العدد 2332 - الجمعة 23 يناير 2009م الموافق 26 محرم 1430هـ

«قنسرين»... لغز أثار المئات بإعلان «غامض» ومفردة غريبة

ذكر كثير من الكتاب والخطباء والباحثين أن ثورة كربلاء هي ثورة خالدة، لا تحدد بزمان أو مكان، فكل مكان تنتهك فيه الكرامات وتسلب فيه الحقوق وتهدر القيم هو كربلاء، وكل طعنة سيف في واقعة الطف هي موجهة إلى كل باغ وطاغ وظالم على مر العصور... إذا فثورة الإمام الحسين (ع) لم تكن ارتجالية من دون تخطيط مسبق أو تسديد من قوة غيبية قاهرة، بل هي حركة تنويرية عبرت عن ضمير الأديان السماوية والقيم الإنسانية المقدسة، فكان شخص الحسين (ع) شمعة الأديان المشتعلة أبد الدهر.

الحسين في الفكر المسيحي

لهذا، فالحسين (ع) لا يخص فئة، ولم يأتِ من أجل مرحلة عابرة تنقضي بانقضاء الحدث فيمتص الزمان وهجه الساطع ويتركه مجرد أطلال، إذ جسّد الحسين ذروة التكامل العقائدي الذي يصبو إليه كل إنسان سواء كان مسلما أو مسيحيا أو حتى يهوديا. فالمسيح عرفوا الحسين (ع) واستوعبوا قضيته، فهم يعرفونه بأنه ثائر من أجل الحق لكل شعوب الأرض... وهذا ما عبّر عنه الكاتب والصحافي السوري المسيحي أنطوان بارا في كتابه الذي أثار الكثيرين «الحسين في الفكر المسيحي»، إذ يقول: «لو كان الحسين لنا لرفعنا له في كل بلد بيرقا، ولنصبنا له في كل قرية منبرا، ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين». وأضاف: «إن الحسين شرّد وحوصر وأعطش وأهين وقتل وسبيت عياله وجرّد من ثيابه وسلبت حلله، كذلك عيسى (ع) اضطهد وأهين وضفر جبينه بالشوك وحوكم وطعن وبصق عليه وجرّد من ثيابه».

المسرح العاشورائي الخشبي

وعليه، فإنه وفي كل عام وخلال شهري محرم وصفر، تتجدد لنا ساحات كربلائية تستدعي لنا الحدث الأليم الذي عاشه سيد الشهداء (ع) ومن كان معه، فعاشوراء، هي ثورة شاملة الأبعاد، لذلك تجد المهتمين بالثورة الحسينية يتسابقون في تقديم أفضل ما لديهم من إبداعات لترسيخ الصورة الكربلائية ونشر الرسالة السامية التي فدى الإمام الحسين (ع) نفسه وعياله وأصحابه في سبيل نشرها.

ويعد المسرح الحسيني واحدا من تلك المجالات التي يبدع فيها المهتمون بنشر ثورة الإمام الحسين (ع)، والمسرح الحسيني في البحرين، ليس بجديد علينا، إذ أقيمت العشرات، بل المئات من المسرحيات على المستويين الرجالي والنسائي، التي اهتمت بتنظيمها الجمعيات واللجان والمؤسسات والمراكز والمؤسسات الفنية في عدد من مناطق البحرين، سواء من خلال «المسرح المفتوح»، والمتمثل في تجسيد المعركة بأدق تفاصيلها من نصب خيام وإسراج الخيول في إحدى الشوارع، وذلك ليكون تصويرا واقعيا للحادثة... أو من خلال «المسرح الخشبي»، وهو توجه آخر للمسرح العاشورائي، وفيه يتم توظيف كل عناصر التجديد من نصوص وديكورات وتقنيات حديثة لإبراز القضية الحسينية، ويتميز بالعرض في قالبٍ تراجيدي حماسي مؤثر، يعالج الكثير من القضايا التي تخص المسلمين وترتبط بالرسالة السامية للإمام الحسين (ع).

غموض «قنسرين»

في هذا العام كانت هنالك الكثير من تلك المسرحيات بنوعيها، ولكن أضخمها وأكثرها تشويقا، مسرحية «قنسرين»، تلك المسرحية التي بدأ الإعلان عنها مع مطلع شهر محرم، وذلك عبر إعلان تجاري «غامض» هو عبارة عن لوحة بيضاء، مقطعة كالـ «Puzzle» تكشف عن مبنى حجري، وتحمل بعض الكلمات غير المفهومة، مثل: «قنسرين»، «المسيح... الحسين»، «مسرحية... الأكرف»، «فن... إبداع»... فكانت تلك الإعلانات أشبه بلغز استفز الكثير من العقول التي كانت تنظر إليها وهي معلقة في أرجاء مختلفة من شوارع البحرين، بل شكلت مثارا للحوارات والنقاشات والتوقعات في كثير من المنتديات سواء داخل أو خارج البحرين... وبعد ذلك بأسابيع ظهر إعلان آخر للعمل نفسه خفف جزءا من فضولنا، إذ اتضحت الصورة التي كانت متقطعة، وظهر لنا مبنى حجري قديم جدا، وكتب في الإعلان أنه دعوة لمتابعة مسرحية تحمل عنوان «قنسرين»، وستعرض بتاريخ 28 يناير/ كانون الثاني الجاري في صالة مصلى العيد بمنطقة جبلة حبشي، وستكون بمشاركة الرادود الحسيني الشيخ حسين الأكرف.

