عندما نقارن معدل دخل الفرد السنوي في البحرين بمعدل دخل الفرد السنوي في دول الخليج الاخرى لا نجد البحرين في أسفل السلم، بل على العكس من ذلك. وعندما نقارن مرتبة البحرين في التنمية الإنسانية بمرتبات غيرها من الدول العربية نجدها الأولى بين الدول العربية. ولكن عندما ننظر إلى الواقع المعاش نجد الفقير والعاطل إلى جانب الثري الذي يمتلك شركات كثيرة ... كيف نفهم هذه المفارقات، وكيف نعالجها؟
ربما هذا هو محور الحديث بشأن إعلان برنامج الأمم المتحدة الانمائي مرتبات الدول واحتلال البحرين مرتبة متقدمة عاما بعد عام. والواقع ان مثل هذه المرتبة بالإمكان الوصول اليها (بعد جد واجتهاد) ولكن هذا لا يعني انه لا توجد المشكلات المذكورة. فالمقاييس الاقتصادية والانمائية تتحدث عن المعدلات والمتوسط. فلو أن عشرة أشخاص يملكون مليون دينار (مثلا) فإن الاقتصادي سيقول إن معدل الثروة هو مئة ألف لكل شخص. وربما لو اقترب قليلا لوجد ان شخصا واحدا يملك تسعمئة وخمسين ألف دينار، بينما يشترك التسعة الآخرون في الخمسين ألف الأخيرة. بمعنى آخر ان انعدام العدالة في توزيع الثروة هو السبب الأساسي في المشكلة، وهذا ينطبق على مجتمعنا البحريني كما ينطبق على مجتمعات أخرى. ولذلك فإن من أهم واجبات الحكومة هو السعي لتوفير الفرص أمام الذين يكوِّنون الثروات بصورة مشروعة، وفي الوقت ذاته السعى إلى إعادة توزيع الثروة بحيث تصل إلى الذين لم يحالفهم الحظ أو إن ظروفهم صعبة أو إنهم تعرضوا لمانع ما من الحصول على مستوى مقبول (نسبيا) من الثروة المتوافرة في البلاد.
إن من الغايات الأساسية لاعتماد الأمم المتحدة مقاييس تقارن بها الدول هي القضاء على الفقر بمعنييه المطلق والنسبي. فالفقر المطلق يعني الافتقار إلى الحاجات الأساسية التي لا يمكن للمرء ان يعيش من دونها، مثل المأكل والملبس والمسكن. ثم ان هناك «الفقر النسبي» الذي يعني امتلاك الشخص وسائل ومعدات وتسهيلات حياتية مماثلة لما يملكه جيرانه أو أبناء وطنه عموما. يمكننا القول إن الفقر المطلق بمعناه القاسي لا يوجد في البحرين ويعود الفضل في ذلك إلى التكافل الاجتماعي وإلى المؤسسات الخيرية مثل الصناديق الخيرية التي أنقذت الأسر والأفراد من الفقر المطلق. ولكن الفقر النسبي منتشر وسببه، كما أشرنا، انعدام العدالة في توزيع الثروة.
ولكن تحقيق العدالة في توزيع الثروة ليس سهلا والتركيز عليه قد يحبط الذين يستطيعون خلق وتكثير الثروات. وهذا ما حاولت الدول الشيوعية تحقيقه وفشلت فشلا ذريعا. أما الدول الليبرالية فقد حققت نجاحا أكبر عندما اعتمدت نظام الضمان الاجتماعي للعاطلين وطرحت مشروعات تنموية وتدريبية لمساعدة المواطنين وتمكينهم من الحصول على وظيفة أو البدء في مشروع تجاري، وبالتالي خلق وظائف أخرى لمواطنين آخرين.
إن المواطن البحريني لا يبحث فقط عن المأكل والمسكن والملبس، وإنما أيضا يسعى إلى الحصول على مستوى معين من الرعاية الصحية والتعليم والامن المعيشي المستمر، بالإضافة إلى تحقيق مستوى مقبول من الرفاهية التي تمكنه من الاستمتاع بعطلته وأن يقضي وقتا مع القريبين منه في أجواء ترفيهية مناسبة. ولذلك فإن علينا أن نفتح الحوار عن معنى الفقر الذي يجب أن نتحاشاه بما نعتقد أنه يمثل اكتفاء معقولا يحفظ كرامة المواطن. ودور الحكومة هو الاهم في هذه الحال، ومد مظلة الضمان الاجتماعي هو احد وسائل اعادة توزيع الثروة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 354 - الإثنين 25 أغسطس 2003م الموافق 26 جمادى الآخرة 1424هـ