وفرت مملكتنا الحبيبة مساحات خضراء في شكل حدائق صغيرة في المناطق السكنية في المدن تماشيا مع المواصفات والتوصيات العالمية، فهذه المساحات الخضراء هي بمثابة الرئة والمتنفس للعائلات وأطفالها إذ يستمتعون بالنخيل والأشجار والزهور.
وبينما نجد المساحات الخضراء والحدائق العامة في العالم مقدسة لأهميتها للصحة والسلوكيات الاجتماعية ما يشكل مردودا عظيما للدولة لا يقدر بمال، نجد العكس تماما في دولنا العربية إذ أصبح المال العام وخصوصا الشوارع والأرصفة والحدائق العامة في المناطق السكنية المزدحمة، المنطقة غير المحرمة التي يستطيع أي شخص فاقد لضميره وممتلك للقوة الاستيلاء عليها وكأن المال العام ليست له حرمة المال الخاص. أو كان الاعتداء على المال العام ليس جريمة والاستيلاء عليه ليس سرقة لأموال الآخرين والدولة. وبينما في مملكتنا الفتية يقف الإنسان مشدوها سعيدا ممتنا لهذا المجهود الضخم الذي تقوم به إدارة الطرق والمشروعات وقد أصبحت شوارعنا ذات مواصفات عالمية تزينها الأشجار والأزهار والأرصفة الجديدة والملونة والدوارات الجديدة والإشارات الضوئية واللافتات الجيدة، نجد النقيض تماما في إدارة الحدائق العامة والمساحات السكنية وكأنها تحت إدارة حكومة خارجية لدولة هي آخر الدول في تصنيفات التنمية البشرية وليست مملكتنا.
هناك صور شتى للاستيلاء على الممتلكات العامة التي نهيب بالمسئولين استعادتها وإعادتها إلى الصالح العام وعدم التهاون في ذلك مهما كلفهم من أمر، فالصمت على الاستيلاء على أي جزء من الممتلكات العامة مهما بدا صغيرا أو ضئيلا أو تحت أي مسمى سيشجع الآخرين على الاستيلاء وستنتشر الفوضى والسرقة للمال العام ولن يستطيع أحد أن يوقف هذا العدوان على الممتلكات بعد ذلك. من هذه الصور للاستيلاء على المال العام ما نراه مثلا في المناطق المهمة والضيقة مثل باب البحرين إذ يتم التحايل بطرق شتى للاستيلاء على الرصيف بوضع حواجز ومداخل وإشارات للدخول لهذا المجمع أو ذاك وموقف للسيارات لهذا المبنى ببوابات عجيبة ما يضطرك إلى النزول والسير في الشارع الذي بدوره اقتطعت منه أجزاء بسلاسل عجيبة لتكون مواقف للسيارات وهذا سلوك غير حضاري ويفتقر إلى التخطيط الهندسي وهو خطأ المهندس الذي خطط لتلك المجمعات ولم يأخذ في الاعتبار تخصيص الدور الأرضي موقفا للسيارات كما نرى ذلك في كثير من المجمعات والأبنية وهذا الخطأ يقع على المهندس ويجب أن يتحمله وأن يبحث عن حلول له بعيدا عن الممتلكات العامة التي هي ملكنا جميعا وحق لكل السكان والزوار في رصيف عام وطريق غير مقتطع منه. وهناك صورة أخرى لهذا الجور والإهمال والاستيلاء على المال العام وهي المساحات الخضراء والحدائق الصغيرة التي تحول بعضها إلى ملك خاص لمطعم ومقهى فاستولى البعض على ما يريد من الحديقة وتحول الباقي إلى رمال واختفت الأزهار وماتت الحشائش الخضراء، وبقايا النخيل تصارع العطش والإهمال، ومن أجل حفنة دولارات نحرم أبناءنا وأطفالنا من الهواء والأزهار بل وندفعهم إلى طريق الإدمان، فالشيشة أول الانحدار والدمار لكل شيء وبدلا من متعة القراءة والرياضة والتأمل وحب الهدوء والنخيل والأشجار نعلمهم كيف يكون الاستغلال وإمكان جمع المال بالسطو على المال العام حتى لو قتلنا النخيل والأشجار وروجنا لتجارة الشيطان وحولنا زبائننا إلى أشباح وأنصاف رجال، يسهرون في الليل مع الشيشة واللهو والإدمان وينامون في النهار فلا إنتاج ولا نجاح في الأعمال. فاحترام المال العام هو احترام للوطن. فمتى نرى الحدائق العامة وقد عادت إليها الحياة واستعادت دورها العظيم في دعم الصحة والخلق السليم لا التلوث والإدمان على الشيشة والهيروين؟
آمال سلامة
العدد 355 - الثلثاء 26 أغسطس 2003م الموافق 27 جمادى الآخرة 1424هـ