لكل شعب خاصية يتميز بها عن غيره من الشعوب، فشعب اليابان مثلا يتميز بأصالته وتمسكه بلغته وعاداته وتقاليده التي توارثها جيلا بعد جيل، وشعب الهند يتميز بتنوع أطيافه الاجتماعية والدينية واللغوية، أما شعب البحرين فله خاصية تختلف عن ذلك كله، ميزة تجعله معروفا من هيئته كما يعرف المؤمن من أثر السجود، فإن أردت أن تتأكد من وطنية أي كان وانتمائه فيكفيك أن تقول له: أنت مدين لأي مصرف؟
تبدأ بوادر هذا الكابوس المزمن بشكل متقطع قبل حصول الشخص على وظيفة ما، وبعد أن يحصل على مركز وظيفي أيا كان هذا المركز يصبح الكابوس ملازما له أين ما حل وذهب، فالشاب يريد سيارة تقله من مكان لآخر ولو كانت عادية، فليس من المعقول أن يعيش حياته كلها مستجديا المارة عل وعسى أن يتلطف ويتكرم أحدهم بتوصيلة مجانية، ومن يحصل على توصيلة هذه الأيام يكون محظوظا.
ويحسد الشباب من يحصل منهم على وظيفة سائق ويعطى سيارة لتكون راحلته من وإلى العمل، ولا يحسب البعض أن هذا الشاب أعطي سيارة «مرسيدس» فمعظم السواق يسدون أبواب بيوتهم «بالسكسويل» أو «البيك أب» وهذه الوظيفة مطلوبة هذه الأيام لأنها توفر على الشاب عناء التنقل وعناء شراء سيارة ولو بشكل مؤقت لأنه ان تزوج فليس من الجميل أن يركب زوجته في «سكسويل».
وحالما تنمو أظافر الشاب، ويقوى عوده قليلا ويكاد يهرب من مشكلة القروض، يعود به المركب إلى بداية الطريق ويرسو من جديد، فلا يمكن أن يعيش الشاب طوال حياته أعزبا، ويأتي الزواج ليكون القشة التي قصمت ظهر البعير، قرض للمهر، وآخر للصالة، وقرض لحفلات الاستقبال التي لا تنتهي إلا بعد أشهر.
جمال الحياة، وحلاوة الزواج أنسيا هذا الشاب ما عليه من ديون، ولكن لن يدوم ذلك طويلا، ويكفي أن يتسلم الشاب إيصالا بالمبلغ المدان به لتعود الحكاية من بدايتها وتبدأ المعاناة كما بدأت.
بعد أن طحنه الزمن يوشك صاحبنا أن يخرج من محنته، فلم يبق سوى سنين قليلة لينتهي الدين، ويتفاءل هذا الشاب - عفوا أقصد المسن - فقد بلغ الأربعين من العمر، بحصوله على منزل من الإسكان والابتسامة تشق وجهه حتى يصل إلى البيت الموعود، ولكن سرعان ما عاد البؤس المعتاد، فالبيت من غير أثاث وبعض الغرف تحتاج إلى بناء مكمل لما بدأ به المقاول، وتلك تحتاج إلى صباغة، وهكذا يعود ويستلف مبلغا آخر لإكمال مشوار حياته.
ويظن البعض أن من باب المبالغة تعميم هذه الحكاية على شعب البحرين، ربما يكون ذلك صحيحا، ولكن السواد من الشعب يقبع تحت كماشة الديون ليواصل حياته بكرامة من دون أن يمد يده، وسمعنا أن يورث الإنسان مالا لأبنائه، عقارا يترزقون منه أو يسكنوه، ولكن لم نسمع بأن الإنسان يورث ديونا لأبنائه
العدد 353 - الأحد 24 أغسطس 2003م الموافق 25 جمادى الآخرة 1424هـ