منذ الحرب على العراق اصيبت الدول العربية بـ «ضربة شمس». وقبل الحرب عانت الجامعة العربية من عطل في حواسها الخمس، فأخفقت في الاتفاق على موقف مشترك، واستضعفت نفسها في وقت تشير كل المعلومات إلى تمتع الدول العربية بقدرات وامكانات وثروات وقوى بشرية ومواقع جغرافية من الصعب أن تتوافر في دائرة واحدة في العالم.
الدول العربية استضعفت نفسها وتصرفت قبل وقوع الحرب على العراق كدول مصابة بعطل يمنعها من التركيز والمراقبة والمتابعة. فكانت الحرب التي حاولت تجنبها لكنها لم تتفق على خطة بديلة ومشروع عمل يتمتع بآليات كان يمكن أن تدعمه الكثير من الدول الأوروبية وروسيا والصين. فالجامعة العربية لو بادرت الى طرح خطة موازية للمشروع الأميركي ونسقت مع الدول المعترضة على الحرب لكانت نجحت في صوغ مشروع دولي اعتمدته الأمم المتحدة وارسلت بموجبه «القبعات الزرق».
إلا أن الجامعة العربية مالت الى الصمت وتركت كل دولة تقرر مصيرها على حدة.
الآن وبعد ضربة العراق تعمقت الأزمة، وزاد اغتراب الدول العربية عن مركز الحدث. فكل دولة تسير ضد أختها، من دون اجتهاد أو محاولة للاتفاق على موقف موحد. فالدول العربية حائرة الآن، فهي في معظمها ضد الحرب وتمنت ألا تقع. وبعد وقوع الكارثة اتجه معظمها نحو رفض نتائجها والتأكيد على حرية العراق واستقلاله وسيادته. الآن وبعد مرور قرابة أربعة أشهر على نهايتها فشلت الدول العربية في الاتفاق على موقف موحد. فهي ضد الحرب ومعها وضد نتائج الحرب ومعها، وضد المجلس العراقي الانتقالي ومعه... إلى آخر ثنائيات الضد والمع. إلا أنها في المجموع العام لاتزال الجامعة العربية (دولها) غير متفقة على سياسة مشتركة واستراتيجية واحدة من أزمة العراق.
ماذا تريد الدول العربية من العراق؟ وتحديدا ما هي خطة عملها لانقاذ دولة عربية من الاحتلال وما ترتب عليه من انهيار شامل على مختلف المستويات.
الجامعة العربية حتى الآن لا خطة لديها. ولا تعرف ماذا تريد وما هي البدائل التي تملكها وقادرة على تنفيذها لانقاذ ما يمكن انقاذه ووقف فوضى مريعة تنذر بنشوب اقتتال أهلي تخطط الولايات المتحدة لإشعاله بإلهاء الناس وإغراق المقاومة بمشكلات مناطقية وطائفية ومذهبية.
حتى الآن وبعد كل ما حصل لا تزال جامعة الدول العربية مترددة في اعلان موقف واضح يعتمد على مجموعة بدائل يمكن طرحها على مستويات أوروبية ودولية. فالدول العربية ليست واضحة. فهل تريد الاحتلال أم لا... فإذا أرادته فعليها أن تبادر إلى بلورة منهجية سياسية تبرر وتفسر الأسباب. وإذا رفضته فعليها أن تطرح خطة بديلة. المشكلة أن الدول العربية لا هنا ولا هناك ولا مع هذه أو تلك. فهي ترفض الاعتراف بشرعية مجلس الحكم الانتقالي وتستقبل وفده، وهي تريد حكومة منتخبة ولا تقول كيف العمل على انتخابها، وهي تطالب الاحتلال بالانسحاب وترفض ارسال قوات عربية للحلول مكانه، وهي مع «التدويل» وضد «الأمركة» ولكنها لم تتفق على فكرة ارسال «القبعات الزرق».
الدول العربية في حيرة من أمرها. فهي تنظر إلى بعضها بعضا وتنتظر كل واحدة ماذا تريد أن تفعل الأخرى؟ والمشكلة أن الحيرة عامة وشبه شاملة. فهذه تنظر شمالا وتلك يمينا وأختها الى الأعلى وشقيقتها الى الأسفل.
هناك وحدة في الحيرة العربية... وهي الوحدة المتبقية من علاقات عربية. إلا أن الحيرة نفسها مشتتة على أهواء وفرق. فكل دولة لا تعرف ماذا تقول وماذا تفعل؟ فالقرارات يتفق عليها ولا تنفذ، واذا نفذت فكل دولة تأخذ ما يناسبها وتهمل الباقي. وباتت الدول العربية أو (معظمها) تفضل السكوت على الكلام. والسكوت أفضل إذا كان الكلام الذي تقوله في الليل ينجلي في النهار. نحن أمام سياسات عربية وليست سياسة. وحين تصبح المواقف غير مبلورة وواضحة في مختلف القضايا والساحات يمكن القول أن الكثير من الدول ينتظرها المصير الذي آل إليه العراق
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 354 - الإثنين 25 أغسطس 2003م الموافق 26 جمادى الآخرة 1424هـ