ليس عيبا أن يعمل المرء في وقت مبكر من عمره، ولكن العيب، كل العيب، الجنوح إلى الانحرافات السلوكية بشتى صنوفها الناتجة في الغالب عن الاستثمار الخطأ لأوقات الفراغ. ولا تعد هذه الظاهرة مؤشر تخلف، ذلك لأن غالبية الدول الغربية المتقدمة التي يشار إليها بالبنان تعمل شريحة كبيرة من شبانها في أعمال جزئية.
ويشير إحصاء أعده باحثان اجتماعيان لصحيفة «تلغراف» البريطانية، إلى أن ما نسبته 68 في المئة من طلبة المدارس الثانوية البريطانية يعملون عملا جزئيّا أو ما يطلق عليه في الغرب بـ THE PART TIME JOB، وتنتشر هذه الظاهرة كذلك في غالبية الدول العربية الشقيقة، وهي آخذة في الانتشار في مدن وقرى المملكة.
دافع هؤلاء هو الحاجة أحيانا، والرغبة والفضول في اقتحام سوق العمل أحيانا كثيرة... منذ الصباح الباكر، وعلى زغاريد الطيور المبشرة بحلول نهار جديد، يذهبون إلى مراكز عملهم في المحلات وعلى قارعة الطرق والشوارع في بحريننا الغالية... أولئك هم شباب «الوسط» الذين يحذوهم الأمل كل صباح في بيع كل الصحف التي بحوزتهم، والذين يدحضون كل الاتهامات الموجهة إليهم باستغلال الآخرين لطاقاتهم، بل ويؤكدون أن هذه الوجهة الصحيحة لاستثمار طاقاتهم على النحو الأفضل. التقت «شباب» اثنين منهم، هما محمد إبراهيم (17 عاما)، وزميله الآخر هو سيدمحمد سعيد (17 عاما)... ولكن ماذا قالا عن هذه التجربة الصيفية؟
يحكي محمد إبراهيم الذي عمل في بيع الصحف قبل عشرين يوما فقط: «هذه الوظيفة ليست التجربة الأولى بالنسبة إلي، إذ التحقت بالحياة المهنية منذ نعومة أظفاري، بدءا ببيع وتربية العصافير ومختلف الطيور الأخرى لعرضها في السوق في المساء أو في صبيحة أيام العطل والإجازات الرسمية». ويضيف محمد قائلا: «بعد نحو شهر من الآن سأعود إلى المدرسة، وسأواصل دراستي في الحلقة الوسطى من الثانوية العامة».
وعن الدافع وراء التحاقه بهذه المهنة قال: «توفى الوالد منذ كنت صغيرا، علما بأني الابن الخامس والأصغر لهذه العائلة، أما أخوتي الأكبر سنّا مني فهم لايزالون يواصلون دراستهم. إن الوظيفة الجزئية لا تنتقص أبدا من شخصية الشاب، طالما كان الهدف من العمل نبيلا، بل، وربما على النقيض من ذلك، ان العمل المبكر للشباب قد يسهم في وضع حل جذري لمشكلة خطيرة يعاني منها الكثير من الشباب، ألا وهي الاستغلال الخاطئ لأوقات الفراغ، وعلاوة على ذلك فإن العمل الجزئي يتيح فرصة مناسبة لصقل شخصية الشاب، وتهيئته للولوج في سوق العمل لاحقا».
وفي أي الأشياء ستنفق مدخول الصيف؟
- أجاب محمد «إن المستلزمات المدرسية تحصد نصيب الأسد من الراتب، أما المبلغ المتبقي فيتوزع على الاحتياجات الشخصية».
وعن المصاعب يقول: «موجة الحر الشديدة التي تعصف بالمملكة هذه الأيام تجعل العمل مرهقا لكنها لا تثنيني عن المواصلة، هذا بجانب بعض السلوكيات الخاطئة التي يمارسها بعض المراهقين، مثل الاستهزاء والسخرية من العمل في بيع الصحف». ويؤكد محمد بثقة ورباطة جأش انه قادر على تجاوز كل هذه العقبات بنجاح.
أما زميله سيدمحمد سعيد، فأوضح لنا انه التحق بالعمل في بيع الصحف بنظام جزئي قبل أكثر شهر من الآن، وهو يمثل التجربة الأولى التي يخوضها في سوق العمل... يقول سيدمحمد: «أزاول هذه المهنة أثناء العطلة الصيفية فقط، وعند بدء الدراسة سأعود طبعا لمواصلة دراستي بشكل اعتيادي دونما أي تغيير. عملنا في بيع الصحف بمحض إرادتنا، وكان هذا القرار نابعا من قناعتنا الشخصية، فالعمل الشريف كرامة لا يعاب عليها (...) ومع الأسف فإن هناك شريحة لا بأس بها من شبابنا لاتزال غير مقتنعة بهذه الخطوة، ويبدو ذلك واضحا من خلال الممارسات الخاطئة من بعض الشباب كالسخرية والاستهزاء، وكثيرا ما تصادفنا حالات سرقة للجرائد من قبل بعض الشباب الطائش».
وعلى رغم كل صيغ التذمر من عمل شباب صغار في صيف البحرين الحارق، يبقى ثمة شباب مصممين على تخطي هذه العقبات، والاستمرار في كسب لقمة العيش الحلال في خطوة نحو إثبات الذات في سوق العمل
العدد 353 - الأحد 24 أغسطس 2003م الموافق 25 جمادى الآخرة 1424هـ