ترى متى يتم الاعتراف الصريح والواضح بالجمعيات السياسية المعارضة، وبأنها شريك حقيقي في مشروع الاصلاح، وبأنها تمثل الرأي الآخر الذي هو عماد الديمقراطية، أو بالاحرى جناحها الآخر في عملية التحليق نحو آفاق جديدة من الديمقراطية الحقة.
ومتى توجد الثقة بين الطرفين (الحكومة والجمعيات السياسية المعارضة)، ومتى يبدأ الحوار المنظم والمنتظم بينهما، متى تفتح الحكومة اجهزة اعلامها الرسمية وحتى الصحافة المهيمنة عليها أمام هذه الجمعيات لكي تعبر من خلالها عن رأيها في مجريات التطورات والشأن العام، ولكي تخوض حوارات جادة مع الاطراف السياسية المختلفة ومع المسئولين في الحكومة، مادامت الجمعيات السياسية والحكم يهدفون إلى تحقيق الإصلاح، وتعميق التجربة الديمقراطية.
ولماذا لا يشارك المسئولون في الحكومة وعلى مستوياتهم المختلفة في الندوات العادية والجماهيرية التي تقيمها الجمعيات المعارضة، فالمشاركة هنا تعني الحوار والتعليق على ما يطرح في هذه الندوات من قضايا وآراء ومعلومات، كما انها تعني ايضا مجرد الحضور والاستماع فقط ومن دون المشاركة في الحوار الذي عادة ما يدور في الندوات أو في ورش العمل التي تقيمها هذه الجمعيات.
بعض المسئولين - وبينهم وزراء ووكلاء ومدراء - والذين دعوتهم شخصيا لحضور الندوات والورش قابلوا الفكرة بالترحيب والتخوف في الوقت نفسه، منهم من يريد ان يحضر وان يتعرف عن قرب على ما يطرح من آراء ومعلومات ومطالب، ولكنهم ايضا يتخوفون من الإحراج اذا حضروا. تُرى أليس مثل هذا الحضور افضل بدرجات كبيرة من ارسال مخبرين أمنيين غير مدركين لمعاني وابعاد ما يطرح ويتداول من آراء ومعلومات، وبالتالي ينقلونها إلى المسئولين محرفة أو حتى معكوسة، الأمر الذي يتسبب في تكوين فهم خاطئ ومواقف خاطئة من الحكم تجاه المعارضة، وهذا ما حدث فعلا في اكثر من مناسبة.
إننا اذا استثنينا الحالات القليلة التي يجد الحكم فيها نفسه محتاجا إلى الاجتماع بالجمعيات المعارضة من اجل إيصال رسالة معينة أو الطلب منها التعاون معه في موضوع معين أو مسألة حساسة تمس الداخل أو الخارج، ففي كل الاحوال كان الحكم يحصل على ما يريده من تعاون وتفهم من المعارضة، اذا استثنينا ذلك فإن ما يحدث منذ بدء المشروع الاصلاحي وحتى الآن بين الحكم والجمعيات السياسية المعارضة لا يعدو كونه «حوار الطرشان»، فالحكم يحجر على المعارضة حضور مؤتمراته الصحافية واستخدام أجهزة الاعلام الرسمية، والمعارضة تلقى الاستجابة السلبية من المسئولين عندما تدعوهم إلى حضور أنشطتها الحوارية، وهو وضع يتعارض مع الديمقراطية ومع الاعتراف والتعامل مع الرأي الآخر
العدد 352 - السبت 23 أغسطس 2003م الموافق 24 جمادى الآخرة 1424هـ