مباشر وخطير.

هذه الجوانب أدركها بشكل جيد الرئيس خاتمي وحكومته. لهذا انتهجت الحكومة أسلوب التهدئة والتعامل ببراغماتية ومرونة مع الهيئة الدولية للطاقة. إن إيران لا تستطيع أن تعتمد كثيرا على موسكو، التي على رغم حرصها على توسيع التعاون مع طهران - كما صرح بذلك الرئيس فلاديمير بوتن - فإن روسيا ليس من مصلحتها أن تصبح جارتها إيران قوة إقليمية. وقد سبق أن تخلت موسكو عن النظام العراقي عندما جاءت اللحظة الحاسمة. وإذ تعتبر السياسة التي انتهجتها طهران مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية سياسة عقلانية وإيجابية، فإن دول الخليج العربية لا تستطيع في هذا الظرف الدقيق أن تقدم شيئا كثيرا للإيرانيين، لأنها بدورها تتعرض لضغوط اميركية ضخمة وخطيرة.

من جهة أخرى، وعلى رغم وجود حكومة غير معادية لإيران في تركيا، فإن ذلك لم يُزِل قلق الإيرانيين من التحالف الاستراتيجي التركي الاميركي الإسرائيلي. وهو تحالف ترعاه المؤسسة العسكرية ذات النفوذ القوي. وما قيل عن تركيا والخليج يمكن سحبه أيضا على باكستان التي تعتبر من أهم حلفاء واشنطن في منطقة آسيا الوسطى.

أما إذا انتقلنا إلى أوروبا، حيث تعمل طهران على تحسين علاقاتها التجارية والسياسية معها، فإن ذلك ترجم العقلية الجديدة التي أصبحت تتعامل بها الدبلوماسية الإيرانية مع العالم، بعد عزلة دولية خانقة استمرت سنوات طويلة أثناء الفوران الثوري. لكن أوروبا أيضا لا ترغب في الدخول في مواجهة أخرى مع الإدارة الاميركية كما حصل في الملف العراقي، إضافة إلى أن أوروبا ملتزمة بدورها في حماية أمن «إسرائيل». وهكذا يتبين أن النظام الإيراني لا يتمتع بأية ضمانات دولية يمكن أن تساعده في حال اندلاع نزاع مسلح بينها وبين الثور الاميركي الهائج. وهو ما يقتضي عمليا التعامل بهدوء وعدم انفعال مع مطالب ما يسمى بالمجتمع الدولي. فهذا الوضع العالمي الجديد من شأنه أن يدفع الإيرانيين إلى التخلي عن مشروع تحويل بلادهم إلى قوة نووية؛ فالظرف الذي ساعد باكستان على تحقيق حلمها النووي، والذي كاد أن يمكن العراق من الفرصة نفسها تغير بالكامل.

الجبهة الداخلية أولا

الأهم من ذلك هو أن يتوجه الإيرانيون نحو إصلاح أوضاعهم السياسية والاقتصادية بوتيرة أسرع، وبإرادة أقوى. بينت تحركات الطلاب خلال السنة السياسية الماضية أن الشارع الإيراني لايزال ينتظر تغييرات حقيقية، وأن حالا من الشك واليأس بدأت تتسرب إلى صفوف قطاعات عريضة من الإيرانيين، وهو ما يفسر الشعارات التي رفعت ضد المحافظين والإصلاحيين معا. هذا الوضع الداخلي إذا لم يعالج بطرق ديمقراطية وسياسية سليمة، فإنه سيشكل الثغرة الرئيسية التي ستستغلها الإدارة الاميركية من أجل اختراق المجتمع الإيراني ودفعه نحو الانقلاب لا على المحافظين الدينيين فقط، ولكن في اتجاه إسقاط النظام السياسي برمته.

إن إيران الآن مستهدفة بشكل جدي، وان القيادة الإيرانية وحدها القادرة على تجنب حرب استنزاف لا يمكن التنبؤ الآن بتداعياتها ونتائجها. والأكيد أن الحماس والخطاب العاطفي لا يخدمان إيران أو المنطقة الآن... أو غدا

العدد 395 - الأحد 05 أكتوبر 2003م الموافق 08 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً