قبيل تعيين المدير السابق للأوقاف الجعفرية الأخ علي الحداد كان لي اتصال هاتفي معه بعد ان كانت «الوسط» قد طرقت موضوع عدم تسجيل مئات من أراض الأوقاف على رغم علم الجميع بذلك خلال الثمانين سنة الماضية. وكان جواب الحداد إداريا: انتظروا قليلا وان شاء الله ستكون هناك خطوات في هذا المجال. بعد عدة شهور من تسلمه المنصب كان الحداد قد وصل الى نتيجة عدم إمكان إصلاح الأمور بعد مضي فترة طويلة عليها وبعد تعقيدها الى درجة أدت الى ازاحته من منصبه بعد رفض خطته الإصلاحية.
وهكذا اتصلت به بعد خروجه من المنصب لأواصل حديثي معه وكان واضحا من صوته ان كل كلمة يقولها لها أكثر من مدلول. فالإداري المعروف بقدراته في مهنته اطلع على كثير من الأمور وهو غارق في التفكير على الطريقة الأمثل لحل المعضلات. وهكذا كان حديثه مع «الوسط» في مطلع الشهر الجاري الذي وضع النقاط على الحروف وصرح بما كان يدور في الشارع منذ فترة طويلة. غير ان تصريح الحداد ليس أي تصريح، فهو المدير المسئول سابقا الذي اطلع على تفاصيل لا يمكن لأي شخص عادي الاطلاع عليها.
الأوقاف كانت قبل استحداث «الإدارة» في شئون الدولة في العشرينات من القرن الماضي تدار بواسطة علماء الدين من الطائفتين الكريمتين. وبعد ادخال الإدارة وانشاء المحاكم والأوقاف نشأ اتجاهان داخل الطائفة الشيعية، أحدهما رفض الحاق القضاء والأوقاف بالإدارة الرسمية التي كان يشرف عليها المستشار البريطاني تشارلز بلغريف بدءا من العام 1926. أما الرأي الآخر فوافق على الحاق المؤسستين ودخل في سلك القضاء وفي إدارة الأوقاف. ولكن الأمور لم تكن لتهدأ إلا بعد ان تم تشكيل لجنة منتخبة تشرف على الأمور برعاية دينية.
غير ان الذين انتخبوا للإشراف على القضاء والآخرين الذين تسلموا مهمة الإشراف على الأوقاف انهمكوا في الخلافات الداخلية والصراعات، ما أدى الى فشل مهمة الإشراف وانتهاء الأمر الى التعيين في المؤسستين.
وتمر السنين بعد السنين والأمور كلها تسير بالتعيين والأوراق تصبح بعيدة عن أي إشراف مستقل وتزداد الأقاويل والاشاعات عن ضياع حقوق الناس في المحاكم وضياع ثروات الأوقاف في المجهول. ولكن الشفافية التي ننعم بجزء مهم منها لم يكن متوافرا لدينا في يوم من الأيام مكن المدير السابق من التصريح بما لديه وتحرك الملف المغلق وفتح معه الآلام والجروح.
الأوقاف الشرعية كانت ومازالت من أكثر الثروات المتوافرة للمواطنين المؤهلين شرعيا للاستفادة منها ولكنها أبعد ما تكون عن هموم الأمة، ولم يعد يأمل المواطن في دور ايجابي لما ضاع مع الأيام والسنين.
غير اننا نجد بارقة أمل أمامنا وينبغي ألا نخسرها لأن ثروات الأوقاف أمانة في أعناقنا جميعا، ومن حقنا ان نطالب بكشف الحسابات والأملاك وعرضها على الناس أو على المراقبين المحايدين. ومن حقنا ان نطالب باخضاع الإدارة لجهة رقابية شرعية ورسمية ومحاسبية، ومن حقنا ان نطرح الأسئلة باحثين عن أجوبة شافية. وعلى رغم انه ليس من حقنا اتهام أي شخص ربما ورث المشكلات وتورط بها، فإننا أيضا لا نستطيع السكوت، ونطالب علماء الدين والذين كانت خلافاتهم قبل سبعة أو ثمانية عقود أحد الأسباب الرئيسية في ضياع الرقابة المستقلة ان يوحدوا وجهة نظرهم ويطرحوها بهدف الوصول الى حل مع الجهات الرسمية المسئولة. وهذا كله قابل للتحقيق إذ لا يمكننا الهرب من المشكلة بعد ان فتحت الملفات
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 353 - الأحد 24 أغسطس 2003م الموافق 25 جمادى الآخرة 1424هـ