وعلى رغم تلك المعلومات التي قدمها لنا ذلك الإعلان الأكثر تفصيلا، فإن فضولنا لم يشبع بعد، فهو لم يجب عن كل تلك الأسئلة التي حيّرتنا جميعا، وهي: ماذا تعني «قنسرين»؟ وما دخل ذلك المبنى الأثري في الصور بقضية الإمام الحسين (ع)؟ وماذا عن القضية التي تتحدث عنها المسرحية وكيف ستربط بقضية المسيح (ع)؟!، وهل سيمثل فيها الشيخ حسين الأكرف، أم ستقتصر مشاركته على الأداء الصوتي؟!... كل تلك الأسئلة المحيِّرة، حملناها معنا، وحاورنا بها الطاقم الإداري والفني القائم على هذا العمل المسرحي، فكانت هذه الحوارات، التي نتمنى أن تشبع جزءا أكبر من فضول المهتمين:

جزء من مشروع كبير

مدير الإنتاج هيثم الخير تحدث عن مسرحية «قنسرين»، فقال: مسرحية «قنسرين» إن رغبت في الحديث عنها فيجب أن أقول إن هذا المشروع يأتي بعد 3 أعمال قمنا بتنفيذها وهي: «الملحمة الخالدة» في العام 2004، و «سبي الحقيقة» في العام 2005، وكلاهما من تأليف جابر الشعلة ومن إخراج حسين الحليبي، وفي العام 2006 قدمنا مسرحية «سلاحه البكاء» للمؤلف جعفر عبدالحسن وإخراج الفنان محمد الصفار... أما «قنسرين» فقد بدأنا العمل عليها منذ فبراير/ شباط 2007، وذلك عن طريق وضع خطة إنتاجية متكاملة وبشكل احترافي... وكانت أول خطوة هي إعداد دراسة جدوى للمشروع وتكوين هيكل إداري مكون من عدة لجان منها الإعلامية ولجنة الشئون الفنية ولجنة الشئون المالية وإدارة صالة العرض ولجنة العلاقات العامة، وبعد ذلك تم الاتفاق مع شركة «مشاهد للإنتاج والتوزيع» على إنتاج العمل، و «مركز طوس» لتنفيذ الإنتاج.

وأضاف الخير أن العمل سيكون ضخماَ إنتاجيا وفنيا، موضحا ذلك بقوله: ضخامة العمل تشمل عدة محاور، أولها الموازنة التقديرية المخصصة للعمل، وكذلك مكان العرض وعدد المشاهدين المتوقع استقطابهم بحسب الخطة الموضوعة. أما ثانيا فيتمثل في أن عدد الممثلين قد تجاوز 34 ممثلا، مطعمين بفنانين مخضرمين في هذا المجال.

وعن نظرته المستقبلية إلى المسرح الحسيني، قال الخير: كربلاء كانت مصدر إلهام لجمع كبير من الشباب البحريني في الوقت المعاصر، فعلى رغم مرور نحو 1400 عام، فإنها مازالت تفيض نقاوة وطهارة... وعليه، فقد اتصل هؤلاء الشباب بفكر الإمام الحسين (ع) ليجسدوا ملحمة كربلاء الخالدة بأسلوب مغاير عما هو مألوف، ويمس الحقيقة التي أضحت تناقش قضايا الإنسانية قاطبة في كل مكان وزمان، تمثيلا وإخراجا ونصا.

هيثم الخير بدور المسيح (ع)

وأضاف الخير: تدفعنا ملحمة كربلاء الخالدة إلى ابتكار أساليب جديدة مسرحية نؤسس من خلالها مجالا قائما برأسه، يؤصل الثورة في نفوس الأجيال، لتجد الحلول المناسبة لقضايا العالم العالقة اليوم. موضحا أن هذا الشباب الطموح يتطلع إلى بناء مسرح خاص بهذه الثورة المباركة، تستقي منه الأجيال القيم الإنسانية السامية، لتحافظ على وجودها من خلال بقاء ثورة الإمام الحسين (ع).

يذكر أن مسرحية «قنسرين» من تأليف جعفر عبدالحسن، وإخراج محمد الصفار، وتمثيل كل من: طه حسين، هيثم الخير، علي عبدالحسين، جعفر إسلامي، صلاح خليل، سيد صادق، وصادق حسين... وغيرهم. وستكون هناك مشاركة صوتية للرادود الحسيني الشيخ حسين الأكرف. أما الديكور والمكياج فسيكونان من عمل المبدعين ياسر وعلي سيف.

ويشار إلى أن هيثم الخير، سيقوم بتجسيد شخصية المسيح عيسى بن مريم (ع)، خلال العرض المسرحي لـ «قنسرين».

العدد 2332 - الجمعة 23 يناير 2009م الموافق 26 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً